لماذا ينبغي ألا تشكك فيما تعلم أنه حقيقة

سيمون كوليس Simon Collis

9 شباط 2012


لقد كنت السفير البريطاني إلى سوريا منذ العام 2008، لكن زيارتي الأولى لهذا البلد تعود لأكثر من ثلاثين عاما مضت. سوريا: أعرفها جيداً، وأحبها كثيراً جداً. ممّا يجعل ما يحدث منذ آذار من العام الماضي أشدّ رعباً وحزناً بالنسبة لي أنا شخصياً.

تقول الأمم المتحدة أن أكثر من 5400 شخص لقوا حتفهم في الأشهر العشرة الماضية، بعضهم من جراء التعذيب في السجون. المجموعات الأخرى – وخاصة تلك المعارضة للرئيس الأسد ونظامه – تدعّي أن الرقم أعلى من ذلك بكثير. النظام السوري في المقابل يخبرنا أن هذه المزاعم مبالغٌ فيها وأن على العالم أن ينظر بدلاً من ذلك إلى مصرع الجنود وقوات النظام.

من على حق؟ الناس يقولون أنه لم يعد من الممكن إخفاء الحقيقة. فأي شخص يستطيع نشر شريط فيديو على موقع يوتيوب أو رابط على تويتر twitter  حتى يراه العالم. لكن من الممكن في بعض الأحيان أن تؤدي غزارة المعلومات المتوفرة إلى حالة من الغموض والتشويش بشأن التفاصيل، بدلاً من المناقشة الواعية والحجج العقلانية حول الحقائق.

في بعض الأحيان نركّز أكثر مما يجب على الخلاصة المجرّدة للأمور وأقل مما يجب على ما تراه أعيننا.

لطالما رأيت نظام حافظ الأسد وابنه بشار في حالة صراع طوال الفترة الزمنية المديدة التي عرفت فيها سوريا. لم تكن سلالة الأسد الحاكمة ودودة مع شعبها في يوم من الأيام. لقد رأيت جروح الأشخاص الذين أطلق سراحهم من السجن. لقد تحدثت الى عائلات اختفى أفراد منها بكل بساطة. لقد استمعت لهؤلاء الذين تلقّوا طرقات على أبواب بيوتهم في الساعة الثانية فجرا من قبل الاستخبارات ومن ثم نقلوا بعيدا بسبب إهانة غير معروفة بحق السلطات السورية.

لكن مع أنني كنت شاهداً على الجانب المظلم لسوريا ، فإن العنف والوحشية التي شهدتها على مدى العشرة أشهر الأخيرة قد صدمتني.

منذ بداية هذه الاضطرابات، تكشّفت تكتيكات النظام بوضوح تام. في 15 آذار2011 شاهدنا كيف اصطف أربعون من السوريين خارج وزارة الداخلية في ساحة المرجة وسط دمشق في احتجاجٍ صامت على الإعتقال التعسفي لأصدقائهم وأفرادٍ من عائلاتهم. لم تصدر عنهم أية هتافات استفزازية كما لم يحرّضوا على أي عنف.

كل ما في الأمر أنهم رفعوا صوراً لأصدقائهم وأفراد عائلاتهم ممن تم احتجازهم لشهور أو سنوات بدون محاكمة. لقد كان مشهداً للاحتجاج السلمي الكريم.

بعد 10 دقائق، كان صبر النظام قد نفذ. وصلت قوات أمن بملابس مدنية بشكلٍ جماعي. وقفنا نشاهدهم يضربون المدنيين الأبرياء بالعصي والهراوات. لم يراعَ أي اعتبار للمسنين والنساء  والأطفال الصغار. عوملوا جميعاً بذات القدر من الوحشية.

تردّد هذا المشهد مراراً وتكراراً. في المسجد الأموي الرئيسي وسط دمشق، شاهدتُ مجموعةً صغيرة من السوريين يهتفون من أجل حريتهم – فقط ليتعرضوا للضرب على أيدي بلطجية النظام.

لقد رأيت بنفسي ما يمكن أن يقوم به هذا النظام – وما يقوم به دون هوادة، وعلى نحو يومي.

في كل فرصة ممكنة، أدعو المعارضة السورية أن تتجنب خيار المقاومة مسلحة. لكن الحقيقة المحزنة هي أن العنف يولّد العنف. ولهذا السبب فإنه من المهم أن تمتنع جميع الأطراف عن العنف وأن يسمح النظام للانتقال السياسي عوضا عن تكرار وعوده الجوفاء بالإصلاح.

من دون معرفة السياق، قد يكون من الصعب فهم لقطات اليوتيوب YouTube المأخوذة بواسطة كاميرات أجهزة الهاتف المحمولة. قد يكون صعبا فهم السبب وراء اتخاذ رجل ورب عائلة في بلدة سورية قراراً بحمل السلاح ضد حكومته. قد يكون صعبا تصديق أن أكثر من 5000 شخص قُتلوا في عشرة أشهر، أو أن التعذيب بات حدثاً عاديا في السجون بما فيه التعذيب الوحشي للأطفال، فيما الجيش يوجه دباباته وقذائف الهاون ضد مواطنيه. لو لم أكن قد رأيت بنفسي ما يفعله النظام السوري لكنت طرحت هذه الأسئلة أيضا.

لكنني رأيت. وهو أمر صادم إلى حدٍّ لا يمكن تجاهله. ولهذا السبب هالني جداً أمر الاعتراض باستخدام حق النقض الفيتو على مشروع القرار المقدّم من قبل المغرب، والداعم لجهود الجامعة العربية من أجل حل الأزمة. القرار لم يفرض أية عقوبات أو يأذن بعمل عسكري. ولقد عملنا في كل مرحلة على استيعاب مخاوف الآخرين. لم يكن في مشروع القرار ما يبرر الاعتراض عليه. وعلى أولئك الذين عارضوه  أن يقدّموا للشعب السوري تفسيراً عن أعمالهم تلك وعن الرعب الناتج عن مأساتهم المتكشفة.

حان الوقت للعالم كي يتكلم بصوت واحد لإدانة انتهاكات نظام الأسد ودعم جهود الجامعة العربية لتحقيق حل سلمي سوري المنشأ للأزمة الرهيبة التي تتكشف أمامنا.

المصدر

Why you shouldn’t question what you know is true

2 responses to “لماذا ينبغي ألا تشكك فيما تعلم أنه حقيقة

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s