بقلم: سكوت ستيوارت Scott Stewart
15 كانون الأول/ديسمبر 2011
الاضطراب و العنف و الحملة الأمنية في سوريا كانت العنوان لمعظم الاهتمام الدولي منذ شباط فبراير الماضي . توقعاتنا الحالية ترى ان الحكومة و المعارضة السورية و صلوا لطريق مسدود في حل الأزمة في سوريا: فالحكومة لم تعد قادرة على قمع الأحتجاجات بينما المعارضة غير قادرة على اسقاط النظام بلا تدخل دولي .
في عدد ٨ كانون الاول/ديسمبر الماضي من سيكيوريتي ويكلي Security Weekly، ناقشنا الحرب الاستخباراتية السرية التي تشنها الولايات المتحدة و اسرائيل و حلفاء الولايات المتحدة التي تعمل معها ضد ايران ، هذه الجهود ليست فقط موجهة ضد برنامج ايران النووي ، بل ايضاً ضد قدرة ايران على اقامة قوس نفوذ من ايران سوريا و لبنان . تحقيقاً لهذه الغاية ، الولايات المتحدة و حلفاؤها تحاول الحد من نفوذ ايران في العراق و على كبح جماح حزب الله في لبنان . و لكن من الواضح ايضاً انهم يحاولون اكتشاف سبل لاطاحة الرئيس بشار الاسد ، و هو حليف قديم لايران ، و الذي هو ايضاً في موقف خطر بسبب الاضطرابات الحالية في البلاد . في الواقع، مسؤول رسمي في وزارة الخارجية الامريكية وصف نظام الاسد بأنه “رجل محكوم بالإعدام” .
ولذلك نود ان ندرس عن كثب الجهود الخارجية الممكنة اللازمة لاسقاط النظام السوري . لدى القيام بذلك ، سوف نقوم بدراسة أنواع الادوات المتوفرة للقوى الخارجية التي تسعى للإطاحة بحكومة ما، وموقع هذه الأدوات على سلّم القوة، والتي تتراوح بين مجموعة من الانشطة السرية الممكن انكارها إلى الغزو الشامل، و سوف نناقش ايضاً بعض المؤشرات التي يمكن استخدامها من قبل المراقبين الخارجيين الذين يسعون الى فهم أي جهود تتخذ ضد النظام السوري .
سوريا ليست ليبيا
من المغري مقرنة سوريا بليبيا التي كان مؤخراً هدفاً لتدخل خارجي . بعض اوجه التشابه موجودة . استولى نظام الاسد على الحكم في سوريا عن طريق انقلاب عسكري في وقت قريب من وصول نظام القذافي الى الحكم في ليبيا ، كما أن النظامين وحشيان على حد سواء . و مثل ليبيا ، سوريا تنقسم على طول الخطوط الديموغرافية والطائفية وتحكمها اقلية صغيرة من السكان .
و مع ذلك ، يجب ان نعترف ان الوضع في سوريا مختلف عن ليبيا . اولاً، خطوط الصدع التي تقسم المجتمع السوري ليست متمايزة مناطقياً كما في ليبيا ،في سوريا ، ليس هناك منطقة مثل بنغازي حيث يمكن للمعارضة الهيمنة و السيطرة على رقعة من الاراضي التي يمكن استخدامها كقاعدة لمشروع الاستيلاء على السلطة . كما تشير الخرائط لدينا، وقعت احتجاجات في جميع انحاء سوريا و الجيش الحر في سوريا يدعي ان له وجود في عدة مناطق في البلاد .
علاوة على ذلك، على الرغم من انشقاق بعض الجنود ذوي الرتب المنخفضة –والذين هم في غالبيتهم من السنة– عن الجيش المسيطر عليه من قبل العلويين وانضمامهم الى الجيش الحر، فإن سوريا لم تشهد الانشقاقات الواسعة التي شهدها النظام الليبي في بنغازي وشرق ليبيا في بداية الصراع، والتي قدمت على الفور قوة عسكرية كبيرة ( في بعض الاحيان وحدات كاملة انشقت ) للمعارضة الليبية، لقد ظل الجيش السوري حتى الان اكثر توحداً و تماسكاً من الجيش الليبي.
ثانياً، سوريا ببساطة لا تملك موارد نفطية مثل ليبيا ، فلم نر الاوروبيين يدفعون للتدخل العسكري في سوريا بنفس الحماسة كما فعلوا في ليبيا ، حتى فرنسا –التي كانت الاكثر صخباً ضد سوريا من بين الدول الاوروبية– نأت بنفسها مؤخراً عن التدخل العسكري المباشر. القدرات العسكرية السورية –خاصة الدفاع الجوي الذي هو اقوى بكثير من نظيره الليبي– يعني ان التدخل العسكري سيكون اكثر تكلفة بكثير في سوريا عمّا كان في ليبيا من حيث الخسائر البشرية و المالية . في الواقع، سوريا دفعت ما يقارب ٢٦٤ مليون دولار على اسلحة الدفاع الجوي في عامي ٢٠٠٩ و ٢٠١٠ بعد الضربة الجوية الاسرائيلية المحرجة في سبتمبرأيلول ٢٠٠٧ على المفاعل النووي السوري .
وحيث أن المستقبل لا يزال غير واضح في ليبيا، لايبدو أن الولايات المتحدة و اوروبا لديهم الحافز السياسي او الاقتصادي لإجراء تدخل عسكري كبير جديد (العمليات في ليبيا كانت مكلفة جداً)، نحن ايضاً لا نعتقد ان القوى الاقليمية المعنية بالشأن السوري مثل السعودية او الاردن او تركيا يمكنها القيام بعمل عسكري ضد سوريا من دون دعم الولايات المتحدة و حلف شمال الاطلسي .
بغض النظر عن ذلك، من المهم أن نتذكر أن هناك العديد من الخيارات التي يمكن أن تطبقها الحكومات الأجنبية ضد نظام الأسد (أو أي نظام آخر) من دون أن تشكل غزواً صريحاً أو حتى حملة جوية تدعمها قوات العمليات الخاصة.
سلّم القوة The Force Continuum
بينما ندرس بعض الإجراءات المتاحة على طول سلّم القوة، ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن الدرجات ليست ثابتة على الإطلاق ، فيمكن أن يكون هناك الكثير من الحرية للعمل في كل درجة. على سبيل المثال، يمكن أن يتم توفير التدريب على أيدي مرتزقة أو فرقة العمليات الخاصة التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية بشكل أكثر سرّية بكثير –وبالتالي من الأسهل بمكان نكرانه– من التدريب الذي تقدمه القوات الخاصة في الجيش الامريكي.
الخيار الأقل مخاطرة بالنسبة للبلد المتدخل هو السعي لزيادة أنشطة المخابرات في البلد المستهدف. يمكن أن تنطوي هذه الأنشطة على الأنشطة السرية مثل إنشاء قنوات اتصال مع شخصيات معارضة أو تشجيع جنرالات لإجراء انقلاب أو الانشقاق والانضمام للمعارضة. ويمكن للجهود السرية أن تشمل أيضاً العمل مع جماعات المعارضة والمنظمات غير الحكومية لتحسين أنشطتها في إطار حرب المعلومات. هذه الأنشطة يمكن ان تتطور إلى عمليات سرية أكثر تحديداً، مثل الاغتيالات والتخريب. يمكن وضع معظم الإجراءات المتخذة في الحرب الاستخبارية السرية ضد ايران في هذا المستوى.
غالبا ما تكون الأنشطة السرية والأنشطة المغطاة مصحوبة أو مسبوقة بضغوط دبلوماسية علنية. وهذا يشمل تصريحات صحفية تندد بقيادة للبلد المستهدف ، والشروع في قرارات في المنظمات الدولية ، مثل الجامعة العربية أو الأمم المتحدة، والعقوبات الاقتصادية الدولية. يمكن لهذه التدابير العلنية أن تشمل أيضا عقد اجتماعات رسمية مع ممثلي المعارضة في بلد ثالث ، كما هو الحال عندما اجتمعت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون مع أعضاء من المعارضة السورية في جنيف في السادس من كانون الأول.
المستوى التالي الأعلى على سلّم القوة هو توطيد العلاقة مع المعارضة والبدء في توفير التدريب لهم ، والاستخبارات والمشورة. في التدخل في ليبيا ، حدث هذا في وقت مبكر نسبيا حيث سافر ضباط المخابرات الأجنبية وقوات العمليات الخاصة إلى أماكن مثل بنغازي –ثم في الجبل الغربي في وقت لاحق– لتزويد المعارضة الليبية بالمعلومات بشأن قوات القذافي ، والبدء في تدريب ميليشيات للقتال. في سوريا لا تزال هناك مسألة أساسية جدا وهي عدم وجود وحدة في المعارضة التي تبدو أكثر تفتتا من نظيرتها الليبية.
في هذا المستوى، غالبا ما تأخذ الحكومات الخارجية مقاتلي المعارضة إلى بلد ثالث للتدريب. هذا بسبب صعوبة المشاركة في التدريب داخل الوطن الذي تسيطر عليه حكومة معادية تعتبر بشكلٍ محقّ أن المعارضة تمثل تهديداً. نحن نشهد بالفعل علامات على أن هذا يحدث مع تدريب أعضاء الجيش الحر في تركيا.
الخطوة التالية بعد التدريب وتبادل المعلومات الاستخبارية هو توفير التمويل للمعارضة وغيرها من أشكال الدعم التي يمكن أن تشمل المواد الغذائية والملابس ومعدات الاتصالات والمساعدة الطبية وحتى الأسلحة. نؤكد من جديد أن توفير التمويل لا يعتبر عملاً عدوانيا بقدر تقديم السلاح للمعارضة ، لذلك هنالك مجال كبير من حرية العمل في هذا المستوى.
عند تقديم أسلحة، عادة ما تورد حكومة من الخارج لقوات المعارضة أسلحة مستخدمة في بلدهم الأصلي. يتم ذلك للحفاظ على إمكانية إنكار المساعدة. على سبيل المثال ، في بداية الدعم الدولي للمجاهدين الذين كانوا يحاربون الغزو السوفياتي لأفغانستان، انصبّت الجهود لتزويد المقاتلين بأسلحة تتوافق مع تلك التي يستخدمها السوفيت والشيوعيين الأفغان. ومع ذلك، عندما ثبت عدم كفاية تلك الأسلحة لمواجهة التهديد الذي يشكله التفوق الجوي السوفياتي، اتخذ قرار بتقديم نظم ستينغر إف أي إم 92 للدفاع الجوي المحمولة على الكتف (MANPADS) إلى المقاتلين الأفغان. من الناحية التكتيكية، افادت تلك النظم المجاهدين كثيرا في ساحة المعركة. لكن بما انها كانت أنظمة تسليح متقدمة غريبة عن أفغانستان فإنها حرمت الأمريكيين من إمكانية نكران تقديمهم السلاح للأفغان بشكلٍ قابلٍ للتصديق.
شهدنا وضعا مماثلا في ليبيا في مايو/أيار، عندما بدأ المتمردون باستخدام بنادق بلجيكية الصنع FN – FAL. في حين أن العديد من المتمردين نهبوا مستودعات الأسلحة التابعة للقذافي والمليئة ببنادق كلاشينكوف من الحقبة السوفيتية، فإن ظهور بنادق FN – FAL يوضح ان المتمردين يتلقون الأسلحة من الخارج. كما أن ظهور قنابل ايرانية الصنع في العراق في الفترة 2006-2007 مثال آخر عن تدخل حكومة أجنبية في صراعٍ مسلح.
بما أن تزويد أسلحة أجنبية إلى بلد يلغي إمكانية الإنكار القابل للتصديق، فإننا نصنّفها على اعتبار أنها خيار جانبي على سلّم القوة. من الممكن أن يكون للكشف عن يد خارجية أيضاً تأثير نفسي على أعضاء النظام بالإشارة على أن عامل أجنبي قوي يقدم الدعم للمعارضة.
يبدأ المستوى التالي بإدخال التدخل الأجنبي المباشر في المعادلة. هذا يستتبع عادة قيام قوات العمليات الخاصة الأجنبية بالعمل مع القوات البرية المحلية وإشراك القوة الجوية الأجنبية في العمليات. رأينا هذا النموذج مستخدماً في غزو افغانستان عام 2001 ، حيث وكالة المخابرات المركزية وقوات العمليات الخاصة والقوة الجوية ساعدت قوات التحالف الشمالي الافغاني البرية على هزيمة طالبان بسرعة. كما تم استخدام هذا النموذج بنجاح ضد نظام القذافي في ليبيا.
الخطوة الأعلى والأقل استخداماً على سلّم القوة هو الغزو الأجنبي، كما في الغزو الامريكي للعراق عام 2003.
مقدمات للتدخل
مع وضع هذه المجموعة من الإجراءات في الاعتبار، يمكن للمراقبين الخارجيين البحث عن دلائل تشير إلى أين تتموضع الجهود الخارجية لدعم نضال ما على طول السلّم.
تشمل بوادر حملة مخابراتية سرّية انشقاق ضبّاط هامين، محاولات انقلاب أو حتى انقسامات كبرى داخل الجيش. عندما تنشق شخصيات مثل رئيس الاستخبارات الليبية ووزير الخارجية موسى كوسا عن نظام القذافي، فإنها تفعل ذلك استجابة لجهود الاستخبارات السرية.
سيظهر أثر التدريب والدعم من خلال زيادة فعالية الجيش الحر، كأن يبدؤوا فجأة باستخدام تكتيكات جديدة، أو ضرب أهداف جديدة، أو إظهار القدرة على تحسين تنسيق العمليات على مساحة جغرافية واسعة. علامة أخرى على زيادة الفعالية أن يبدأ الجيش الحر بتنفيذ عمليات نوعية تتناسب مع الحرب غير المتكافئة ، مثل الكمائن المنسّقة أو الكر والفر و الهجمات الموجهة ضد أهداف ذات قيمة عالية. كما سوف يساعد مدربون أجانب الجيش السوري الحر على تعلم كيفية تطوير شبكات بين السكان المحليين من أجل تقديم المعلومات الاستخباراتية واللوازم ، والاتصالات ، والمأوى ، والإنذار المبكر.
يؤدي التدريب في الخارج والدعم الاستخباراتي إلى زيادة الأثر الاستراتيجي للهجمات التي تشنّها جماعات المعارضة المسلحة كالجيش الحر. المعارضة تزعم أنها أجرت عدة ضربات ضد أهداف مثل مديرية المخابرات الجوية السورية في ريف دمشق، ولكن مثل هذه الهجمات لا يبدو أنها مفيدة جدا. لقد حققت هذه الهجمات حتى الآن أغراضاً دعائية أكثر من تحقيق أهداف عسكرية. نحن نراقب بدقة الجهود المزعومة للجيش الحر لتصل إلى أنابيب النفط والغاز الطبيعي لمعرفة ما اذا كانت تصبح أكثر تنظيما وفعالية من الناحية التكتيكية. لقد سمعنا شائعات عن تدريب قوات العمليات الخاصة الامريكية والفرنسية والتركية والأردنية عناصر الجيش الحر في تركيا، إذا كانت هذه الشائعات صحيحة ، يجب أن نبدأ في رؤية نتائج التدريب في المستقبل القريب.
بينما نشاهد أشرطة الفيديو والصور القادمة من سوريا، نبحث باستمرار عن أدلة على حصول الجيش السوري الحر إما على زيادة في كميات الأسلحة الواردة إليه أو مؤشرات على توريد الأسلحة من الخارج. هذا لا يشمل كمية أكبر من الأسلحة فحسب، وإنما أنواع مختلفة أيضاً مثل صواريخ موجهة مضادة للدبابات، قذائف هاون، ألغام، وأنظمة الدفاع الجوي المحمولة، والعبوات الناسفة اليدوية. لم نر بعد زيادة في كميات الأسلحة أو أسلحة الخارجية ، يبدو أن الجيش السوري الحر يستخدم الأسلحة التي انشق بها.
إذا فكرت قوى خارجية في شن حملة جوية من شكلٍ ما –أو إقامة منطقة حظر طيران– سيكون عليهم تكثيف جهود المراقبة لتحديد مواقع وحالة أنظمة الدفاع الجوي السوري. سوف يؤدي ذلك الى زيادة معدات المراقبة والطلعات الجوية في المناطق القريبة جدا من سوريا. كما سيتم نقل الطائرات التي ستستخدم في تدمير الدفاعات الجوية جواً الى مسرح العمليات قبل بدء أي عملية جوية، وزيادة في الطائرات، لذلك فإن أي زيادة في أعداد طائرات من قبيل إف-16 سي جي F-16CJ الأمريكية وتورنيدو جي أر فور إس GR4s البريطانية في قبرص أو تركيا أو اليونان يعد مؤشراً مهماً جديراً بالمراقبة، كما أن الحضور المتزايد لطائرات الحرب الإلكترونية من طرازي إي إى-6 بي براولر EA-6B Prowler وإي إى-18 جي غراولر EA-18G Growler –كلاهما يُنقل على ظهر حاملات الطائرات ضمن تشكيلات حاملات الطائرات الضاربة Carrier Strike Groups الأمريكية– سيكون جديراً بالمراقبة أيضاً.
[ملاحظة: تشكيلات حاملات الطائرات الضاربة Carrier Strike Groups عبارة عن تشكيل عملياتي مستخدم من قبل البحرية الأمريكية، تتألف كل واحدة من هذه التشكيلات عادة من حوالي 7500 عنصر، حاملة طائرات، طرّاد واحد على الأقل، وسرب مكون من مدمّرتين و/أو فرقاطتين – المترجم]
مثل غزو العراق عام 2003 ، سيكون أي غزو لسوريا مهمة ضخمة وسيكون هناك أدلة واضحة على الاستعدادات لغزو خارجي من هذا القبيل. احتمال حصول عمليات ضد سوريا من المستوى الأعلى على سلّم القوة بعيد جداً، بدلاً من ذلك علينا التركيز على الإشارات الخفية للتدخل الأجنبي والتي ستدلّنا على ما يحدث في المستويات الدنيا من السلّم، في النهاية أي تشبيه بـ “رجل محكوم بالإعدام” يجعل المرء يتساءل ما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها سيتخذون أية خطوات للتعجيل بزوال نظام الأسد.
المصدر