الطريق إلى المقاومين يمر فوق النهر الذي يفصل سوريا عن لبنان. حقل ملغّم قادنا المهربون عبره خلال الليل.
بعد عدة محطات وتبديل متكرر للسيارات أوصلنا المهربون إلى مكان معزول يمكن من خلاله دخول بابا عمرو. حمص محاصرة منذ عدة أسابيع من قبل الدبابات، وقد قام الجيش النظامي بحفر خنادق حول المدينة حتى يعزل بابا عمرو عن العالم الخارجي. إنه الحي الوحيد الذي يبدو أنه يقع بشكل كامل تحت سيطرة المتمردين والجيش السوري الحر. في كل مكان نصادف المتمردين عند الحواجز. عليهم أن يحموا الحي من اقتحام قوات الجيش النظامي وميليشيا شبيحة نظام الأسد. هؤلاء يُحمّلهم الناس مسؤولية المجازر في بابا عمرو.
في بابا عمرو، قيل لنا أن النظام قد سقط. المكتب الإعلامي للمنطقة المحررة يضم تقريباً عشرة نشطاء. مهمتهم تتمثل في تزويد العالم الخارجي بصورعن الثورة. إنه المكان الوحيد في بابا عمرو الذي يمتلك اتصالا بالانترنت بشكل دائم على الرغم من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي. هنا يجد المرء بنادق كلاشنيكوف إلى جانب أجهزة الكمبيوترالمحمولة وأعضاء من الجيش السوري الحر إلى جانب نشطاء الانترنيت.
الصحفيون غير مُرحب بهم في مشفى بابا عمرو الميداني. ” صديقي قُتل لأنه عالج متظاهراً جريحاً في حمص” يشتكي أحد الأطباء. لاتُظهر وجوهنا فسوف يطاردوننا أحياء أو أموات. سوريا هي البلد الوحيد في العالم الذي يُجلب فيه الجرحى إلى المشافي الحكومية حتى يتم الإجهاز عليهم. البلد الوحيد الذي يُقتل فيه الأطباء الذين يهرعون للمساعدة. ويُكمل أحد المسعفين: الأطباء أهم بالنسبة لنا من المتظاهرين ومن أعضاء الجيش السوري الحر، فعندما يُقتل طبيب فمن المستحيل تقريباً تعويضه.
يعود بقاء بابا عمرو في أيدي معارضي النظام السوري إلى الجيش الحر. كل الناس هنا تتوقع هجوماً بالدبابات. سيُجبرون المنشقين الذين يقاتلون مع الجيش السوري الحرعلى الانسحاب وتسليم حمص للجيش النظامي.
يعالج المشفى الميداني أعداداً لاحصر لها من الجرحى. في أحد الأمكنة تتواجد جثث خمسة شباب تم قتلهم في قصف للجيش. سيتم تشييعهم في الليل، وذلك قبل أن يتخذ القناصة مواقعهم في أماكن ليست بعيدة عن المقبرة ويتخذون من الناس أهدافاً لهم.
في بابا عمرو تتمركز كتيبة الفاروق من الجيش السوري الحر، يقودها عبد الرزاق طلاس أحد أوائل الضباط المنشقين الذين لم يغادروا البلاد. شكل إنشقاق هذا الضابط ذوالخمسة والعشرين عاماً صدمة قوية للجيش، فهو ابن شقيق وزيرالدفاع السابق مصطفى طلاس. عرض عليه النظام مبلغاً كبيراً كي يعيد التفكير في قراره. يقول: ” كانوا سيقتلونني حتى لو وافقت على بيع نفسي لهم “.
أثناء ذلك تحول طلاس إلى بطل لحركة المعارضة. في بابا عمرو لايمكنه أن يضع قدماً في الشارع دون أن يحاصره المارة والأطفال الذين يغنون أغاني التمجيد للجيش الحر.
وفقاً لأقوال طلاس، هناك الكثير من الجنود يريدون الانشقاق ولكنهم ينتظرون شيئاً واحداً فقط: المنطقة العازلة بين سوريا وتركيا على سبيل المثال، حيث يمكن للمنشقين اللجوء إليها وجلب عوائلهم كي يكونوا في مأمن من النظام. وكذلك ينتظرون منطقة حظر الطيران التي ستعيق عمل الطائرات السورية في مهاجمتهم من الجو. ” كتائب كاملة جاهزة مع دباباتها للانشقاق، ولكن من دون منطقة حظر جوي سيتم شل حركتهم من قبل سلاح الجو الأسدي. لدينا اتصالات معهم وهم يدعموننا من الداخل عبر تسريب معلومات قيّمة. حالما ينشقون سينهار النظام.
ولكن طالما أن هذا لم يحصل بعد يقوم الجيش السوري الحر بتنظيم المقاومة. يحضر المنشقون معهم أسلحة خفيفة وبقية الأسلحة والذخائر يغنمها المنشقون أثناء القتال مع جنود الأسد. إجمالاً يضم الجيش السوري الحر حوالي عشرة آلاف بما فيهم مدنيون قرروا الانضمام له.
يبدو أن الوضع بالنسبة للنظام السوري قلقاً، فوفقاً لمعلومات المتمردين هناك مقاتلون من إيران وحزب الله في لبنان يشاركون في القتال ضد الثوار. في الواقع، لقد قام الجيش السوري الحر أثناء تواجدنا هناك بأسر خمسة إيرانيين. استجوابهم كانت مهمة الملازم أول طلاس. عندما تم القبض عليهم، كانوا يرتدون بدلات عمال النظافة. ادعوا أنهم موظفون تقنيون في محطة كهرباء جندر. و لكنهم وُجدوا في منطقة قتال تبعد كيلومترات عن المحطة ومعهم رُزم من الأموال وصور تُظهرهم باللباس العسكري. أحدهم يحمل معه بطاقة تُعرّف عنه بأنه ضابط في الحرس الثوري. بين أيدي جنود الجيش السوري الحر اثنان من ميليشيا الشبيحة مسؤولان عن قتل المتظاهرين واغتصاب فتاتين سنيتين. يقول طلاس “نحن نستخدمهم أيضاً للحصول على معلومات حول واحد وعشرين منشقاً يتهددهم الإعدام على يد الأسد. من المفترض أن تتم مبادلة الأسيرين بالمنشقين. آصف شوكت، الرئيس السابق لجهاز المخابرات العسكرية و صهر الرئيس الأسد، هو من يقود المفاوضات من الطرف الآخر.
تُنشر في بابا عمرو تقارير سيئة للغاية عن كيفية معاملة النظام للمعارضين عندما يقعون في قبضته. وهذا ماحصل مع أحد قادة المظاهرات عندما سُلّم إلى أهله بعد أن أُجبر عدة مرات على شرب ماء مغلي. لن يتعافى أبداً من جروحه، إنه ينتظر الموت. يقول أبوعمر وهو ناشط شاب، أن النظام يستخدم أجهزة الثقب، وهو يعرف معتقلين أُصيبوا بالجنون في مراكز التعذيب. يقول أبو عمر ” واحد من جماعتنا أُحضر بالقوة إلى مشفى حكومي بعد أن أصيب بشظية في ساقه إصابة خفيفة. عندما أفاق وجد أنهم قد بتروا ساقه، سأل الطبيب عما جرى فقال له: “إنها في الخزانة، يمكنك أن تأخدها معك عندما يُطلق سراحك”.
المصدر:
Stern