الأزمة السورية: جهود يومية للحصول على معلومات موثوقة في بيروت المجاورة.

الأزمة السورية: جهود يومية للحصول على معلومات موثوقة في بيروت المجاورة

بيروت – بعد مرور منتصف ليل إحدى ليالي الأسبوع الماضي، اجتمع ما يقارب العشرين سوري حول حاسوب محاولين أن يعرفوا ماذا حصل بالضبط في جامعة دمشق ذلك اليوم.

نشرت على الشبكة العنكبوتية أنباء عن إصابة ثلاثة طلاب بطلق ناري في الجامعة. بينما قال التلفزيون الرسمي السوري أن العدد هو خمسة طلاب وأن القاتل متمرد من الذين ينتفضون ضد الرئيس بشار الأسد.

كان هذا مريحاً بشكل مريب بالنسبة للناشطين السوريين اللذين لهما أصدقاء في الجامعة وطلبا عدم ذكر أسمائهما. وهما الآن لاجئان في بيروت لأسباب مختلفة: أحدهما جاء إلى بيروت هرباً من الخدمة العسكرية الإلزامية، والآخر غادر مدينته في سورية بعد أن تلقى تهديدات هاتفية.

وبينما كانا جالسين في قبو صغير في شرق بيروت، يبحثان في الروايات القليلة عن الحادثة الموجودة على الشبكة العنكبوتية في غرف المحادثة، ويتحدثان إلى أصدقائهما عى برنامج سكايب Skype، تبين أن الحصول على معلومات مفيدة أمر صعب.

“نحن لا نعرف شيئاً” قال الشاب الذي هرب بسبب التهديدات في دمشق بإحباط. “ربما غداً سنعرف شيئاً عمّا حصل اليوم.”

في كل يوم يمر على بيروت، هناك نضال مستمر للحصول على معلومات موثوقة عن جار لبنان المضطرب، حيث دخلت الانتفاضة ضد النظام فيه شهرها العاشر.

قدرت الأمم المتحدة عدد المتظاهرين الذين سقطوا برصاص الأمن السوري بـ5000 متظاهر منذ شهر آذار الماضي، ومازال نظام الأسد يمنع دخول أي صحفيين أجانب إلى البلاد.

وقد اتخذ كثير من الصحفيين والنشطاء والمنشقين منذ بدء الأزمة مدينة بيروت كموقع للمراقبة، فهم يأملونأ أن يحصلوا على قطفات وشهادات مباشرة عمّا يسميه أغلب المراقبين الخارجيين حملة قمع همجية وقاسية من قبل قوات جيش الرئيس بشار الأسد.

ومن جانبه يدعي نظام الأسد أنه في صراع حياة أو موت ضد ميليشيات إسلامية تقوم بشن حرب نيابةً عن دول سنية مثل المملكة العربية السعودية. وتصر الحكومة السورية على أنها تواجه “مجموعات إرهابية مسلحة” قتلت أكثر من 1,000 من عناصر الأمن.

إن التحقق من تلك المعلومات –كحصيلة الضحايا، أو تقارير عن حوادث بعينها، أو حتى أسئلة بديهية عن نظرة الشعب السوري بمجمله تجاه الانتفاضة– أمرٌ مستحيل عملياً أو شديد الخطورة.

وقد رأى الوضع في سوريا بشكل مباشر عدد قليل من الصحفيين المستقلين، الذين دخلوا بشكل غير قانوني إلى البلاد وتحدوا بشجاعة دوريات الجيش السوري على الحدود والرحلات الليلية الخطرة على الدراجات النارية. كما أن تقاريرهم عن المدن المحاصرة مثل حمص وإدلب سيئة بشكل دائم، حيث أنها تصف مهاجمة المتظاهرين من قبل القوات الحكومية، نقص الإمدادات الطبية والغذائية، وتمرد مسلح متزايد يهدد بحرف مسار الثورة أو حتى تغييرها كلياً.

كما وجد الصحفيون الذين تم السماح لهم بدخول البلاد رسمياً أنفسهم مرفقين دائماَ بمؤيدي الحكومة.

ولم يترك هذا الكثير من الخيارات للذين في بيروت وبقية أنحاء العالم، فأصبحوا يسربون أي معلومات تصلهم حتى لو كانت منقولة عبر شخص واحد أو أكثر.

“إن هذا محبط حقاً،” قال شكيب الجبري، وهو ناشط سوري في بيروت يعمل كمنسق إعلامي للثورة. “بالنسبة لي كشخص يجب أن يعرف الكثير دائماً، عدم مقدرتي على الحصول على معلومات موثوقة يسبب لي الإحباط. لذلك أستطيع أن أتخيل كيف هو حال الصحفيين.”

ويعتبر الجبري، 30 عاماً، أحد الأشخاص المعدودين الذين يلعبون دوراً رئيسياً في نشر الأخبار عن سوريا ضمن بيروت. يعمل مع بعض الناشطين الآخرين على تأكيد أنباء الاشتباكات وأعداد القتلى لكي تنشر في تقارير ومجموعات الناشطين.

يمضي كل يومه تقريباً على الشبكة العنكبوتية، يتحادث مع ناشطين وأناس موثوقين يعيشون في المدن السورية الساخنة مثل حمص وحماه وينشر رواياتهم على صفحته في موقع تويتر Twitter.

وككل الذين ينشرون الأخبار خارج سوريا، يصر الجبري على أنه لن ينشر أي خبر عن أي حادث ما لم يتوفر له فيديو مصور أو مصادر موثوقة متعددة. بعض الأنباء لا يمكن تأكيدها أبداً. (بعد مرور أسبوع على حدث جامعة دمشق، قال الجبري لصحيفة هافينغتون بوست The Huffington Post بأن إطلاق النار “تم تأكيده، ولكن التفاصيل ما تزال غير واضحة.”)

ويؤكد صحفيون في بيروت على أنهم حتى لو أخذوا معلومات من نشطاء مثل الجبري، فإنهم يتواصلون مع مصادرهم الخاصة في سوريا.

“يجب أن تفعل ذلك كما تفعل أي شيء في الصحافة: تأخذ من مصدرين، ثم تأخذ من مصدرٍ ثالث،” قالت ريما مروش، وهي صحفية أحد والديها سوري الجنسية وتعمل لصالح صحيفة لوس أنجيليس تايمز Los Angeles Times في بيروت. “لا أستخدم خبراً إلا في حال رآه مصدري بعينيه. وإن لم يره، أطلب منه أن يصلني عبر سكايب Skype أو هاتف ثريا (هاتف بالأقمار الصناعية) بشخصٍ شاهد الحدث بنفسه.”

.

مع ذلك تتحمل مصادر معارضة مسؤولية أخطاء ومبالغات هامة –بما يتعلق بعدد القتلى، أو عن مدى همجية أساليب قوى الأمن – وأيضاً حذف بعض الأخبار: بعض مجموعات المعارضة المنظمة، على سبيل المثال، تحتفظ بسجلات دقيقة لهجمات المتظاهرين على قوى الأمن، كما يتجنبون نقاش دور الإسلاميين المتشددين في الثورة.

“هناك ميل إلى التقليل من أهمية هجومات المتظاهرين [على قوات الأمن]، ولكن يعود ذلك إلى عدم رغبة الناس على الأرض بالحديث عنها،” قال الجبري. “ولكننا نعلم أنه علينا نشر هذ القصص، لأننا إن لم نفعل ذلك، سيفعله غيرنا، وسنفقد مصداقيتنا.”

“لقد وقعنا بكثير من الأخطاء طبعاً لأن الشباب في سوريا كانوا يتعلمون بالممارسة،” قال ناشط ومختص آخر بنشر المعلومات في بيروت يسمي نفسه كنان.

“نحن الآن نقول أنه إن لم يتوفر لدينا فلم على موقع يوتيوب YouTube يبين ما يحدث، ذلك يعني أن المظاهرة لم تحدث، القمع لم يحدث، والقتل لم يحدث،” كما شرح لنا كنان – مما يعني أنهم يعلمون أنه من دون دليل مصوَّر قد لا يصدق العالم تقاريرهم. “لقد أصبح فلم اليوتيوب يساوي بالأهمية المظاهرة نفسها.”

وبالنتيجة، يقول كنان، طور الناشطون على الأرض تقنيات معقدة لتصوير ورفع الأفلام على الانترنت، ويتضمن ذلك التأكد من أن يقوم بخطوات العملية عدة أشخاص، وفي بعض الحالات يتم تحديد موقع المصور في منطقة مناسبة للتصوير قبل يومين من المظاهرة المخطط لها.

“سابقاً كان لدينا شخص واحد مسؤول عن كل شيء – تنظيم المظاهرة، تصويرها، ورفعها على الأنترنت – ولكن تبين لاحقاً أنها ليست فكرة جيدة،” كما قال.

لقد تم قتل الكثير من المصورين الهواة، منهم شاب معروف جيداً يبلغ الـ24 من العمر وردت أنباء عن أنه قتل على يد قوات الأمن بينما كان يصوّر في الأسبوع الماضي.

وأضاف كنان معترفاً برغبته بشرح القصة أكثر عندما نشرها لاحقاً “لقد أصبح الضغط لا يُحتمل، يمكنك تخيل شخص يعود إلى منزله في آخر النهار وهو يعلم أن الفلم الذي خاطر بحياته لتصويره لا يبين كل ما مرّ به، فيحاول أن يتمم الصورة بطرق أخرى.”

بالطبع، إن تزايد شهود العيان المبتدئين لم يزد دائماً المصداقية. فقد ذكر عدد من خبراء الأخبار في بيروت الأسبوع الماضي أن بعض قنوات الأخبار الرئيسية قامت بتوزيع هواتف أقمار اصطناعية مجاناً في أنحاء سوريا، وأن التزامهم بالمعايير المهنية كان قليلاً جداً.

كما أجرت قناة العربية –وهي قناة قضائية عربية– مقابلة الاثنين الماضي بالبث المباشر مع شخص عرّف عن نفسه بأنه عضو في بعثة المراقبين التي أرسلتها الجامعة العربية وقد ادعى بأنه أصيب بطلق ناري من قبل القوات الحكومية.

انتشر الخبر بشكل سريع جداً في الإنترنت لعدة ساعات، حتى أعلن مسؤولون في الجامعة العربية أنه كان خدعة.

“لقد كانت وسائل الإعلام في بعض الأحيان غبر مسؤولة،” قال ناشط لبناني ينتمي إلى أهم مجموعة دعم للمعارضة في بيروت، وقد طلب عدم ذكر اسمه. “لقد كان تمييز المعلومات الجيدة أسهل بكثير سابقاً لأنها كانت تأتي من نشطاء يمتلكون الخبرة ومواطنين صحفيين. أما الآن قد أصبح الجميع “نشطاء” و”مواطنين صحفيين”.

ولكن الصحفيين والنشطاء الرائدين في بيروت يصرون على أنهم مرتاحون للأخبار التي ينشرونها، متضمنة أعداد القتلى، وأسماؤهم ومناطق سكنهم، ولكن تلك المعلومات لا يمكن تأكيدها عن طريق مراسل من داخل المشرحة.

وإذا قامت الحكومة السورية بتفنيد تلك الأخبار، يهز النشطاء أكتافهم غير آبهين ويشيرون إلى منع النظام وسائل الإعلام من الدخول.

“الشيء المضحك،” أضاف الجبري، “أننا بسببهم نتحكم بالرواية بشكل كامل.”

المصدر:

Huffington Post

Syria Crisis: In Neighboring Beirut, A Daily Struggle For Credible Information

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s