حان الوقت للتفكير بجدية بالتدخل في سوريا

ستيفن أ. كوك Steven A. Cook

17 كانون الثاني/يناير 2012

زميل حسيب ج. صباغ للدراسات الشرق أوسطية في مجلس العلاقات الخارجية ومؤلف “الصراع على مصر: من ناصر إلى ميدان التحرير”

الحكمة المتعارف عليها في واشنطن وخارجها هي أن بشار الأسد سيسقط من تلقاء نفسه وأن التدخل ستكون له آثار عكسية، لكن مع آلاف الأرقام من القتلى نحن بحاجة لإعادة النظر في هذه الادعاءات.

متظاهر سوري يواجه قوى الأمن قرب حمص/ رويترز

الأمر الأكثر إثارة للدهشة بشأن كيفية تحدث خبراء السياسة الخارجية والنخب الأميركيين اليوم عن سوريا هو الجانب الوحيد من أزمة البلاد الذي لا يريدون مناقشته.

النقاشات الفعلية المتعلقة بالتدخل الدولي المباشر في الاحتجاجات والقمع الذي أودى بحياة أكثر من 5000 سوري شبه معدومة.

رداً على عنف نظام بشار الأسد الموجه  ضد المتظاهرين السلميين على نطاق واسع، مما ينجم عنه يومياً عشرات القتلى، أدان المجتمع الدولي دمشق ” بأقوى عبارات ممكنة” كما يحب الدبلوماسيين القول، واضعين البلاد وقادتها تحت العقوبات، وباحثين عن تدابير عقابية إضافية لا ترقى إلى مستوى استخدام القوة .

الغريب، في الوقت نفسه رفض الولايات المتحدة، أوروبا، والجامعة العربية على ما يبدو مواجهة عنف بشار الأسد بالعنف، هناك فرضية في واشنطن تقول بأن سقوط النظام السوري ليس سوى مسألة وقت.

هذا إلى حد كبير حدس يخدم مصالح ذاتية ذلك أنه ليس من الضروري أن يتوافق مع ما يحدث فعليا في سوريا، لكنه بأية حال يؤمن غطاءً من أجل عدم فعل شيء حيال حماية الناس الذين هم تحت رحمة حكومة عاقدة العزم على استخدام الوحشية لاستعادة سلطتها.

  في النهاية، إذا كان العديد من السوريين المنخرطين في انتفاضة مفتوحة منذ آذار السنة الماضية على وشك إسقاط الأسد، إذن، وكما تقتضي الحكمة، ليس هناك حاجة لاستجابة دولية وهؤلاء ليسوا بحاجة إلى نقاشٍ مرير حول إمكانية استخدام القوة في سوريا. لكن هذا المنطق يبدو أقل إقناعا يوما بعد يوم، وإنه ربما حان  الوقت لإعادة تغيير فرضياتنا حول التدخل.

إذا ما أراد العالم أن يرى نهاية الأسد، سوف يكون عليه طلب التدخل الدولي

بالرغم من الاعتقاد السائد حالياً في دوائر السياسة بأن سقوط الأسد فقط مسألة وقت ، إلا أن الأحداث في سوريا تشير إلى خلاف ذلك. منذ آذار الماضي، آلاف وآلاف من السوريين خرجوا إلى الشوارع، بداية طلبا للإصلاح والآن لإسقاط نظام الأسد، الذي يعتبرونه بما لا يقبل الشك غير ممكن التراجع عنه.

السوريين على استعداد لمواجهة قوات الأمن والجيش المخيفة التي أنشئت، ودُرّبت، وزودت بالعتاد ليس لمحاربة اسرائيل و لكن للقمع. القوة الاقتصادية للولايات المتحدة، الاتحاد الاوروبي، وتركيا (30% من تجارة سوريا كانت سابقاً مع الاتحاد الأوروبي وتركيا)  طبقوا ما كان يؤمل منه أنه سيكون عقوبات قاسية على الأسد.

هناك أدلة بأن هذه التدابير قد تسببت بعدد من المشاكل لسوريا، بما في ذلك ارتفاع في أسعار المواد الغذائية وأسعار الوقود. لكن العقوبات فشلت في تغيير تعامل النظام مع الاحتجاجات. في الحقيقة، لطالما أظهرت القيادة السورية استعداداً أكبر لفرض المعاناة على شعبها لضمان بقاء النظام.

يصر السورييون على مجابهة عنف النظام، كما أن هناك انشقاقات عن القوات المسلحة. ومع ذلك ما زالت أعداد الضباط والمجندين الذين انشقوا قليلة: يظهر أن أعداد الجيش السوري الحر المعادي للنظام لا تتجاوز بضع مئات. يبدو بأن ضباط الجيش السوري ما زالوا يؤمنون بأن بقاءهم مع الأسد يخدم مصالحهم بخلاف ما هو في تونس أو في مصر خلال الثورتين هناك، حتى الهجمات الإرهابية الراهنة على دمشق، ضد الأهداف المهمة مثل مديرية أمن الدولة ومخفر شرطة كفر سوسة، لم يظهر أنه غير من استراتيجية النظام. في الحقيقة،  تعهد الأسد باستخدام القبضة الحديدية ضد منفذي هذه الهجمات، التي يعتقد المعارضون بأنها كانت حقيقة من صنع النظام لخلق أعذار —كما لو أنهم كانوا يحتاجون لعذر—لاستخدام القوة ضد الاحتجاجات.

الحقيقة أن الأسد أكثر عزلة من قبل، لكن ما تأثير ذلك؟ الأتراك، الذين حاولوا، خلال العقد الماضي، إقناع العالم بأن قائد سوريا يمكن أن يتغير من خلال المعاهدات والتجارة، قد تخلوا عنه. حتى الجامعة العربية، التي لطالما كانت نادياً للديكتاتوريين، جمّدت عضوية سوريا. لقد كانوا متّفقين على طرد قذافي ليبيا من المنظمة، لكن كان أمراً مختلفا عندما أرادت أن تتخذ نفس الموقف ضد البلد الذي يوصف على أنه ” القلب النابض” للعالم العربي، كما تعرف سوريا في بعض الأحيان. بالرغم من الإزدراء الدولي الذي ينهال على دمشق والجهود لعزل النظام، ما زال لدى الأسد خيارات. طهران، موسكو، بكين، وحزب الله كلهم ما زالوا مستمرين في علاقتهم مع دمشق.

في نهاية المطاف، يبدو أنه ما يزال بحوزة الاسد رصاصات ليطلقها، وأناس يزودونه بها عندما ينخفض مخزونه، وضباط أوفياء ليطلقوها. ماذا يحتاج أكثر من ذلك؟ تحت أية ظروف يكون سقوط الأسد “مسألة متى فقط وليس إذا“، بحسب ما قرره المسؤولون عن السياسة الخارجية فيما يبدو؟ ربما يكون القائد السوري في الواقع تحت الضغط، لكن يبدو من الواضح أيضاً أنه يؤمن بأن لديه الوقت. في خطابه إلى السوريين في 10 كانون الثاني، لم يلمح إلى  وجود مشكلة سياسية بين يديه. قد يكون ذلك مواقفاً للاستهلاك الشعبي والدولي، لكن بخلاف الخطابات الأولى، الأسد حتى لم يكلف نفسه عناء إطلاق وعود بإصلاحات شكلية. لقد ذهب بها جميعاً، يظهر أنه يؤمن بأنه يستطيع الاستمرار في القتل ويفلت من العقاب. الجهود الدولية الحالية تكبده خسائر، لكن من الواضح بأن الأسد وشركاءه—أي عائلته في الواقع—على استعداد لدفع ثمن غالي للنجاة.

إذا ما كان الأسد حقيقة أكثر أماناً مما تشير إليه وجهة النظر التقليدية، إذن فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو فيما إذا كان هناك وقت للنظر في ردود أكثر “قوة” على اعتداءات النظام السوري.

أكثر التفسيرات حتى الآن قد ركزت على سبب كون التدخلات المفترضة- عملية الحامي الموحد: النسخة السورية أو  ارفع واضرب دمشق—فكرة سيئة.

معارضي التدخل الدولي يجادلون بأن المعارضة السورية لم تطلب مثل هذا التحرك، لكن رفضهم يمكن أن يتغير تبعاً لما تبدو عليه الحياة  ( أو عدمها) تحت رحمة نظام الأسد.

المعارضون أيضا يدّعون بأن التدخل من المحتمل أن يكون أكثر صعوبة مما كان في ليبيا. على المستوى التقني، الخلاصة مقنعة ظاهرياً.

لا يوجد شيء في الترسانة السورية من شأنه أن يهدد أطقم الطائرات الغربية. هذا لا يعني بأن الإجراءات العسكرية في سوريا سوف تكون ” نزهة”، لكن بالقياس إلى عمليات التوغل الإسرائيلية الأخيرة في الأجواء السورية التي تشير بحسب مصطلحات حماية القوة، إلى أن الأخطار ضئيلة.

المسألة التقنية هي  بأية حال حجة زائفة. المحللّون الذين رفضوا فكرة الضربة الجوية أشاروا إلى أنها فعليا سوف تؤذي أكثر مما تفيد، معطين الأسد العذر لقتل المزيد من البشر. إنها حجة مقنعة وبالتأكيد يوجد مخاطر جانبية، لكن ما الذي يلجم القيادة السورية الآن؟ لا شيء. وما هو المعيار الذي يقلب كفتي ميزان الربح والخسارة ؟ بكلمات أخرى، عند أي نقطة في إحصاء الجثث سوف يعتبر التدخل الدولي خيارا مجديا مقبولا يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الوضع؟ بعد أن يقتل الاسد 6000 شخص؟ 7000؟ 10000؟ 20000؟

الاعتراض الرئيسي الآخر ضد ضربة مباشرة على الأسد هو العراق. هناك نسختين من هذا الاعتراض. الأول يشير بأن التجربة العراقية كانت مريرة وتأثيراتها على جوار العراق مدمرة للغاية، ذلك أن الولايات المتحدة يجب عليها أن لا تكرر نفس الخطأ الآن. لكن لماذا هذا الاعتراض لم يؤثر إلا قليلا عندما طرح أمر التدخل في ليبيا؟ ليبيا ما بعد القذافي أبعد ما تكون عن الكمال ومستقبلها مجهول، لكن التدخل لم يكن بأي شكلٍ من الأشكال مكلفاً ومزعزعاً للاستقرار كما في حالة غزو العراق عام 2003.  بغض النظر يبدو بأن إدارة أوباما قد تعلمت من دروس العراق عند التطرق إلى سوريا. على سبيل المثال، على عكس طريقة إدارة جورج بوش الابن في تسيير الحرب عام 2002 و 2003، عملت واشنطن  بشكل خاص وبجهد على أن تضع في اعتبارها الشواغل الاقليمية الأمنية وبخاصة ما يهم تركيا في سوريا.

هناك في الواقع تشابهات محدودة مع التجربة العراقية. بخلاف صدام في وقت الغزو، تورط الأسد في قتل عدد كبير من مواطنيه، بخلاف عملية تحرير العراق، هناك فرصة أن الجامعة العربية ستدعم التدخل الانساني في سوريا، كما ستدعم أية عملية عسكرية متعددة الأطراف يمكن اتخاذها. الحصول على قرار من مجلس الأمن سيكون صعبا بالنظر لمعارضة الصين وخاصة روسيا، لكن بدون أن نكون “رامسفيلديين” للغاية، هل يتطلب أي تدخل عسكري أمراً من الأمم المتحدة؟ إنه بالتأكيد مفضل لكنه ليس ضرورياً.

هل ستكون سوريا حقيقة مختلفة كثيراً عن ليبيا؟ هذا سؤال كبير لأن المعارضين للتدخل في سوريا لم يجيبوا عليه بشكل فعال. قادة أوروبا، محامو ” حق الحماية” ، أعضاء الكونغرس، وسرب من المثقفين في السياسة الخارجية ( مع بعض الاستثناءات الملحوظة ) بدو مستعدين لإطلاق عمليات الناتو ضد القذافي لأسبابٍ إنسانية، لكن ليس ضد الأسد. إذا كان حلف الناتو قد قام بهجمات عسكرية لحماية بنغازي من هجمة انقضاضية، ماذا عن حمص؟ عند هذه النقطة، قد قتل الأسد أشخاصاً أكثر من القذافي عشية عمليات حلف الناتو. والحقيقة هي أن الحجج التي تساق ضد ضرب سوريا تتهاوى عند المقارنة مع الأحداث في ليبيا مهما أصرّ الناس على أنّ “سوريا ليست ليبيا”. واحد من الأسباب الحقيقية التي تدفع المراقبين ليكونوا متردّدين لأخذ التدخل في سوريا بعين الاعتبار هو أن عملية إسقاط القذافي قد أخذت وقتاً طويلاً، الأمر الذي كان بلا شك هدفاً –وإن كان غير معلن– لمهمة حلف الناتو. كان من المفترض أن تكون مسألة أسابيع، وليس سبعة أشهر. لو سقط القذافي في نيسان الماضي، لكان من السهل رؤية نفس الضغط السياسي الذي أدّى إلى التدخل في ليبيا قد تحول إلى المطالبة بمعاملة سوريا بالمثل.

البراهين المقدمة لاستعمال سياسة مشابهة لـ “ارفع واضرب” نحو سوريا لا تخلو من مشاكلها. هناك أسباب وجيهة للتفكير في أنّ المزيد من العنف الغربي ضد بلد مسلم آخر يمكن أن يجلب حساسية معينة (ربما لا بد وأن يكون الأمر كذلك). على الرغم من ذلك، إذا أراد المجتمع الدولي رؤية نهاية نظام الأسد –كما يدعي الجميع تقريباً– عندها على الأرجح سيحتاج الأمر إلى تدخل خارجي. لم يغير أي شيء قام به أي طرفٍ من سلوك دمشق، كما أن الحجج الحالية ضد التدخل الخارجي تتساقط عند التمحيص. إذا لم يكن هناك تدخل وبقيت الإرادة السياسية لإيقاف جرائم الأسد غائبة، على العالم عندئذٍ أن يقدم تفسيراً لوقوفه مرةً أخرى إلى جانب مجرم إبادة جماعية. من الصعب أيضاً تجاهل إمكانية أن يحقق إسقاط الأسد الهدف الاميركي القائم منذ زمنٍ بعيد بعزل إيران. لن تسعَ أية حكومة قادمة بعد الأسد في دمشق للحصول على دعم إيران، بل ستسعى للحصول على دعم تركيا والسعودية بدل ذلك. الأمر الذي سيكون منفعةً صافية لواشنطن والأطراف الأخرى الساعية إلى الحد من نفوذ ايران في العالم العربي.

الورقة المجهولة في أطروحة ضرب سوريا لأسباب إنسانية هي ماذا ستكون عليه حقيقة مرحلة ما بعد الأسد. هناك تعقيدات عرقية وطائفية في سوريا مشابهة لما في العراق ولبنان، وهناك أسباب للتفكير بأنه في ظل التقلبات السياسية قد تسعى هذه المجموعات لتصفية حسابات مع بعضها وللحصول على مكاسب من خلال العنف. إذن من جديد، من الضروري أن نسأل فيما إذا كان المحللون يفرطون في تصحيح التجربة الاميركية في العراق. نظرا للتاريخ الحالي هناك، يبدو من المؤكد أن هناك ما يبرر الحذر، لكن هذا يعني ترك السوريين لقدرهم مع النظام الذي يبدو عازماً على القتل والتعذيب للخروج من مشكلاته الحالية.

أصبحت سوريا مكانا حيث اختلط فيه العنف، الإرث الاستعماري، أخطاء الماضي القريب، والآمال بشرق أوسط أفضل لخلق طبقات من تعقيدات ومقايضات مقلقة لصانعي السياسات والمراقبين في الخارج. لكن يبقى أسوأ سيناريو للمضي قدماً هو أن يحيط المرء نفسه براحة مزيفة مبنية على الاعتقاد بأن الأسد لن يستطيع الصمود لفترة طويلة، يجب على واشنطن و بقية المجتمع الدولي أن يتعاملوا مع فكرة التدخل في سوريا أو الاعتياد على فكرة أنّ بشار الأسد يستطيع البقاء طويلا أكثر مما يتوقعه أي شخص.

المصدر

It’s Time to Think Seriously About Intervening in Syria

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s