تعنّت أسد سوريا في مواجهة خصومه
11 كانون الثاني 2012
عبّر الرئيس السوري بشار الأسد، خلال خطاب بثه التلفزيون الرسمي يوم الثلاثاء الماضي، عن عدم اكتراثه بإيجاد أية تسوية سلمية للانتفاضة التي اندلعت في بلاده في شهر آذار 2011. فبدلاً من التعهد بتقديم تنازلات للمعارضة، كما فعل في خطاباته السابقة، تعهد الأسد باستخدام “قبضة من حديد” لإخماد التمرد. فوصف المتظاهرين المناهضين له بالخونة والإرهابيين و بأنهم مشتركون في مؤامرة عالمية ضد نظام حكمه، كما سخر بشكل خاص من الإجراءات التي اتخذتها الدول العربية والتي عكست انتقاداتها المتزايدة للأساليب المستخدمة من طرفه في مواجهة الانتفاضة. ارتفعت وتيرة العنف من كلا الجانبين في الأشهر الأخيرة الماضية، وفيما تستمر الاحتجاجات، يغدو الأسد أقل استعدادا للمساومة.
صرح الأسد إن التهديد الحالي الذي تواجهه البلاد هو الأكثر خطورة منذ الانتفاضة الإسلامية التي أخمدها والده في ثمانينيات القرن الماضي. من المرجح أنه قصد من وراء إشارته إلى تلك الفترة من تاريخ سوريا إيصال رسالة تحذير ضمنية تفيد بأنه هو أيضاً على استعداد لاستخدام ما يلزم من القوة لقمع التمرد الجديد. لربما أدت أحداث العام الماضي، فيما عُرف بالربيع العربي، إلى إسقاط نظراء الأسد في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، لكنها فشلت في إزاحة النظام العلوي في سوريا. وبعد انتفاضة طالت لأشهر عشرة، يعتزم الأسد اتخاذ جميع التدابير في حدود الوسائل المتاحة له من أجل البقاء في السلطة.
يسود انطباع واسع لدى العديد من العواصم الأجنبية وغرف الأخبار أن الأسد يمسك بالكاد بالسلطة. ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن ما يشير بوضوح إلى إخفاقه في الحفاظ على أي من أعمدة الحكم الأربعة للنظام وهي: وحدة العلويين، وسيطرة حزب البعث، بالإضافة إلى سيادة عشيرة الأسد وتحكم العلويين بأجهزة الاستخبارات العسكرية. يجد الأسد نفسه في موقف حرج بالتأكيد، إلا أن تغيير النظام ليس بالمحصلة أمرا حتمياً.
لولا التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي NATO في ليبيا، لربما كان معمر القذافي مايزال الحاكم لنسخة مصغرة من بلاده. مثلما أثبت التدخل العسكري الأجنبي في نهاية الأمر دوره في إقصاء القذافي، فإن سيناريو شبيه في سوريا سوف يمثل أكبر تهديد محتمل لمنصب الأسد. ولذلك يقف الحظ إلى جانبه في أن يحكم بلداَ له هذا الموقع الاستراتيجي. لم يكن لضرب ليبيا عواقب إستراتيجية مهمة بالنسبة إلى معظم القوى الغربية التي شاركت في تنفيذ تلك الحملة، لكن في سوريا تبقى المخاطر أعظم. إن خشية المجتمع الدولي من زعزعة الاستقرار على الحدود مع لبنان وتركيا والعراق والأردن يجعل من غير المرجح أن تتلقى سوريا ذات المعاملة التي تلقتها ليبيا.
ورد اسم تركيا مراراً كدولة من الممكن أن تشنَّ عملاً عسكرياً ضد النظام العلوي، بيد أن تصرفات أنقرة في الأشهر الأخيرة أظهرت ترددها في خوض غمار حرب مع سوريا. على أفضل تقدير، قد يسعى الأتراك إلى إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود – دون الاقتراب من دمشق– . لكن حتى هذا الخيار لم يعد يبدو مرجحاً، إذ أن عزل سوريا من شأنه أن يؤجج المشاكل مع المواطنين الأكراد في تركيا، وهو الاعتبار الذي لطالما لطّف من إجراءات أنقرة في كل ما يتعلق بسوريا (والعراق).
كان الغرض من وراء إيفاد فريق المراقبة التابع للجامعة العربية في السادس والعشرين من كانون الثاني هو الحد من العنف في سوريا، ولو بشكل مؤقت. في الحقيقة، ازداد العنف عوضا عن ذلك:
في يوم الثلاثاء قال مسؤول في الأمم المتحدة إن ما معدله 40 شخصاً في اليوم قد جرى قتلهم منذ وصول المراقبين. الأسد اتهم في كلمته بعض الدول العربية بالنفاق في بياناتها الصادرة حول ما يتحتم عليه عمله لتهدئة المتظاهرين، موضحا أن حلاً عربياً “داخليا” للأزمة ليس في المتناولٍ.
في غضون ذلك، تستخدم إسرائيل الحرب النفسية والدعاية في محاولاتها للتأثير على قرار تنحي الأسد. وفق حساباتها ترى إسرائيل أن نظاما سنيا معاديا لإسرائيل هو أنسب من حليف لإيران يمثل حلقة وصل رئيسية في هلال شيعي يمتد إلى لبنان. لا تزال إسرائيل عاجزة عن فعل الكثير للتأثير على مجريات الأحداث في سوريا.
إذا ما كُتب لنظام الأسد النجاة، فإن الفائز الإقليمي الأكبر ستكون إيران.
تحالف سوريا الوثيق والقائم حاليا مع طهران سيتعزز في حال بقي النظام.
STRATFOR