مسلح بالهاتف, وخطر على سوريا
هروب سائق شاحنة سابق لإجرائه اتصالات من أجل تقديم إحصائيات القتلى والإبلاغ عن الضحايا للجهات الدولية قائلاً “لم يتبقى أحد غيري”
بقلم مارك تشامبيون MARC CHAMPION في أنطاكيا- تركيا, ونور ملص NOUR MALAS في دبي.
تسريب المعلومات خارج سوريا
تصوير ناتاشا فيليون Natasha Fillion لصحيفة وول ستريت جورنال Wall Street Journal – علاء الدين اليوسف.
في يوم الأربعاء, وبعد أن تعرضتْ قرى في منطقة جبل الزاوية شمال سوريا لما وصفه السكان بوابل من نيران الدبابات والأسلحة المضادة للطيران والرشاشات التابعة للحكومة، أجرى علاء الدين اليوسف اتصالاً ليدلي بأحدث إحصائيات للقتلى.
قام بإبلاغ بعض الجماعات الناشطة وإحدى شبكات التلفزة من خلال هاتف يعمل بالأقمار الصناعية بأن نحو 105 أشخاص قد قتلوا في اليوم السابق في قرى تلك المنطقة، كما فعل من قبل لتوثيق عمليات القتل خلال الإنتفاضة السورية، وكما جرت العادة في توثيقه لعمليات القتل خلال الانتفاضة السورية اعتمد علاء في إحصائيته على الجثث التي شاهدها والتي تم الإبلاغ عنها من قبل نشطاء آخرين.
ما لم يتم ذكره في هذه الرسالة الإخبارية هو أن تلك الجثث التي شاهدها –35 بالمجمل– كانت في مسجد قريته. عدد من هذه الجثث كانت مكدسة فوق بعضها البعض، كما كانت جميعها معروفة بالنسبة له.
وأضاف من خلال مقابلة أجريت معه يوم الأربعاء عبر السكايب Skype بواسطة اتصال عبر الأقمار الصناعية “إنهم أعز أصدقائي، هم جميع من أعرف.”
ولقد دقّت جماعات دولية في هذا الأسبوع جرس الإنذار بأن الانتفاضة السورية قد بلغت مرحلة هي الأكثر دمويةً حتى الآن، حيث قدّر المراقبون عدد القتلى في هذا الأسبوع بين 290 وحتى 400 تقريباً. تتفاوت تقديرات أعداد الضحايا بسبب كون سوريا حتى الآن تمنع منعاً باتاً الصحافيين والمراقبيين الدوليين من رصد ومراقبة الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الأسد ذات الأشهر التسع.
وبالتالي يتم تقديرأعداد القتلى من خلال تجميع التقارير التي تأتي من قبل شهود مثل السيد يوسف، وهو متسرب من التعليم الثانوي وسائق شاحنة خضار سابقاً. إن عمله على الأرجح غير دقيق، وخطير لدرجة لا يمكن إنكارها.
“عندما تقوم بتقديم أسماء أولئك الذين يقتلون، فهذا هو أهم شيء تعمله لأن وسائل الإعلام السورية تروي الأكاذيب، وتقول إنه لم يقُتل أحدْ في حين تم قتلهم، “صرح في آخر سلسلة من المقابلات من مواقع داخل سوريا لم يُرد الكشفَ عنها.
لا يدّعي السيد يوسف أنه محايد. إنه يقوم بتنظيم احتجاجات مناهضة للحكومة في بلداتٍ حول مدينة إدلب الشمالية، وفي بعض الأحيان يخرج أطفال المدارس للانضمام إلى المظاهرات. وهناك اثنان من بين أشقائه السبعة يقاتلان مع المجموعة الرئيسية للجنود المنشقين ألا وهي الجيش السوري الحر.
علاء –وهو أب لثلاث فتيات صغيرات– قد أمضى جزءاً كبيراً من فترة الصيف كما يقول مختبئاً في بساتين الزيتون. ولقد تم إخباره على الأقل مرتين بمكائد تحاك له بهدف قتله. إنه يتحمل مخاطر الأعمال التي يقوم بها –كما صرح– في سبيل بقاء الانتفاضة السورية على المشهد الدولي.
وأضاف السيد يوسف ” نحن على يقين بأن أسلحتنا لن توفر لنا الأمان لمسافة متر واحد، ولكن نأمل في مساعدة تركيا والغرب لنا.”
إن تقارير السيد يوسف، بالإضافة إلى تقارير أولئك السوريين الذين فروا من البلاد، ينتهي بها المطاف في سجل للممارسات الوحشية لدى الأمم المتحدة، حيث تعتمد عليه الحكومات الدولية أثناء تقييمها لكيفية الرد. لقد ارتفع هذا العدد بشكل حاد إلى 5,000.
.
وقالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان رافينا شامداساني Ravina Shamdasani بأنه لا يوجد أي شك من قبل الهيئة بما يتعلق بإحصائياتها, ولكن أقرّت بصعوبة إثبات وتوثيق العنف في سوريا. وقالت بأن الأمم المتحدة سوف تحافظ على الأرقام تقريبية ولن تشمل الأشخاص مجهولي الهوية أو المفقودين.
وأضافت ” علينا أن نعتمد على البيانات التي نحصل عليها من الناس على الأرض، فنحن لا نستطيع الدخول واحصاء الجثث.”
ووضعت مجموعات أخرى أرقام أعلى .ومن المقترض أن تكشف آفاز Avazz –وهي منظمة متخصصة بتنظيم حملات على المستوى الدولي– يوم الجمعة عن أنها تحققت من مقتل أكثر من 6,237 شخصاً في سوريا بين 15 آذار/ مارس، اليوم الأول من الاحتجاجات المنظمة، و9 ديسمبر/ كانون الأول. ويشمل هذا الرقم 473 امرأة، 403 طفل، و917 من قوات النظام.
وتقول المنظمة أنه يتم التحقق من كل حالة وفاة بواسطة تقرير طبي، أحد أفراد العائلة، وإمام مسجد. وهذه العملية صعبة للغاية في ظل خشية السوريين من إعطاء معلومات وما تصفه بمماطلة الحكومة.
طعنت الحكومة السورية بشدة أرقام الضحايا المصرح بها من قبل الأمم المتحدة. إذ إن تقدير الرئيس الأسد الأخير لعدد الضحايا المدنيين هو 619 فقط.
إن دور الناشطين أمثال السيد يوسف هو السبب وراء جعل الحكومة السورية تُحذر من أن امتلاك هاتف يعمل بالأقمار الصناعية يُعد جريمة. السيد يوسف يستخدم هاتف ثريا من تركيا يعمل بالأقمار الصناعية. ويقول أنه لا يعرف من قام بتزويده به.
لقد داهمت القوات الحكومية منزله أربع مرات بحثاً عنه –كما يقول– وقاموا بتدمير كل ما بإمكانهم تدميره وطلي جدران المنزل برسومات حمراء. وفي يوم السبت قام أحد الناشطين بإخبار السيد يوسف بأن قوات الجيش وضباط الأمن و”الشبّيحة” الذين يرتدون ملابس مدنية قد قاموا بنهب المنزل عندما كان خارجه ورش الغرف بنيران الأسلحة الرشاشة محذرينه من العودة.
السيد يوسف لا يتوافق مع قالب ناشط الفيسبوك المصري أو التونسي. إذ قال أنه لم يستخدم الانترنت قبل سنة من الآن بحسب قوله. حيث أنه لا يوجد خدمة إنترنت برودباند broadband في قريته.
اليوم، السيد يوسف- الذي يُعرَف محلياً باسم علاء- يجوب منطقة إدلب مستخدماً هاتف الأقمار الصناعية لتوثيق القتلى بمقاطع مصورة يقوم بتحميلها مع تقاريره إلى غرف الدردشة في برنامج السكايب ومواقع الإنترنت المختلفة. و يقول بأن لديه شبكة من 12 إلى 15 من زملائه الناشطين الذين يعملون على إيصال الأحداث التي تجري في المدن التي لا يستطيع الوصول إليها.
ولقد تم الاتصال به في وقت سابق من هذا الشهر، حيث سرد لنا يومه الذي بدأ الساعة الثامنة صباحاً بعد أن أمضى الليلة الماضية حتى وقت متأخر على برنامج السكايب. خرج للتحقق من تقارير عن سبع وفيات قي المنطقة المحيطة, خمسة قي بلدة خان شيخون.
توفي عزيز طعان, وهو بائع خضار يبلغ من العمر 42 عاماً وأب لسبعة أطفال عندما سقطت قذيفة دبابة على منزله قي خان شيخون. كما لقيت خالة الدادو –وهي ربة منزل تبلغ من العمر 55 عاماً– مصرعها أثناء العودة من إحدى الجنازات إلى منزلها, تاركةً ورائها ابنين وابنتين. ابراهيم النجم غادر منزله للبحث عن ابنه ذي الـ 12 عاماً ولم يعد أبداً. فيما تم العثور على ابنه لاحقاً محتجزاً لدى الشرطة. وقُتل مصطفى الهيسو –وهو طالب جامعي عمره 27 عاماً وأب لستة بنات– أثناء قيامه بمساعدة المصابين عندما فتح الجنود النار على المتظاهرين. وكان بسام عبد الله النجم –وهو صاحب متجر عمره 35 عاماً– داخل متجره عندما تعرض للقصف وفقاً لرواية السيد يوسف.
وصرح أنه كان قادراً على تصوير ثلاث من خمس جثث فقط ولكن لم يستطع الوصول إلى الاثنتين الأخرتين. إذ تم الإبلاغ بالهاتف عن ضحيتين في قرى أخرى ولم يكن لديه أسمائهم. وقدّم السيد يوسف تقريراً لقناة الجزيرة عبر الهاتف كما روى التفاصيل للمنظمات التي تقوم على جمع مثل هذه البيانات من جميع أنحاء البلاد ونشر أسماء والمقاطع المصورة على مواقع المعارضة وغرف المحادثة في برنامج السكايب.
وقال “هنالك الكثير من المعلومات الخاظئة التي تصلني، خاصة عندما أقوم بتغطية هجوم ما” مضيفاً أنه يقضي معظم وقته في محاولة لتأكيد الوفيات وهوياتهم.
ومع ذلك كانت تقارير هذا الأسبوع غير عادية.
في الساعة الثالثة ظهراً من يوم الإثنين أحضر أحد الناشطين إلى السيد يوسف 11 من الجنود السوريين الذين قالوا أنهم تعرضوا لهجوم أثناء محاولتهم الإنشقاق والهرب من ثكناتهم في شمال سوريا. أخبره هؤلاء الجنود بأن مجموعتهم التي كانت تضم أكثر من 80 فاراً من الجيش –بينهم أربعة ضباط– قد أطلق النار عليها من قبل قوات الأمن بمجرد خروجهم من الثكنات في وقت سابق من بعد ظهر ذلك اليوم.
وقد أخبر الناجون السيد يوسف بلجوء بعض الجند الفاريين إلى قن للدجاج. وقال السيد يوسف ” لقد تم قصف القن بنيران المدفعية، لقد احترقوا جميعاً حتى الموت في الداخل.”
لم يكن السيد يوسف قادراً على معاينة الجثث, ولكن بالإعتماد على رواية الجنود الإحدى عشر, أعلم كلاً من قناة الجزيرة وإحدى جماعات حقوق الإنسان. لقد كان أول من أبلغ عن عملية القتل هذه والتي قد تمثل أكبر مجزرة للجنود المنشقيين حتى الآن منذ بدء الإنتفاضة.
ثم, وفي يومي الثلاثاء والأربعاء, قد صرح السيد يوسف وآخرين من المنطقة, بأن القوات السورية قد قامت بضرب البلدات التي اعتبرها الجيش السوري الحر مؤخراً كمناطق آمنة نسبياً لمعارضي النظام. لقد تحولت هذ المنطقة, كما قال, في هذا الأسبوع منطقة حرب.
وفي يوم الأربعاء, دخل إلى حساب السكايب الخاص به للتحدث مع مراسل. حيث كان هناك جملة مكتوبة إلى جانب أيقونة حسابه على الانترنت تقول “كن مع الله ولا تخف.”
وروى السيد يوسف عن كيفية تقبيله لجباه خمس وثلاثين من أصدقائه قال أنه قد شاهد جثثهم ملقاة في المسجد. بعد ذلك سمع صيحات تنبئ بأن الجيش كان يتحرك إلى داخل المبنى.
فرَّ هارباً، كما قال، واتصل هاتفياً بقناة فضائية عربية قائلاً “لقد قتلوا جميع أصدقائي، ولم يتبقَ أحدٌ غيري.”
المصدر:
Wall Street Journal