الآمال ما زالت معقودة على الأسد

الآمال ما زالت معقودة على الأسد

علينا الاعتراف أن الشعب السوري يعيش أسعد لحظات حياته، ولكنها ليست أسعد لحظاتنا.

أنير شاليف Aner Shalev – هآرتس – 10 كانون الأول/يناير 2012

ما هو الرقم النهائي؟ أربعة آلاف؟ خمسة آلاف؟ كم من الأشخاص يجب أن يلقوا حتفهم؟ ألا يكفي ستة آلاف؟ ألا يعادل ستة آلاف قتيل في بلد لا يملك الكثير من النفط ستمائة قتيل في إحدى دول النفط العظمى؟ ما هو الحدث الفاصل؟ هل هو نيران القناصة العشوائية حتى على الجنازات؟ هل هو قتل الأطفال؟ هل هو قصف الدبابات الممنهج على مراكز المدن؟ أم الحالات البشعة لتعذيب المحتجين حتى الموت أمام الحشود الكبيرة؟ أو ربما قد يكون تلك الهجمات الإرهابية التي قام النظام بفبركتها في عاصمته نفسها، تماشياً مع التقليد العريق الذي يعود إلى حريق الرايخستاغ Reichstag [برلمان ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية]

ما هو الخط الأحمر الذي إن تم تخطيه، سيدفع العالم ليقول: كفى؟ إن كان الدم السوري رخيصاً جداً، فلربما يعتبر إصابة مراقبي الجامعة العربية بجروح خطاً أحمر؟ أو إطلاق قذائف الهاون بشكل مباشر على مجموعة من الصحفيين الأجانب و مقتل صحفي فرنسي؟ ما هو سعر الصرف للدماء من جنسيات مختلفة؟

بين كل الثورات التي قامت في العالم العربي، توصف الانتفاضة السورية على أنها الأكثر إثارة للإعجاب و الأكثر بطولة. ففي كل من مصر و تونس، اطصفّ الجيش إلى جانب المحتجين في فترة زمنية قصيرة نسبياً و تمكن من فرض تغييرات فورية على النظام حظيت بدعم من الولايات المتحدة. وفي ليبيا من ناحية أخرى، أخذ الصراع فترة زمنية أطول، ولكن منذ مراحله الأولى بدا وكأنه حرب أهلية حيث استخدم المتحجون مجموعة من الأسلحة، ثم تلقوا بعد ذلك مساعدات عسكرية من حلف شمال الأطلسي الناتـو .

لم يحدث في أي بلد عربي باستثناء سوريا أن جوبهت الاحتجاجات المنتظمة بقمع عنيف من هذا القبيل، وبهذا الشكل الصارم والوحشي. لم يحدث في اي بلد عربي أن تم تجاهل المحتجين من قبل العالم المتحضر كما حدث في سوريا. فعلى الرغم من المجازفة الكبيرة، و سقوط العديد من الضحايا، مع غياب فرص أكيدة للنجاح، لا يزال هؤلاء المحتجون يخرجون إلى الشوارع كل يوم، دون أسلحة، دون دعم، مسلحين فقط بالإيمان.

نعم، من الجائز أن تتحرك مشاعرك بفعل الكفاح البطولي لأجل الحرية، والعروض المؤثرة من الشجاعة، حتى لو كان ذلك في بلد عدو.

ما هو أقل إثارة للإعجاب ردة الفعل الإسرائيلية تجاه الأحداث في سوريا، فقد ظهر وزير الدفاع إيهود باراك كعادته وكأنه عرّاف ليتوقع أن بشار الأسد سيسقط خلال بضعة أسابيع، ومنذ ذلك الوقت، مضى العديد من الأسابيع و ما زال الأسد في السلطة يمارس القتل. إلا أن الشعور السائد في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية يبدو أنه حالة من الذعر على خلفية احتمال أن يحقق الكفاح للحصول على الحرية نجاحاً يؤدي إلى سقوط نظام الأسد.

من ناحية أخرى، تحدث رئيس هيئة الأركان بيني غانتز Benny Gantz عن احتما تدفق موجات من اللاجئين العلويين إلى داخل إسرائيل في حال وقع هذا السيناريو، كما تحدث عن التحضيرات التي تقوم بها قوات الدفاع الإسرائيلية لمثل هذه النتيجة. كما يتم الحديث على مدار الساعة عن توقعات بنقل الأسلحة السورية الخطيرة إلى حزب الله.

من الممكن قراءة ما بين السطور – فإسرائيل ليست مهتمة بسقوط الأسد، فهي تعمل سراً لترسيخه، وتصلي بصمت على أمل أن تبقى الدكتاتورية السورية المجرمة متشبثة بالحكم، فالدكتاتورية هذه تعني الهدوء على مرتفعات الجولان دون أي تهديد للسلام. كعادتها، إسرائيل تفضل الوضع الراهن، تفضل عالم الماضي.

إن عالم المستقبل لا يستحوذ على اهتمامنا، حتى وإن كان يتضمن احتمالات مختلفة و تغييرات جذرية. ربما قد يؤدي سقوط الأسد فعلياً إلى إضعاف حزب الله وإيران في لبنان وفي المنطقة برمتها؟ ولكن من يهتم؟ سنأخذ على عاتقنا هذه التهديدات. لقد سبق ودفعت الانتفاضة السورية حركة حماس إلى الانتقال من دمشق إلى عواصم عربية أخرى و جعلتها أكثر اعتدالاً، ولكن يبدو أننا نفضل حركة حماس متشددة.

إن القيادة الحالية لإسرائيل تتألف من أشخاص من الأمس، أشخاص يتطلعون قدماً إلى الماضي، يسبحون ضد تيار التاريخ ويسارعون بالفرار من التغيير. نفضل الأمر المألوف على ما هو جيد ووصائب. من يدري، ربما موجات اللاجئين العلويين الذين يتوقعونهم لنا سيكون بينهم الأسد وعائلته أيضاً. فإن كنا نعمل على ترسيخ حكم الأسد، فلم لا نمنحه لجوءاً سياسياً؟

علينا الاعتراف أن الشعب السوري يعيش أسعد لحظات حياته، ولكنها ليست أسعد لحظاتنا.

المصدر:

Haaretz

Keeping fingers crossed for Assad

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s