بقلم هالة غوراني
صبي صغير ذو عينين مزينتين بالكحل يحدق بالكاميرا بتمعن. الكثيرون يتجمعون لحضور جنازة تحت سماء حزينة. وفي وسط مدينة حمص، تلك المدينة المدمرة التي تخوض ثورة مؤلمة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، هناك يغمض رجل عجوز عينيه ويرفع يديه ليدعو بألم.
لقد قام بتصوير هذه الصور التي تحبس الأنفاس صحفي يعمل لقناة سي إن إن دخل مدينة حمص متخفياً. عاد من الخطوط الأمامية للحرب الأهلية السورية حاملاً معه قصص قتال وحياة وموت في مدينة تحت الحصار. وعلى الرغم من إخفائه هويته حفاظاً على سلامته إلّا أن هذه الصور تصف نفسها بنفسها.
سوف يتم عرض عمل هذا الصحفي في برنامج خاص عن سوريا في نهاية الأسبوع. كتبت المذيعة في الشبكة هالة غوراني عن انجرار البلاد إلى حربٍ بشعة يحاول الأسد إخفاءها عن العالم.
إن نقل الأنباء من سوريا، حتى في أحسن الحالات، هو تحدٍّ. إن إرسال التقارير من سوريا اليوم يعني المخاطرة بحياتك. حتى في الجولات التي توافق عليها الحكومة، يواجه الصحفيون خطر الموت. قد لا تكون سوريا منطقة حرب بعد، ولكنها تذهب بهذا الاتجاه بشكل سريع.
تقدر الأمم المتحدة عدد القتلى منذ بدء الاحتجاجات ضد الرئيس الأسد منذ 10 أشهر بـ5000 إنسان. في يوم الأربعاء الحادي عشر من شهر كانون الثاني قتل مراسل التلفزيون الفرنسي جيل جاكييه في هجوم بقذائف الهاون عندما كان يغطي مظاهرات مؤيدة للنظام في مدينة حمص، المدينة التي تعد مركز الحركة الاحتجاجية ضد الأسد. لقد تمت دعوة جاكييه إلى سوريا. لقد كان هناك بشكل رسمي. وقد قتل في سوريا أثناء تأدية عمله.
صباحاً: تجمعت عائلة رجل عرف باسم مالك فقط لدفنه خارج مدينة حمص بعد أن تم قتله على أيدي قوات الأسد في ضاحية دار كبير
ويعد هذا تطوراً مقلقاً في سوريا. إن ما بدأ بمظاهرة صغيرة في مدينة درعا الجنوبية، عندما تظاهر أهالي الأطفال الذين اعتقلهم الأمن السوري وتم تعذيبهم لأنهم كتبوا عبارات مناوئة للنظام على حائط أحد المدارس، تحول ذلك الآن إلى أزمة معقدة ومتعددة المستويات تشمل جميع أنحاء البلاد.
هناك مظاهرات مناوئة للنظام تحافظ على سلميتها. ولكن يوجد أيضاً المنشقون عن الجيش الذين شكلوا الجيش السوري الحر والذين عاهدوا على هزيمة النظام القمعي بالقوة.
وفي هذه الأثناء يستمر الرئيس بشار الأسد باتهام جهات خارجية بالتحريض والتسبب بالأزمة. كما يعد الرئيس بهزيمة “الإرهابيين” بـ “يد من حديد”، بينما يعد بإصلاحات يرى النقاد بأنها تجميلية وغير فعالة.
كل ثورة من ثورات الربيع العربي اتبعت السيناريو المميز الخاص بها. في تونس تم تغيير النظام المستبد وحلت محله عملية سياسية تسير بشكل جيد. وفي مصر ما يزال الجيش يحكم، والكثيرون يرون أن رأس النظام قد سقط ولكن النظام لازال موجوداً، حيث يقوم باعتقال النقاد ويقمع التظاهرات في الشوارع.
ثوار: شاب مراهق، عيناه مكحلتان، يجتمع مع الناس في يوم الجمعة للتظاهر في بابا عمرو.
______________________________________________________________________
بالنسبة لسوريا، هناك نظام أقلية يقاتل من أجل البقاء. لن يسقط من دون قتال. إن تغيير النظام السوري يعني أن الأقلية العلوية التي حكمت البلاد لأكثر من أربعين عاماً سوف تُجرَّد من سلطتها وامتيازاتها. لا أحد يجرؤ على التنبؤ بشكل النظام الذي سيأتي مكانه. لم يستطع أهم المراقبين العرب المحنكين التنبؤ بثورات تونس، مصر، اليمن، البحرين وليبيا. في عام 2012 وفي زمن التغيير هذا، قد يحدث أي شيء.
عندما كنت مراسلة في سوريا في شهر تموز الماضي، لم تسمح الحكومة لنا بالسفر إلى مدينة حمص الساخنة لأنهم، حسب زعمهم، لا يستطيعون حمايتنا من “الإرهابيين” و”العصابات المسلحة”. لا شك أن النظام سوف يتهمهم بقتل جيل جاكييه. لقد كانت هذه رواية النظام من البداية. الكثيرون أكثر من مجرد مشكّكين بتلك الرواية.
بالنسبة لصحافيين آخرين، معرفة القصة تعني الدخول إلى سوريا بشكل سري – والوثوق بالثوار بشكل كافٍ ليسمحوا لهم بقيادتهم في جنح الظلام إلى داخل مدن محاصرة. بعيداً عم أنظار مؤيدي النظام، يخاطرون بالاعتقال، التعذيب، وحتى الموت لتغطية الثوار.
قتل بالرصاص: أفراد عائلة مالك يحملون كفنه – بينما يحمل أخوه الصغير صورته.
مصمماً: حتى أصغر سكان حمص يشاركون مظاهرات يوم الجمعة الأسبوعية مع هذا الصبي الصغير الذي يحمل أعلاماً ملفوفة
_______________________________________________________
هذا بالضبط ما فعله أحد الصحفيين المستقلين، لقد دخل حمص بمساعدة شبكة متمردين والتقط بعض من أكثر الصور دراميةً للانتفاضة حتى الآن، لقد بثينا هذه المواد الحصرية على السي إن إن خلال الأسابيع الماضية.
إن منطقة بابا عمرو، وهي أحد أجزاء مدينة حمص، تقع الآن افتراضياً تحت سيطرة الجيش الحر. لقد قضى الصحفي، الذي لا نريد ذكر اسمه حفاظاً على سلامته، عدة أيام يصور قتالهم ومعاناة أهالي حمص في هذا الحي. إنها جزيرة تحت سيطرة ثورية في مدينة محاصرة. إن هذا النوع من القصص لا يريدكم النظام أن تروه. إن هؤلاء الذين يخاطرون بحياتهم ليبينوا لنا الحقيقة يستحقون احترامنا وتقديرنا.
لقد أصبحت حمص نموذجاً مصغراً لما قد تكون سوريا يوماً ما: مناطق معينة سوف تكون أراضي حرب بين المنشقين المسلحين والقوات النظامية، آخرون سيسيطر عليهم الخوف والقلق من المستقبل، والبعض سيستمرون بدعم النظام لأسباب طائفية أو لأنهم يخشون عدم وضوح بديل بشار الأسد.
لقد قضيت حياتي بالسفر إلى سوريا. لقد كانت أحد أجمل البلدان وأكثرها تنوعاً في العالم. رؤيتها على هذه الحال، تكافح باتجاه مستقبل مجهول، أمر صعب. ولكن العالم العربي ككل يتغير بعد سنوات من الشلل. لن يعود أي شيء كالسابق.
المصدر