مرحباً بك في سوريا الحرة
مراسل ا بي ثي خاص يروي الرحلة المحفوفة بالمخاطر التي عايشها قبل أن يصل إلى المنطقة التي يسيطر عليها المتمردون.
يوم 14/12/2011
رافقنا دليل عبر الحقول الممتدة على طرفي الحدود بين سوريا وتركيا في منتصف الليل. القمر بدر، وهو ما ليس في صالحنا، اذ كنا مرئيين جدا. سألني الدليل “هل أنت خائف؟”. وبذلك اتضح لي أنه يتعين علي أن أخاف. إذ أنه في حال اعترضنا الجيش السوري قبل أن نصل إلى الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون، فسوف يقومون بإطلاق النار علينا دون طرح أسئلة.
يشترك البلدان بأكثر من 800 كيلومتر من الحدود. يسعى النظام السوري إلى اغلاقها، ولكن حتى الآن لم ينجح في ذلك، إذ إن مقاتلي الجيش السوري الحر مازالوا يحافظون على طرق عدة مفتوحة لنقل المقاتلين والجرحى والمال. هذا هو الطريق الذي استخدمناه في الدخول إلى شمال سوريا، حيث يسيطر عليه المتمردون.
عبرنا نهراً صغيراً إلى حيث كانت تنتظرنا مجموعة من الرجال.كان يقف مقاتل مسلح ببندقية مراقباً من أعلى تلة تقاطعت مع القمر. قادني ناشط الى منزل في وسط الحقل، و أكد لي: “هذا المكان آمن”. وصل قرابة اثني عشر رجلا بعد ذلك بقليل، و ذلك على دفعات صغيرة حفاظاً على السلامة. قال الدليل “أقدم لك الجيش السوري الحر”.
على الرغم من اسمه “الجيش الحر”، إلا أنّ كل الأسلحة النارية التي يملكها “الجيش” هي بندقية صيد وبعض المسدسات. “لدينا السكاكين… ومفاجأة أخرى”، يقول أحدهم، ويريني هراوة كهربائية يمكن أن تشل أو حتى أن تقتل شخصا في صدمة كهربائية واحدة.
مع ذلك فهم من دون أي شك جماعة فعالة، فقد نسقوا لعملية مواصلة الطريق في أقل من ساعتين. ركبنا أولاً جراراً زراعياً، و من ثم انتقلنا إلى شاحنة. وصلنا بعد حين إلى بلدة صغيرة في شمال غرب البلاد، وتلك كانت أصعب مرحلة في الرحلة بسبب تواجد الجيش هنا بكثافة وعمليات التفتيش. رافقني أحد مرافقيّ في حواري البلدة، وأضاف ” لا تقل أكثر من” السلام عليكم ” اذا أوقفنا أحد”. و إذا سألونا، سأقول أنك صهر ابن عمي. طلب مني إزالة النظارات، ووضع لي قبعة على رأسي، ومشينا و يدينا في جيوبنا. كانت تنتظرنا دراجة نارية عند ناصية طريق. ركبت عليها في حين اختفى مرافقي في أحد الأزقة، و غادرنا عندها القرية بسرعة. كانت تنتظرنا في الخارج سيارة أخرى أخذتني إلى منزل آمن في الريف، وقضينا هناك ما تبقى من الليل.
“الدم العربي والاسباني”
اكتشفت في صباح اليوم التالي أن مضيفي لديهم خطة: سوف يستفيدون من مظهري الأسمر و لحيتي التي لم أحلقها منذ أيام عدة. قال واحد منهم “تبدو كأنك سوري”، و أردف “من الواضح أن الدم العربي يجري في عروقكم أنتم الإسبان”. ألبسوني حذاء مطاطياً، و موهوني بمظهر محلي. ركبنا بعد ذلك بقليل دراجة نارية مرة أخرى. تظاهرنا أنا و مرافقي الجديد بأننا اثنان من المزارعين في طريقهم إلى العمل.
وصلنا إلى قرية على سفح التل. و جبل الزاوية يمثل أمامنا. تلك هي منطقة جبلية يسيطر عليها المتمردون بشكل كامل تقريبا. ولكن هذه المسافة الفاصلة الأخيرة هي الأكثر خطورة، إذ أن الجيش يمشّط الطريق بشكل متقطع.
تعين عليّ الانتظار، لأن السيارة التي كانت ستأخذني إلى جبل الزاوية ذهبت إلى تركيا في مهمة لإجلاء جريح. عادت السيارة بعد ساعات قليلة, جلست أنا في المقدمة (لم يعد من المنطقي استمراري في التنكر بالزي البلدي)، بينما في الجزء الخلفي جلس مقاتل مسلح ببندقية كلاشنيكوف. هؤلاء الرجال يعرفون أنه إذا تم القبض عليهم فسوف يتم تعرضهم للتعذيب حتى الموت. لذلك فإذا تمت محاولة اعتقالنا فسوف نفتح طريقنا بقوة النار. حبسنا أنفاسنا، و كل أحاسيسنا كانت مركزة على الطريق، و هكذا بدأنا المرحلة الأخيرة من الرحلة. كنّا نسأل السكان المحليين عند مدخل كل قرية، ما إذا كانت هناك سيطرة للجيش هناك. لم يكن هناك أي أثر للجنود لحسن الحظ. وصلنا بعد أقل من ساعة الى ابديتا مسقط رأس العقيد رياض الأسعد، قائد الجيش السوري الحر، و مركز المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين. نزل الرجال من السيارة، وتم استقبالهم بالعناق والقبلات من قبل السكان المحليين. جاء الجميع لتحيتنا و للنظر إلينا. أخيراً مد واحد منهم يده لي، و قال بلغة إنجليزية بسيطة:”مرحباً بك في سوريا الحرة” لقد وصلنا!
المصدر:
Mediterranáneo sur