معهد الولايات المتحدة للسلام
7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011
ملخص:
– حافظت إسرائيل على صمتها بشكل عام إزاء الاضطراب الذي تشهده سوريا مؤخراً، مما يعكس اهتماماً قليلاً نسبياً ضمن سلم الأولويات، بالإضافة إلى التأثير المحدود لإسرائيل على الشؤون الداخلية لسوريا.
– قد تكون النتيجة المفضلة لإسرائيل في إيجاد نظام سوري مستقر يقوم بالنأي بنفسه عن “محور المقاومة”، ولا يشكل أي تهديد للجانبين، ويكون قادراً على السيطرة على المنطقة الحدودية – على الرغم من أن إسرائيل لا ترى أي مسار واضح لتنفيذ هذه الأهداف.
– تكمن وجهة النظر السائدة في إسرائيل في أن البنية الأساسية للردع مازالت في مواجهة سوريا والنظام – حتى في الظروف البائسة التي تشهدها – وأنه من غير المحتمل أن تُستفز إسرائيل بطرق دراماتيكية.
رد إسرائيل الصامت:
حافظت إسرائيل على صمتها بشكل عام إزاء الاضطراب الحالي وإزاء إمكانية التحول السياسي في سوريا، حيث أن هذا الاضطراب الذي تشهده البلاد يحتل اهتماماً ضئيلاً في سلم الأولويات. فالمؤسسة الإسرائيلية منشغلة حالياً بمسألة إقامة الدولة الفلسطينية، والتوترات التي تشهدها علاقاتها مع كل من تركيا ومصر، إلى جانب ما تمر به من اضطراب في الداخل الإسرائيلي بسبب المسائل المتعلقة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي.
كذلك فإن بقاء إسرائيل على الحياد يعكس مدى التأثير المحدود الذي تملكه، كذلك افتقارها إلى أوراق لعب في الداخل السوري. فأورشليم (القدس) تشعر بإمكانية ممارسة تأثير مباشر على علاقتها بمصر، على سبيل المثال، وبشكل خاص عبر واشنطن، إلا أن الحالة هذه تختلف مع دمشق. فعلى الرغم من أن بعض المحللين يعتقدون بأن دور إسرائيل المحدود يعكس تفضيلها التام لنظام الرئيس بشار الأسد – تماشياً مع مبدأ “الشيطان الذي نعرفه”-، يزداد الاعتقاد لدى النخبة من السياسيين ومسؤولي الأمن القومي في إسرائيل بأن أيام النظام في سوريا باتت معدودة.
إن الدور الإسرائيلي المحدود الذي تنتهجه إسرائيل يبين أن تركيزها التقليدي كان منصباً على النخبة السياسية والعسكرية في سوريا، وليس على المجتمع السوري. وعليه، فإن إسرائيل اليوم تتبع سياسة اللحاق بالركب لتتمكن من فهم القوى المحركة للانتفاضة والحكم على أي من السيناريوهات السياسية المستقبلية التي يمكن أن تصب في خدمة مصالحها الخاصة. فالإسرائيليون غير جاهزين لسوريا ما بعد الأسد.
وتبقى تقييمات الوضع في سوريا بدائية، حيث أن إسرائيل – كغيرها من اللاعبين في المنطقة – لا تملك رؤية واضحة حول ما ستؤول إليه الأمور في سوريا.
التغيير في سوريا: وجهات نظر إسرائيلية حول التهديدات والفرص:
لتوضيح أوسع، شكلت سوريا نوعين من التهديد على المستوى الإستراتيجي بالنسبة لإسرائيل، تهديد إقليمي وآخر ثنائي. فعلى مدى ستة عقود من العلاقات السورية الإسرائيلية المتداخلة، اختلفت هذه التهديدات من حيث الأهمية. فالغزو الإسرائيلي لسوريا في العام 1948 وما نتج عنه من توتر على طول خط الهدنة كان في صميم القلق الإسرائيلي في وقت مبكر، وكذلك كانت مسألة المياه.
الهجوم المفاجئ الذي قامت به سوريا في العام 1973 والتهديد باندلاع حرب تقليدية في النزاع حول هضبة الجولان كان أحد أهم مخاوف الأمن الإسرائيلي في العام 1970 والعام 1980.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية، لعبت سوريا دوراً مهماً في التدخلات الإسرائيلية في لبنان، برز هذا الدور جلياً في المواجهات الرئيسية التي جرت غداة الغزو الإسرائيلي في العام 1982.
ومع ذلك، ومنذ العام 1990، تحولت المخاوف الإسرائيلية أكثر باتجاه الدور الإقليمي الذي تلعبه سوريا في “محور المقاومة” الذي يضم (إيران، حزب الله، وإلى حد ما حماس). وقد ظهر الكثير من هذا التوتر في لبنان، إلا أن إدراك هذا التهديد كان على نطاق أوسع بكثير.
يرى بعض الإسرائيليين أن نهاية نظام الأسد سيكون بمثابة مكسب استراتيجي محتمل، حيث يقول الجنرال المتقاعد عاموس جلبوع Amos Gilboa، وهو خبير كبير في الشأن السوري، بوجود “احتمال لانهيار المحور “المعادي لإسرائيل” أمام أعيننا، ليس بسبب انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان، ولكن بسبب أن بشار الأسد على وشك السقوط”. وفي سياق مماثل، عزا محللون استعداد حماس للوصول إلى تسوية يمكن من خلالها الدخول في صفقة تتوحد فيها مع حركة فتح إلى تخوفها من أن يؤدي الاضطراب في سوريا إلى جعلها في موقف أضعف.
وعلى صعيد العلاقات الثنائية، ينقسم الإسرائيليون حول ظهور سوريا أكثر ديمقراطية وحول التمثيل السياسي فيها على المدى البعيد. كدولة قائمة على الديمقراطية، يؤيد الكثير من الإسرائيليين فكرة توسيع الديمقراطية وإيجاد نظام أكثر تحرراً، حسب ما صرح به الرئيس بيريز Peres في كلمة له أمام معهد الولايات المتحدة للسلام. من ناحية أخرى، يخشى الإسرائيليون من أن تستفيد الأطراف الإسلامية والراديكالية من أي انفتاح سياسي، وأن يقوموا بضغط متشدد أكثر تجاه إسرائيل. بينما يشكك آخرون في إمكانية أن تتمكن المجتمعات العربية من إنتاج ديمقراطية حقيقية.
لقد أعادت الانتفاضة في سوريا، وإيجاد حكومة سورية سواء برئاسة الأسد أو بدونه، إثارة المخاوف الإسرائيلية حول جبهة الجولان التي ظلت تنعم بالهدوء منذ التوقيع على فض الاشتباك عام 1974 بوساطة أمريكية، حيث يعبر البعض عن قلقهم حيال أي تغيير قد يطرأ على هذا الوضع. فمن الممكن أن يكون هناك أعمال عدائية على نطاق محدود مثل الخروج في مظاهرات على الحدود أو القيام بأعمال إرهابية، وقد تكون على نطاق أوسع تتمثل في اندلاع مواجهات تقليدية، وفق رأي جنرال متقاعد.
في شهر سبتمبر/ أيلول كتب إسرائيل زيف Israel Ziv أنه إذا “وجد الأسد نفسه محاصراً، فقد يلجأ إلى استخدام الورقة الأخيرة في يده ومن ثم يقوم بشن أعمال عدائية على إسرائيل بهدف استعادة سيطرته”. إن الدور الذي لعبه النظام في تشجيع الفلسطينيين على خرق الحدود مع إسرائيل في شهر مايو/ أيار وشهر يونيو/ حزيران عام 2011، فضلاً عن قيامه بالتوجه إلى الرأي العام السوري وعرض اعترافات لمواطن سوري على التلفزيون الرسمي في شهر سبتمبر/ أيلول على أنه “جاسوس إسرائيلي” كلها أمور تشكل دليلاً على إمكانية هذا التحليل.
تأثيـرات محتملـة على سـياسة إسرائيل:
تكمن النتيجة المفضلة لإسرائيل في إيجاد نظام سوري مستقر يقوم بالنأي بنفسه عن “محور المقاومة”، ولا يشكل أي تهديد للجانبين، ويكون قادراً على السيطرة على المنطقة الحدودية. إلا أنه وفي ظل الظروف الحالية، لا ترى إسرائيل أي سبيل لتحقيق مثل هذه النتيجة. ومع ذلك، وخلافاً لما جرى في عام 2007 من هجوم على المفاعل السوري، أو اغتيال عماد مغنية، فإن إسرائيل ليست في صدد القيام بأي إجراء عسكري، سواء بشكل علني أو سري، من شأنه التأثير على ما سينتج عن الانتفاضة.
يعكس هذا الأمر نقطتين، الأولى هي تردد إسرائيل في لعب دور في تشكيل النتائج السياسية في الدول العربية (على سبيل المثال، بعد محاولتها التي باءت بالفشل في لبنان في العام 1980) والنقطة الثانية هي الفهم المحدود لإسرائيل حول طبيعة القوى الداخلية في سوريا.
الأهم من ذلك كله، فإنه يعكس إدراكاً في إسرائيل بأن لديها وسائل قليلة لاستخدامها في تغيير مجريات اللعبة. وبوجود استثناءات قليلة، فمن المرجح أن القادة والمسؤولين الإسرائيليين سيستمرون في البقاء على صمتهم حول الانتفاضة، وحتى حول استجابات الأطراف الثلاثة الأخرى، كما قال أحد الخبراء الإسرائيليين البارزين “كلما قل الكلام، كلما كان أفضل”.
ميدانياً، تقوم إسرائيل بتعزيز بعض حواجزها الموجودة على جبهة الجولان، بما في ذلك إعادة نشر الألغام، رداً على المسيرات الفلسطينية التي حدثت في شهري مارس/ آذار ويونيو/ حزيران من العام 2011، وقد يتبع ذلك بعض التعديلات الطفيفة أيضاً، ولكن منعاً لحدوث أي تغيير رئيسي في إدراكها لحجم التهديد، فغالباً ما سيبقى موقف إسرائيل من هضبة الجولان كما هو منذ سنوات.
في الواقع، على الرغم من التدفقات المثيرة للقلق التي حدثت في ربيع عام 2011، تكمن وجهة النظر السائدة في إسرائيل في أن البنية الأساسية للردع مازالت في مواجهة سوريا والنظام – حتى في الظروف البائسة التي تشهدها – وأنه من غير المحتمل أن تُستفز إسرائيل بطرق دراماتيكية.
ولكن في حال تغير الواقع إلى الأسوأ وشعرت إسرائيل بضرورة خرق اتفاقية عام 1974، أو سعت إلى تغيير الشروط التي فرضتها الأمم المتحدة بإرسال قوات مراقبة فض الاشتباك (UNDOF)، فإنها على الأغلب ستقوم بذلك بالتشاور مع واشنطن. ويمكن استخلاص أوجه الشبه من خلال قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (UNIFIL)، أو من خلال نشر القوات الدولية في الخليل، ففي الحالتين تعرضتا للتغيير مع مرور الوقت. ومع ذلك، مازالت ثقة إسرائيل بمثل هذه الاتفاقيات مشوبة بالحذر، في أفضل الأحوال.
داخلياً، هناك احتمال أن تؤدي الأحداث في سوريا إلى انخفاض نسبة التأييد لتوقيع اتفاق “الأرض مقابل السلام”. ففي حال قيام نظام جديد يتحرك بثبات نحو تغيير التوجهات الاستراتيجية، قد يشعر الإسرائيليون بأنه ليس هناك حاجة لدفع الثمن لانسحاب كامل. وإذا تشبث النظام الحالي بالسلطة لبعض الوقت، فإن عمليات القمع الوحشي التي يمارسها والتحول الصارخ في تكتيكاته تثبت أيضاً أنها المسمار الأخير في نعش الدعم الإسرائيلي لصفقة السلام.
وفي ظل سيناريو ثالث، والذي تكون نتيجته حالة من عدم الاستقرار إلى أجل غير مسمى، سيكون هناك إيمان ضعيف بأن صفقة السلام هذه قد تكون قادرة على الثبات.
ولن يكون للمؤيدين التقليديين لصفقة الجولان وحدهم أفكاراً ثانية، إلا أن الأمر سيكون كذلك بالنسبة للمعارضين الذين لم يفوتوا الفرصة ليقولوا “لقد أخبرناكم بهذا”. فوزير الدفاع والخارجية الأسبق موشي آرينس Moshe Arens، ذو الصوت المحافظ منذ زمن طويل والمعارض التقليدي لصيغة “الأرض مقابل السلام”، كان قد انتهز الصحوة التي تشهدها البلاد العربية والانتفاضة في سوريا ليهاجم أولئك الذين كانوا يميلون لإبرام صفقة حول الجولان مقابل السلام، حيث كتب في صحيفة هآرتس في شهر أغسطس/ آب “قد يبقى الماس إلى الأبد، إلا أن المعاهدات مع دكتاتوريين لن تبقى”, “علينا أن نعتبر أنفسنا محظوظين لأننا لم نقم بتوقيع المعاهدة، فما يحدث في سيناء اليوم، من الممكن حدوثه الآن في هضاب الجولان”.
تأثيـرات محتملـة إقليمية: إسرائيل، تركيا، لبنان، والأردن:
قد تؤثر الأحداث في سوريا على سياسة إسرائيل فيما يتعلق باللاعبين الآخرين في المنطقة. فحرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله لم تُنهِ الصراع القائم بين الأطراف، وكلا الطرفان يتهيئان لمواجهة أكثر عنفاً. إن التوقعات لتجدد الصراع خلال الثلاث سنوات القادمة “قوية جداً” حسب ما صرح به أحد كبار المسؤولين في قوات الدفاع الإسرائيلية. وامتداد الحرب الأهلية في سوريا إلى لبنان قد تؤثر على ديناميكية المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في عدة طرق: فلو شعر حزب الله بتهديد داخلي، فإنه قد يختار تصعيد التوتر مع إسرائيل بهدف الحصول على تأييد داخلي، أو أن أي تغيير في موقف حزب الله قد يجعل قائده، حسن نصر الله، عرضة لعملية اغتيال إسرائيلية. لكن على الأغلب، إسرائيل ستبقى على الحياد. في الواقع، ترى إسرائيل من خلال خبرتها بأن الصراع الداخلي اللبناني سيحول، على الأقل مبدئياً، أنظار أعدائها عن الدولة اليهودية.
يرى بعض الإسرائيليين أن هناك على الأقل فرصة إقليمية قد تنتج عن الانتفاضة السورية، وهي إعادة فتح قنوات الحوار مع تركيا، التي كانت تمثل الدعامة لموقف إسرائيل الإستراتيجي إقليمياً لسنوات عديدة، وقد تدهورت هذه العلاقة المهمة مؤخراً لتصل إلى درجة العداء المعلن.
ومع ذلك، فإن كلا البلدين لديهما مصلحة مشتركة في وجود حكومة مستقرة ومسؤولة في سوريا. على الرغم من أن هناك قلة قليلة في تركيا تؤيد هذا التوقع بشكل واضح، إلا أن هناك بالمقابل الكثير من الإسرائيليون الذي يأملون أن يؤدي الاضطراب في سوريا إلى معالجة الشرخ الحاصل بين أورشليم (القدس) وأنقرة.
أخيراً، فإن امتداد الاضطراب السياسي في سوريا (وبشكل أوسع في العالم العربي) إلى الأردن سيشكل قلقاً كبيراً بالنسبة لإسرائيل. فالدولة اليهودية دعمت بشكل تقليدي الهاشميين وأثبتت استعدادها لاستخدام القوة في سبيل الدفاع عن الحالة الراهنة (على سبيل المثال ما حصل في أيلول الأسود 1970)، ومع ذلك، تبقى قدرة إسرائيل على دعم النظام الملكي مرتبطة بوجود تهديدات خارجية، ولكن حتى هذا الجزء يقدم خيارات قليلة ومقيدة للغاية والذي من شأنه التأثير على النتيجة المرجوة.
المصدر