الثورات العربية وقوة العمل اللاعنفي

بقلم ستيفن زونس Stephen Zunes

المصدر : ناشيونال كاثوليك ريبورتر National Catholic Reporter
الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول، 2011

 بينما كنت جالساَ في مقهى القاهرة فجأة ظهر زوجان من ميدان التحرير ، لم أستطع إلا أن ألاحظ التلفاز في الزاوية يبث نشرة الأخبار المسائية. تتألف عادة الأخبار التلفزيونية في مصر ودول عربية أخرى من الرئيس (أو الملك) يلقي خطاباً ، وتحية للزائر الأجنبي ، وزيارة مصنع ، أو انخراط في بعض الفعاليات الرسمية الأخرى. ولكن في هذا المساء كانت الأنباء حول إضراب للعمال في الاسكندرية، وأقرباء للذين قتلوا خلال ثورة فبراير وهم يتظاهرون خارج وزارة الداخلية، بالإضافة إلى التطورات الجارية في الكفاح المؤيد للديمقراطية في اليمن وسوريا.

لا شيء يمكن أن يوضح بشكل أفضل التغيير الجذري في العالم العربي خلال العام الماضي: لم يعد الزعماء فقط الذين يصنعون الأخبار، إنما الشعوب العربية ذاتها.

لقد تلاشى التفاؤل المبدأي بأن التمرد السلمي –مثل ذلك الذي أطاح بالطاغية التونسي والمصري في وقت سابق من هذا العام– سيكتسح العالم العربي بالطريقة ذاتها التي كانت قد أسقطت فيما مضى الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية عام 1989. إن القمع المتواصل من قبل الطغمة العسكرية المدعومة من الولايات المتحدة في مصر كان بمثابة تذكير بأن الإطاحة بالدكتاتور ليست سوى الخطوة الأولى للانتقال إلى الديمقراطية. كما أن الثورة المسلحة المدعومة من حلف شمال الأطلسي في ليبيا وقتل معمر القذافي وأنصاره فيما بعد بدون محاكمة، كل هذا قد ألقى بظلاله على ما كان الى حد كبير ظاهرة إقليمية لاعنفية.

ومع ذلك ، لا تزال هناك أسباب للأمل في أن ما يسمى “بالربيع العربي” سوف يحول منطقة الشرق الأوسط إلى الأفضل.

لابد وأن كل تغيير سياسي كبير يستغرق وقتاً. فقد استغرق الأمر ما يقرب من عقد من الزمان بين الإضرابات الأولى في حوض بناء السفن في غدانسك Gdansk وسقوط الشيوعية في بولندا. واستغرق النضال الديمقراطي في تشيلي ضد نظام بينوشيه ثلاث سنوات بين الاحتجاجات الرئيسية الأولى والاستفتاء الذي أجبر الدكتاتور على التخلي عن السلطة. وكانت حركة   1986 الشعبية التي أطاحت بحركة فرديناند ماركوس في الفلبين تتويجاً لعدة سنوات من النضال الشعبي ضد نظام الأحكام العرفية. حتى حركات الإصلاح داخل ديمقراطيات البلدان الصناعية يمكن أن تستغرق سنوات من النضال، مثل حركة الحقوق المدنية في جنوب الولايات المتحدة.

في الواقع ، ليس كافيا أن تكون على حق وتكون الغالبية العظمى من السكان إلى جانبك. فلا بد أن يكون هناك تخطيطات استراتيجية طويلة المدى، وتسلسل منطقي للتكتيكات ، وقدرة على الاستفادة من نقاط قوتك واستهداف نقاط الضعف عند الخصم. في البلدان التي يكون فيها المجتمع المدني ضعيفاً بشكل تقليدي وتكون الأجهزة القمعية للدولة قوية تكون الانتصارات السريعة نادرة.

في النهاية، فإن الأحداث الدرامية لهذا العام الماضي كانت بمثابة تذكرة أين تقع القوة في نهاية المطاف: حتى لو كانت الحكومة تحتكر القوة العسكرية ودعم القوة العظمى الوحيدة في العالم، فإنها تبقى عاجزة في النهاية إذا رفض الشعب الاعتراف بسلطتها  فمن خلال الإضرابات العامة، وتعبئة الشوارع، والرفض الشعبي للانصياع للأوامر الرسمية، وغيرها من أشكال المقاومة اللاعنفية، فإن أكثر النظم استبدادية لا يمكنها البقاء على قيد الحياة.

لاحظت مجموعة فريدوم هاوس في دراستها عام 2005  “كيف تظفر بالحرية: من المقاومة المدنية الى الديمقراطية الراسخة” ،  أن من بين ما يقرب من 70 بلد انتقلت من الديكتاتورية إلى الديمقراطية بدرجات متفاوتة في السنوات الـ 30 السابقة ، فقط أقلية صغيرة فعلت ذلك من خلال الكفاح المسلح من الأسفل أو إصلاح محرض من الأعلى . وبالكاد نتجت أي ديمقراطيات جديدة من غزو أجنبي، ففي مايقارب ثلاثة أرباع من الانتقالات ترسخ التغيير في منظمات المجتمع المدني الديمقراطي التي استخدمت أساليب لاعنفية.

وأيضاً ، في كتاب صدر مؤخرا بعنوان:”لماذا تنجح المقاومة اللاعنفية: المنطق الاستراتيجي للنضال اللاعنفي” استخدمت الكاتبتين  إيريكا تشينوويث Erica Chenowethوماريا ستيفان Maria Stephen، قاعدة بيانات موسعة تحلل 323 تمرد رئيسي من أجل دعم تقرير حق المصير والحكم الديمقراطي منذ عام 1900،  وجدت الكاتبتان أن المقاومة العنيفة كانت ناجحة بنسبة 26 بالمئة فقط من الوقت، في حين أن الحملات اللاعنفية بلغت نسبة نجاحها 53 بالمائة.

من أفقر دول أفريقيا إلى البلدان الغنية نسبياً في أوروبا الشرقية؛ من الأنظمة الشيوعية إلى الديكتاتوريات العسكرية اليمينية؛ من مختلف ألوان الطيف الثقافي والجغرافي والأيديولوجي، اعترفت القوى الديمقراطية والتقدمية بقوة العمل اللاعنفي لتحريرهم من القهر. هذا لم يأت،

في معظم الحالات، من الالتزام الأخلاقي أو الروحي باللاعنف بحد ذاته، ولكن لأنه ببساطة ينجح في تحقيق غاياته.

هناك تاريخ طويل من المقاومة اللاعنفية في الشرق الأوسط، من النضال لاستقلال مصر ضد البريطانيين عام 1919، إلى ثورة الأرز في لبنان عام 2006 التي أنهت سنوات من الهيمنة السورية على هذا البلد. وإيران أيضاً لديها تاريخ طويل من مثل هذه الثورات، بما في ذلك إضراب التبغ عام 1890، والثورة الدستورية عام 1906، والإطاحة بالشاه عام 1979 ، والثورة الخضراء عام 2009 والتي تم إجهاضها. وقد شهدت فلسطين الإضراب العام سنة 1930، والانتفاضة الأولى في أواخرعام 1980، والمزيد من الحملات ضد جدار الفصل الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية مؤخراً. وفي السودان، أطاحت الانتفاضة السلمية بالديكتاتوريات العسكرية في كل من عامي 1964 و 1985 (على الرغم من أن الحكومات الديمقراطية التي تلت ذلك تم الإطاحة بها في نهاية المطاف بانقلابات عسكرية). كانت هناك أيضا حملة مقاومة لاعنفية مستمرة في دولة الصحراء الغربية ضد الاحتلال المغربي غير الشرعي.

إن الأحداث المأساوية التي شهدها العام الماضي سجل تصعيداً جديداً ومثيراً لظاهرة آخذة في التزايد في جميع أنحاء المنطقة ومختلف أنحاء العالم في العقود الأخيرة. وهي تذكير بأنه لكي تحدث الديمقراطية في العالم العربي ، فإنها لن تكون من خلال الكفاح المسلح ، والتدخل الأجنبي، أو البيانات الكاذبة من واشنطن ، ولكنها ستأتي من الشعوب العربية المستفيدة من قوة العمل الاستراتيجي اللاعنفي.
ستيفن زونس هو أستاذ السياسة ومنسق برنامج الدراسات الشرق أوسطية في جامعة سان فرانسيسكو.

المصدر

Arab revolutions and the power of nonviolent action

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s