لقد أفسد احتلال عام 2003 صورة التدخل من أجل التحرير، ولكن هذا لا يعني أن يعاني أهل حمص بسبب ذلك.
جوناثان فريدلاند Jonathan Freedland
الجمعة 10 شباط/ فبراير 2012
ننتقد بحق الجنرالات الذين يحاربون دوماً الحرب الأخيرة، ولكنني أتساءل إذا ما كانت حركة السلام الحالية مذنبة بالذنب نفسه. نشأت الفكرة من نظرة سريعة على بريد الكتروني من مجموعة “أوقفوا الحرب”.
رأيت كلمات من مثل “احتشاد”، “سوريا”، “السفارة” واعتقدت أنهم ينظمون مظاهرة خارج السفارة السورية للاحتجاج على المجازر الفظيعة التي يرتكبها نظام الأسد ضد شعبه. على كل، فإن مجموعة “أوقفوا الحرب” لا تقتصر على الاعتراض على العمل العسكري الذي يشمل جنوداً بريطانيين (قاموا حديثاً بتنظيم مظاهرة خارج السفارة الإسرائيلية بمناسبة الذكرى السنوية للاعتداء على غزة). إنهم يستحقون التقدير لأخذهم موقفاً ضد الطاغية السوري، حسب اعتقادي.
ولكنني قرأت البريد سريعاً جداً. في الحقيقة، كانت مجموعة “أوقفوا الحرب” تدعوا إلى تنظيم مظاهرة خارج السفارة الأمريكية، للحث على عدم التدخل في سوريا وجارتها إيران. لم تكن عباراتهم ضد سفاح دمشق، لكنها كانت ضد المخططين في واشنطن. هنالك كلمة واحدة تصف كيف يمكن لمعارضي الحرب أن يجدوا أنفسهم أكثر تمرساً في مبدأ التدخل لوقف العنف القاتل عوضاً عن العنف القاتل نفسه، هذه الكلمة هي العراق. شوّه احتلال العراق عام 2003، لجيل كامل، الفكرة المعروفة بـ “التدخل من أجل التحرير”.
بعد العراق، أصبح أي حديث عن عمل غربي يُرد عليه بالشك والسخرية. كل من يتقدم بهذا الاقتراح يعتبر كاذباً: ويُعتبر أنه يبالغ في وصف خطر غير موجود بغرض إخفاء الهدف الحقيقي الشرير (النفط غالباً)، وأنه يتجاهل بلامبالاة الحقيقة الأكيدة بأن التدخل لن يزيد الأمور إلا سوءاً، وذلك بسبب ما حدث في العراق، بالتالي فمن المنطق أن ذلك سيحدث أيضاً في إيران وسوريا، أو أي صراع قادم. أصبحت حركة السلام تقاتل الحرب الأخيرة- حرب العراق، بشكل خاص.
ولكن إن كان من غير المنطقي اقتراح تدخل عسكري في كل حالة، كما يحلو لبعض المولعين بالحرب أن يفعلوا، فمن غير المنطقي أيضاً معارضة التدخل العسكري في كل حالة (عدا الأشخاص المسالمين تماماً). علينا أن نرى ما أدركناه جيداً قبل العراق: وهو أن كل حالة تختلف عن غيرها.
لنأخذ سوريا على سبيل المثال، أنا لست مع أولئك الذين صُدموا لرؤية أن العالم لا يقوم بشيء حيال قتل وإصابة الأطفال وآبائهم من قبل قوات بشار الأسد وطالبوا بتدخل عسكري مباشر. لا يوجد هناك خيار مزدوج بين الحرب أو لا شيء. هناك العديد من الخطوات السلمية بين الخيارين والتي يمكن اتخاذها من قبل الدول الغربية. أحد هذه الوسائل هو التشويش على الاتصال الالكتروني لقوات الأسد، عرض محفزات للمنشقين برتب عالية، والتشهير بتلك الوحدات المتورطة مباشرة في عمليات القمع الوحشي وضباط تلك الوحدات. بهذه الطريقة سيعلم جنرالات الأسد أنه وبغض النظر عن كيفية انتهاء الأزمة، فإنهم لن يستطيعوا السفر بحرية خوفاً من القبض عليهم ومحاكمتهم. بالإضافة إلى ذلك، باستطاعة الغرب دعم المعارضة والتي علينا أن نتذكر بأنها ليست جيشاً مسلحاً ولكنها بدأت على شكل مظاهرة سلمية من مواطنين عاديين سُحقت بعنف شديد.
تأتي قائمة الخيارات من كارن روس Carne Ross، الذي استقال من منصبه كرئيس لشؤون الشرق الأوسط في مهمة بريطانيا في الأمم المتحدة في العراق. لقد استقال لأنه يؤمن تحديداً بأن بريطانيا وأمريكا لم يستخدما جميع الخيارات قبل خيار الحرب. في سوريا كذلك، يعتقد كارن أن هناك العديد من خطوات اللاعنف بإمكان الغرب اتخاذها منذ البداية. إنني أوافقه الرأي، ولكن إذا لم تُوقف هذه الخطوات المجازر، فما العمل؟ “عندما يتم قتل المدنيين الأبرياء بأعداد كبيرة، تصبح القوة العسكرية خياراً أساسياً”، كما يقول كارن. بمعنى آخر، لا منطقية أخلاقية في الرفض القاطع للتدخل العسكري بعد أحداث العراق. هناك العديد، أغلبهم من اليمين، رفضوا التدخل في البوسنة في التسعينيات ومع ذلك لو تدخل الغرب بشكل أسرع لكان من الممكن الحفاظ على حياة العشرات إن لم يكن مئات الألوف من مسلمي البوسنة. يجب أن تكون القوة هي الخيار الأخير وليس الأول، كما هي للعديد من اليمينيين، ولكن يجب أيضاً أن لا تكون محذوفة من الخيارات كما هو الحال للعديد من اليساريين.
هناك طريقة مماثلة للتفكير في حالة إيران، كونها ترتد بشكل مفهوم إلى أحد الخيارات المطروحة – العمل العسكري- فمعسكر اللاحرب لا يعترف بوجود مشكلة أساساً، أي امتلاك إيران لأسلحة نووية. إنه يرفض أي حديث عن الموضوع كونه غير قابل للتغير ومثير للحرب، مفترضاً أنه لا يعدو أكثر من كونه إعادة لسيناريو العراق، قرع طبول الحرب لغرض الحرب (أو النفط)، بالإضافة إلى الخوف من الخطر الأجوف من إيران كخطر صدام سابقاً.
يُعتبر هذا الافتراض دقيقاً ولكنه سهل جداً. نعم، هناك اختلاف حول ما إذا كانت إيران تخطط لامتلاك أسلحة نووية أو إلى أي مدى وصلت في طريقها للحصول على تلك الأسلحة، ولكن من الطبيعي أن تشعر إسرائيل بأنها مهددة بشكل متوقع، خاصة أن إيران ترفض الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، وأن الشعارات على الصواريخ الإيرانية تتوعد بمحو إسرائيل من الخريطة. يقول كارن روس إن مخاوف إسرائيل مشروعة تماماً “لماذا على إسرائيل أن ترتبك؟” يأتي الرد: “لديهم قنابل نووية أيضاً أليس كذلك؟”. ولكن المواجهة بين إسرائيل وإيران في المجال النووي لن تكون كروسيا وأمريكا في الحرب الباردة مع خطوط اتصالاتها واتجاهاتها العسكرية المتفاوض عليها والمستقرة، انفراج في التوازن النووي. لا يوجد هناك تواصل أو تفاهم بين إيران وإسرائيل. سيكون الشرق الأوسط على بعد ضغطة زناد من حرب نووية.
على معسكر اللاحرب الاعتراف بوجود مشكلة على الأقل، وعلى الرغم من أن أي عمل عسكري لوقف إيران سيكون له تبعات مخيفة، إلا أن تبعات الحرب الإيرانية النووية مخيفة أيضاً. إنهم لا يعارضون القوة فحسب بل إنهم يعارضون أيضاً أي خطوة يتخذها الغرب لمنع نووية إيران، بما في ذلك العقوبات والتشويش. يجب أن تكون حركة اللاحرب المدافع الأعلى صوتاً لبدائل اللاعنف عن العمل العسكري. ويمكن تطبيق ذلك على سوريا أيضاً، والتي يبقى العالم صامتاً تجاه قضيتها، وخارجاً عنها.
بسبب التضليل حول حدث بالعراق، فقد كان اليساريون محقين في معارضة الحرب، كما عارضتها أنا كذلك. ولكن ليست جميع مشاكل العالم سواء في طهران أو في حمص تعتبر إعادة لعام 2003. لدينا مشاكل جديدة الآن. إذا فشلنا في رؤية ذلك، فإننا نجعل أهالي حمص يدفعون ثمن الخطأ الذي ارتكبناه في بغداد.
المصدر