سوريا: اسطورة شعبيّة الأسد والتضليل الإعلامي
الكاتب: نور الدين صابر
تحرير: ريدريس للمعلومات والتحليل Redress Information & Analysis
19 كانون الأول 2012
يكشف نورالدين صابر عن النتائج المضلّلة لدراسة خاطئة تقول بأن أكثر من نصف السوريين يؤيدون بقاء بشار الأسد كرئيس. كما يشير بقلق إلى التغطية غير النقدية لهذه الدراسة من قبل وسائل الإعلام التقليدية والبديلة.
هل من الصحّة بمكان أن يؤيّد معظم السوريون بقاء بشار الأسد رئيساً لسوريا؟
إذا كنّا لنصدّق ما يقوله جوناثان ستيل Jonathan Steele من صحيفة الجارديان فالجواب هو نعم. استنتاجه المخالف لما هو بديهي مبني على استطلاع للرأي حول سوريا قامت به يوغوف سراج Yougov Siraj بناءً على طلب من مناظرات الدوحة The Doha Debates التابعة للجزيرة، والتي يتم تمويلها من قبل مؤسسة قطر Qatar Foundation.
الإدعاء
بحسب السيد ستيل:
من أهم الإستنتاجات هو أنه بينما يشعر الكثير من العرب خارج سوريا بأن على الرئيس أن يتنحّ، إلا أن موقف من هم في الداخل مختلف. حوالي 55 بالمئة من السوريين يريدون بقاء الأسد، مدفوعين بالخوف من شبح الحرب أهلية – وهو ليس شبحاً نظرياً كما يراه من هم خارج الحدود السورية.
يذكرنا السيد ستيل، حرصاً منه على إضفاء بعض المصداقية على الدراسة، بأن مموّلي الاستطلاع هم ليسوأ بأصدقاء للأسد.
قامت العائلة الملكية القطرية باتخاذ الإجراءات الأكثر هجومية ضد الأسد – حيث قام الأمير لتوّه بالطلب من القوّات العسكرية العربية بالتدخّل – وقد كان من الجيّد أن مناظرات الدوحة قد نشرت الاستطلاع مسبقاّ على موقعها الالكتروني.
ولقد تحدّث بأسى عن حقيقة أنه تم “إهمال الاستطلاع من قبل جميع وسائل الإعلام في كل دولة من دول الغرب التي طالبت برحيل الأسد”.
لكن هناك سبب وجيه يبرّر إهمال استطلاع الرأي الذي قام بها موقع يوغوف سراج حول سوريا. تبيّن أن نسبة الـ 55 بالمئة من السوريين الذين يريدون بقاء الأسد هم في الحقيقة ليسو إلا 53 مستخدم للانترنت!
الاستبيان
بحسب براين وايتيكر Brian Whitaker، فإن الاستبيان قام بسؤال حوالي الـ 1000 مشارك عبر العالم العربي عن رأيهم بالأسد وارتأت الأغلبية الساحقة (81 بالمئة) بأن عليه التنحي. لكن تقول الجزيرة أن الصورة تختلف داخل سورية :”السوريّون اكثر تأييداً لبقاء رئيسهم و55 بالمئة منهم لا يريدونه أن يتنحّى.”
لكن نظرة أقرب إلى منهجية الاستبيان تكشف صورة مختلفة. يقول السيّد وايتيكر على مدوّنته أن المنهجيّة
“تظهر بأن 211 من المشاركين كانو من دول المشرق العربي وكان من بينهم 46 بالمئة من سوريا. وبعبارة أخرى فإن النتائج مبنيّة على عيّنة من 97 مستخدمي انترنت فقط في سوريا من بين مايقارب الـ 20 مليون نسمة. لامعنى لهذه النتيجة وحتماً لا تشكّل أرضية كافية لاستنتاجات عامة كهذه عن الرأي العام في سوريا.”
55 بالمئة مأخوذة من عيّنة من 97 مستخدم تساوي 53. أي أن 53 من أصل 97 مستخدم للانترنت في سوريا ممن شاركوا بالاستطلاع أرادوا أن يبقى الأسد رئيساً.
بالإضافة إلى ذلك يتساءل كريس دويل Chris Doyle –مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني– في رسالة إلى الغارديان بأنه كيف بالإمكان أخذ استبيان في سوريا على محمل الجد عندما يكون الهاتف والبريد الإلكتروني وحساب الفيس بوك معرضاً للمراقبة؟
الدعائيون والمسوّقون:
ماذا عن دعاة هذه الخرافة الغادرة؟
ليس لدينا الكثير ليقال عن جوناثان ستيل غير أن إعلاميّاً بمنصبه وخبرته يجب ألا يبني نقاشاً على قراءة سطحية وغير نقديّة لاستطلاع غير سليم إحصائياً على الانترنت.
على أي حال فإن المسوّقين الآخرين لهذه الخرافة متنوّعون. كما يكشف السيد وايتيكر في مقال آخر على مدوّنته بإن أحد هؤلاء المسوّقين هي آشلنغ بايرن Aisling Byrne والمنشغلة منذ زمن بإسقاط شرعية الانتفاضة السورية من خلال إنكار مصداقيّتها وإعزائها لمؤامرة “صهيو-أمريكية” اذا استخدمنا تعبيراً رائجاً لدى مروّجي النظام السوري.آشلنغ منسقة مشاريع لدى منتدى الصراعات Forum Conflicts الذي يتخذ من بيروت مقراً له، وهو عبارة عن مؤسسة ذات مواقف متناقضة يديرها موظف سابق لدى الاستخبارات البريطانية يدعى آلاستير كروك Alastair Crooke.
بحسب موقع المنتدى “بينما نواجه (أي نحن دول الغرب) وبشكل متزايد مشاكل مستعصية في العراق وأفغانستان ولبنان والباكستان وفي أماكن اخرى، فإننا نقوم بشل تحرّكنا عندما نبتعد عن القوى السياسية المحليّة والتي لديها القدرة على حل هذه الأزمات.” وهذا يدعو للشفقة حيث أن منتدى النزاعات هذا يتردد بشكل غريب في التعامل مع “القوى السياسية المحليّة” في سوريا.
يقول السيد وايتيكر:
يوجد هنا تناقض وانتقائية وهو ملحوظ أيضاً لدى اليسار الأكثر تقليديةً. بالنسبة للدكتاتوريين الموالين للغرب كابن علي ومبارك فإن اللعبة عادلة لكن عندما عندما يتعلق الأمر باسقاط الدكتاوريين المعادين كالقذافي والأسد يكون هناك تعاطف مستمر لهم.
في حالة سوريا الأمر أكثر تعقيداً عند النظر إلى الانتفاضة من منظار النزاع الفلسطيني-الاسرائيلي. مثلاً، يقول موجز على موقع منتدى النزاعات يناقش الدعم المستمر من قبل حزب الله لنظام الأسد:
“تماماً كما نظر حزب الله في العام 2009 إلى الاحتجاجات في ايران على أنها ’رهان على زعزعة النظام الاسلامي‘ عن طريق ’ثورة مخمليّة‘ مدعومة من قبل الولايات المتحدة، فإن الاحتجاجات في سوريا وصفت على أنها نوع من ’التواطؤ‘ مع قوى خارجية تسعى لاستبدال حكم الأسد بـ ’نظام آخر مشابه للأنظمة العربية المعتدلة المستعدّة لتوقيع أي اتفاقية استسلام مع اسرائيل‘…
“مايحاكي موقف حزب الله من الاحتجاجات في ايران هو وصف نصرالله لدور الولايات المتّحدة في الانتفاضة السورية على أنها امتداد لحرب تموز (في الـ 2006) وحرب غزّة (في الـ 2009-2010). فمنذ أن أحبطت المقاومة في كل من لبنان وفلسطين مخطط ’الشرق الأوسط الجديد‘ في هذين العدوانين العسكريين، حاولت واشنطن ’إدخال ذلك المخطط عبر أبواب اخرى‘ مثل سوريا.
“وبذلك فإن محاولات الإطاحة بنظام الأسد تعتبر بمثابة ’خدمة‘ للمصالح الأمريكية والاسرائيلية.”
إلا أن وجهات نظر كهذه ليست مقتصرة على حزب الله. لكن ما مدى واقعيّة هذه الآراء؟ يتمنى العديد من المحافظين الجدد أن يسفر احتلال العراق عن حكومة موالية لإسرائيل. لكن هذا لم يحصل بل بدلاً عن ذلك قامت بدعم ايران.
لم تصبح تونس ميّالة لاسرائيل اكثرمما كانت عليه في عهد بن علي ولا ليبيا ولا مصر، واذا كان هناك تغيير فهو أنها أصبحت أقل ميلاً. وسوريا الديمقراطية ستبقى لديها القضايا الاقليمية ذاتها مع اسرائيل – هضبة الجولان المحتلّة الخ… وفي أي حال يبدو أن اسرائيل هي احد الأعذار لحرمان السوريين من تقرير مستقبلهم.
الإعلام البديل:
كدعاة للعدالة فإن دورنا يكمن في كشف أمثال آشلينغ بايرن وآلاستير كروك لأنهم اختاروا عمداً موقفاً مغايراً للحقيقة.
وعلى أيه حال من الصعب فهم المواقف التي اتخذتها بعض وسائل الاعلام البديل تجاه اليقظة العربية، وخاصة كما تتجلّى في سوريا وليبيا.
في الواقع، فإننا نراقب بحزن وحيرة ونفور المواقع التي لطالما وقفت مع العدالة والحقيقة وهي الآن تبيع المعلومات المزيّفة والقضايا المشكوك فيها حول اليقظة العربية.
لأعوام عديدة نظر نشطاء ودعاة العدالة –الغير راضين عن التقارير الخاطئة والمشوهة، وخاصّة عندما يخص الأمر اسرائيل أو الشركات الكبرى– إلى الإعلام البديل على أنه وسيلة لتحقيق توازن في الأخبار والمعلومات المتاحة للعموم.
إلا إنها بعيدة عن هذا، على الأقل عندما يتعلّق الأمر بكل من سوريا وليبيا. حيث أن بعض وسائل الإعلام البديل “المقدّسة”، مثل كاونتربنتش Counterpunch، كاونتر كارنتس Countercurrents وإنفورميشين كليرينغ هاوس Information Clearing Houseقرروا الوقوف مع المستبدين ضد الشعب العربي– الذين لايسعون إلا للحصول عل حقوقٍ مدنيّة وسياسيّة هي من المسلّمات في الغرب.
إن هذا ليس بالمؤلم فحسب بل من الصعب استيعابه. أحد التفسيرات المحتملة هو الجهل: فهؤلاء في الإعلام البديل المؤيّدين للأسد والقذافي يعلمون القليل عن سوريا أو ليبيا وبالتالي فهم لا يرون التنافض بين دعم دكتاتوريين فاشيين من جهة والمضطهدين والمقموعين من جهة اخرى.
المصدر:
Redress
Syria, the myth of Assad’s popularity and the media of disinformation
نعم الاعلام يلعب دورا كبيرا فى الاحداث الجارية ونتمنى السلامة لسوريا الحبيبة