في وسط مدينة الزبداني، في الساحة الصغيرة المجاورة للمسجد، تقف شجرة تبدو عند أول نظرة كشجرة عيد ميلاد – شجرة بلاستيكية دائمة الخضرة طويلة وضعيفة مزينة بأضواء زرقاء. ولكن بدل القطع اللمّاعة والحلي كانت مزينة بالصور وقطع كرتون تحمل أسماء شهداء الثورة السورية. يسميها أهل المنطقة شجرة الحرية.
في هذه المدينة وبعد صلاة العشاء يخرج مئات من السكان مساءً ليتظاهروا في شوارعها، رافعين اللافتات ويهتفون هتافات تندد بالرئيس بشار الأسد. يتم ذلك تحت حراسة جنود الجيش السوري الحر، وهو الدفاع الوحيد الذي يملكونه ضد حكومة شرسة تقاتل من أجل البقاء.
“لا ماهر ولا بشار وهالعصابة الهمجية” نادوا وهم يصفقون بأيديهم فوق رؤوسهم في ليلة باردة من ليالي الأسبوع الماضي، كان بعضهم يضحك فقط ليحافظ على دفئ جسده. “الشعب يريد اسقاط النظام.”
كما تجمع الأهالي مع أطفالهم في الساحة لكي تصورهم الكاميرات لأنها كانت أملهم الوحيد للوصول إلى العالم. وقفت النساء في البداية جانباً ولكن سرعان ما انضممن إلى التظاهرة من الخلف. “إن الجيش السوري الحر يحمينا من عصابات الأسد،” كانت هذه الجملة على لافتة كان يحملها أحد الأولاد. “إن موقع يوتيوب YouTube هو أهم سلاح لدينا في ثورتنا،” كما قال الطالب أمجد الخوصي. “يعتقد الناس أن ظهورهم في المقاطع المصورة سيحميهم.”
تقع مدينة الزبداني على بعد 20 ميلاً شمال غرب دمشق، ولكنها قد تكون على كوكب آخر. منذ شهر تقريباً تحولت هذه المدينة التي تسكنها أغلبية سنية وعدد سكانها 40,000 إلى منطقة محررة، على الرغم من أنها حرية هشة تحت حصار مستمر. شنت القوات الحكومية في الأسبوع الماضي هجوماً شاملاً على الزبداني مدعومة بالمدفعية وخمسين دبابة. يبدو أنه ليس الهجوم الأخير. كما جاءت أنباء عن تجدد القصف يوم الثلاثاء. كما كانت أيضاً بلدة مضايا القريبة تتعرض لهجوت القوات الحكومية، وتتصاعد منها غيمة دخان أسود كثيفة. وقد تم قطع الماء والغاز. كثير من السكان رحلوا هاربين.
“إن مدينة الزبداني حرة بنسبة 90% بينما يسيطر على الـ10% المتبقية أقوى جيش في الشرق الأوسط،” قال المعلم علي عبد الرحمن ساخراً، وقد كان يشارك في مراسم دفن رجل تم قتله قبل يومين – وكان هذا الرجل الضحية الـ14 منذ بدء الانتفاضة – “كلما ازداد الشهداء، ازددنا قوة ويزداد عدد المتطوعين الذين يأتوننا،” أضاف مبتسماً ابتسامة عريضة.
وقد قُتل علي مصطفى برقان من قبل قناص عند عودته من التسوق مع زوجته في الثامن من كانون الثاني. لازال المكان الذي فارق فيه علي الحياة، ملطخاً ببقع الدماء حيث كان ملقىً على الأرض، عند أحد الممرات الدائرية التي تؤدي إلى خارج المدينة. كما أظهرت الأفلام المصورة جثته وقد فقد القسم الأيمن من رأسه. وكان ابنه المراهق ،محمد، غاضباً صامتاً بينما كان المعزّون يعزّونه محاولين تهدئته. وأضاف أحد الرجال الأكبر سنّاً “في بعض الأوقات تكون لديهم أوامر بإطلاق الرصاص الحي على أي شي يتحرك.”
إن مدينة الزبداني مدينة فاتنة. تتسلق بيوتها الإسمنتية والحجرية سفوح التلال الشديدة الانحدار بالإضافة إلى المناظر الرائعة للجبال المغطاة بالثلوج قرب الحدود مع لبنان. وكانت حالها كما حال بلدة بلودان المجاورة، منتجع شهير، إنها –أو كانت– مكاناً ذا أهمية عند سياح دول الخليج العربي في أشهر الصيف. ولكنها ستحتاج لبعض الوقت لكي تعود لتكون وجهة السياح أثناء أيام العطل من جديد.
يبدو أن المدافعين عنها منظمون بشكل جيد. إن النشطاء المعارضين للأسد والذين يعملون في الخفاء في دمشق يكونون عادة من الطلاب وأصحاب المهن. ولكن عضواً أساسياً من لجنة التنسيق المحلية هنا هو أبو نضال، رجل يعمل بناءاً في منتصف العمر ذو ملامح قاسية قاد أول مظاهرة في آذار الماضي. وهناك أعضاء آخرون من الفلاحين والعمال. كما أن أحدهم يعمل حلاقاً. كل هؤلاء مطلوبون من قبل أجهزة المخابرات السورية – وهم فخورون بذلك.
بينما كانوا مجتمعين حول الموقد يرتشفون قهوتهم في أحد منازلهم بعد المظاهرة، وصلوا بحديثهم إلى موضوع المراقبين العرب، الذين أدت زيارتهم الأحد الماضي إلى إيقاف مؤقت لعمليات الجيش. كما اشتكى البعض من كون رئيس بعثة المراقبين، الجنرال السوداني محمد الدابي “مجرم حرب”.
يقلل نظام الأسد من شأن الجيش السوري الحر ويصفه بـ”العصابة الإرهابية المسلحة”. ولكن أصبح من الواضح أن هؤلاء المقاتلين ذوي الخلفيات المتنوعة استطاعوا أن يحافظوا على الزبداني آمنة نسبياً. في اقتحامات سابقة، استطاعت قوات النظام الدخول إلى مركز المدينة بدباباتها، وناقلات الجنود المصفحة وشاحنات تنقل عصابات الشبيحة.
“إن كيفية تعاملهم معنا أمر لا يصدق،” يقول أحمد، وهو طالب هندسة تحول مؤخراً إلى مخرج أفلام يوثق الانتفاضة. “حتى الإسرائيليون يستخدمون الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع ضد الفلسطينيين. ولكن أي من ذلك لا يحصل هنا.”
هناك أرقام ومراتب في الجيش الحر تبقى سرية، ولكن يقال أن 70 من عناصره يتواجدون في أنحاء المدينة وفي الحقول والمزارع المحيطة. ولكنهم يظهرون في الشوارع بشكل علني متزايد، حتى أنهم يقيمون نقاط تفتيش. كثير منهم منشقون عن الجيش والمخابرات وبعضهم متطوعون من أهل المدينة. وقد اتُّهم عناصر الجيش الحر في مناطق أخرى من سوريا بالتصرف بنفس وحشية أعدائهم.
في الأيام الطبيعية، يعمل سامي في تكسير الحجر، وهو رجل ملتح قوي المظهر يرتدي بنطال جينز وقبعة. ولكنه الآن يحمل بندقية آلية روسية الصنع مع منظار للقنص. “لقد اشتريتها بـ4000 دولار بعد أن بعت إحدى أراضيّ”، كما شرح لنا بشكل مقتضب بينما كان يقود سيارة الدفع الرباعي – التي لا تحمل نمرة – خلال طريق ترابي ليتجنب نقطة التفتيش القريبة التي وضعها الجيش السوري.
وقد أظهر فيلم مصور في المدينة نهاية الأسبوع ومنشور على الإنترنت أحد عناصر الجيش الحر المقنعين يوقف سيارته وينزل منها ليكتب فوق أحد العبارات المؤيدة للنظام. يرج بخاخ اللون الأبيض ويغير الشعار المؤيد للرئيس ليصبح كالتالي “بشار حمار”.
“إن جنود الجيش السوري الحر في الزبداني ليسوا إرهابيين،” يصر محمد، وهو ناشط يقع منزله قرب شجرة الحرية وقد تم ضربه بقذيفة دبابة الأسبوع الماضي. “هم أناس مسالمون يحاولون حمايتنا وحماية أطفالنا ونسائنا.هم ردة فعل على أفعال نظام الأسد شديدة الوحشية.”
المصدر
Ian Black in Zabadani
guardian.co.uk
Tuesday 17 January 2012