توماس فريدمان Thomas L. Friedman
14 شباط / فبراير 2012
إن مشاهدة الجيش السوري يقوم باجتياح مدينة حمص لإخماد التمرد ضد نظام الرئيس بشار الأسد لهو طبعة جديدة لفيلم سيء من بطولة والد بشار، حافظ، حدث في هذا الشهر منذ 30 عاماً تماماً. أعلم ذلك لأني شاهدت النسخة الأصلية.
وصلت إلى بيروت في نيسان/أبريل 1982 كمراسل لصحيفة النيويورك تايمز The New York Times، وسرعان ما سمعت بقصص مرعبة عن الانتفاضة التي حدثت في شباط/فبراير في مدينة حماة السورية بقيادة الإخوان المسلمين، تم تناقلها بالكلام (حيث لم يتوفر انترنت أو هواتف جوالة في ذلك الوقت) مما ساعد الرئيس حافظ الأسد على قمع التمرد من خلال قصف جميع أحياء مدينة حماة ثم زرع الديناميت في المباني، بعض تلك المباني مازال سكانها داخلها.
حصلت على تأشيرة دخول إلى سوريا في أيار/مايو من ذاك العام، عندئذٍ كانت حماة قد تم إعادة فتحها. وكان النظام السوري يشجع السوريين على زيارة المدينة المكسورة للتأمل وأخذ العبرة. لذلك أخذت سيارة أجرة وتوجهت إلى هناك.
كان المنظر مذهلاً! دُمرت مساحات كاملة من الأبنية، وتم تسوية الأرض مكانها وتحويلها إلى مواقف للسيارات بحجم ملاعب كرة قدم. إذا ركلت الأرض قليلاً قد تشاهد قطعاً من الثياب أو كتاباً مهترئ، أو حذاء.
قدرت منظمة العفو الدولية Amnesty International أن حوالي 20 ألف شخص قُتلوا هناك. لم أكن قد رأيت في حياتي وحشية في هذا المستوى، وقد أسميتها فيما بعد في كتاب كتبته لاحقاً باسم “قانون حماة”.
قوانين حماة تعني أنه لا يوجد قوانين مطلقاً، فبإمكانك أن تفعل ما تشاء لتبقى في السلطة وليس مجرد هزيمة خصومك. تقصفهم في منازلهم ثم تمسحهم من على وجه الأرض حتى لا ينسى أبناؤهم وأبناء أبنائهم من بعدهم، وألا يحلموا في تحديك مرة أخرى.
لكن بعد ثلاثين عاماً نسي أطفال هؤلاء الأطفال السوريين وكسروا خوفهم. ولكن هذه المرة لم يكن تمرداً للإخوان المسلمين في مدينة واحدة فحسب. الآن إنها ثورة شباب في كل أنحاء سوريا. محررا كتاب “جيل الانتظار: الوعد غير المحقق لشباب الشرق الأوسط” نافتيج ديلون Navtej Dhillon وطارق يوسف، لاحظا أن أكثر من مئة مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 29 من أصل أقل من 67 مليون في عام 1990 كانوا قد تلقوا وعوداً من قبل حكومات بلادهم بتأمين فرص للعمل والزواج، وتأمين شقق وسماع أصواتهم فيما يخص مستقبلهم. كل هذا لم يتحقق مما أدى إلى اشتعال كل هذه الانتفاضات البركانية.
ولكن سوريا ليست النرويج. فالسعي وراء الديمقراطية ليست الدراما الوحيدة التي تلعب دوراً هنا. فسوريا دولة مقسمة طائفياً وعشائرياً بشكل كبير. حيث أن الطائفة العلوية “شيعية الميول” وهي أقلية ( بقيادة الأسد وتضم حوالي 12% من السكان) تسيطر على الحكومة والجيش وأجهزة الأمن. أما السوريون العرب المسلمون السنة فيشكلون حوالي 75%، والمسيحيون يشكلون 10% أما الدروز والأكراد وباقي الملل فتشكل النسبة المتبقية. بينما بدأت الانتفاضة السورية كتعبير يحمل طابعاً سلمياً وغير طائفي من قبل شبابٍ سوري لنيل حقوقهم في المواطنة، أدى رد الأسد حسب قوانين حماة إلى رد فعل عنيف. مما أثار المخاوف الطائفية بين الجميع. فقد أصبح من الصعب الآن معرفة متى ستتوقف التطلعات الديمقراطية وتبدأ التطلعات الطائفية (كالرغبة عند الأكثرية السنية السورية للإطاحة بالأقلية العلوية).
ونتيجة لذلك فإن معظم العلويين يحتشدون حول الأسد بالإضافة إلى بعض السنة المنتفعين من النظام تحديداً في مدينتيّ حلب والعاصمة دمشق. هؤلاء الموالون من العلويين والسنة يرون الفوضى وأعمال الشغب أثناء مباراة كرة القدم في مصر فيقولون لأنفسهم “إما الأسد أو الفوضى، سنختار الأسد.” ما العمل؟ نحن نريد الانتقال السلمي من الحكم المطلق للأسد إلى سياسة أكثر تعددية وتوافقية. نحن لا نريد الحرب الأهلية والتي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأكملها. تذكر أن الوضع انفجر داخلياً في مصر، وفي ليبيا، وفي تونس،… ولكنه في سوريا سينفجر إلى الخارج.
لا أعلم ما الذي قد يقنع الأسد للتنازل عن الحكم وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ولكنني أعرف ماذا يحتاج: يجب أن يخسر العامليّن الأساسيين المحافظيّن على نظامه. أحدهما: الدعم من الصين وإيران وروسيا. حيث يتوجب على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية والإسلامية أن تطلب من موسكو وبكين وإيران التوقف عن دعم نظام الأسد في قتل المدنيين العزل. الصين وروسيا وإيران قد لا تهتم لإدانة أمريكا إلا أنها قد تهتم لباقي العالم.
أما العامل الآخر فلا يستطيع إنهاءه إلا السوريون أنفسهم. فالمعارضة السورية المنقسمة يجب أن تجد الطريقة لتجمع نفسها، وعليها أن تتواصل مع العلويين، وكذلك أن تطمئن المسيحيين والتجار السنة بأن مصالحهم ستبقى محفوظة في سوريا الجديدة مما سيدفعهم للتخلي عن الأسد. وبغير ذلك فلن يحدث أي شيء جيد في هذا الخصوص. فكلما أثبتت المعارضة السورية نفسها أمام السوريين جميعاً وأمام العالم بأنها تسعى إلى سوريا تعددية (بحيث يتم التعامل مع كل مواطن على قدم المساواة) كلما ضعف نظام الأسد وحصلت سوريا على فرصة أكبر في الاستقرار.
وطالما لا تزال المعارضة منقسمة، فإن الأسد سيصبح أقوى وسيتشبث السوريون به خوفاً من الفوضى وعندها سيفلت الأسد من حساب قوانين حماة.
المصدر: