مراقب حقوق الإنسان الأسوأ في العالم

 مراقب حقوق الإنسان الأسوأ في العالم.

بينما يعمل مراقبو الجامعة العربية على كشف حملة القمع التي يمارسها بشار الأسد، يترأس بعثتهم جنرال سوداني متهم بتأسيس تنظيم “الجنجاويد” المرعب والذي كان مسؤولاً عن ارتكاب أسوأ الفظائع أثناء الإبادة الجماعية في دارفور.

بقلم ديفيد كينير David Kenner، 27 كانون الأول 2011

لأول مرة منذ بداية الربيع السوري البالغ من العمر 9 أشهر يكون هناك شهود على حملة القمع التي يقوم بها الرئيس بشار الأسد والتي قضت على أكثر من 5000 شخص وفقاً للأمم المتحدة. وصل مراقبو الجامعة العربية إلى البلاد في 26 من كانون الأول وذهبوا في يوم 27 من نفس الشهر إلى مدينة حمص، بؤرة الثوار، حيث تشير الاحصائيات إلى عشرات من القتلى يومياً بحسب تجمعات الناشطين. الآلاف نزلوا إلى الشوارع للتظاهر ضد الأسد عند وصول المراقبين، في حين قال الناشطون أن الدبابات السورية انسحبت من الشوارع لبضع ساعات فقط قبيل وصول فريق الجامعة العربية إلى المدينة.

“أنا ذاهب إلى حمص،” أصر الجنرال السوداني محمد أحمد مصطفى الدابي رئيس بعثة مراقبي الجامعة العربية قائلاً للمراسلين أن نظام الأسد كان “شديد التعاون” معهم حتى الآن.

ولكن قد يكون الدابي أقل شخص ملاءمةً لترؤس بعثة إنسانية عرفه العالم . فهو موالٍ مخلص للرئيس السوداني عمر البشير المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية لارتكابه إبادة جماعية وجرائم بحق الانسانية من خلال سياسات حكومته في دارفور. إن سجل الدابي الخاص في المنطقة السودانية المضطربة كافٍ ليجعل وجه أي ناشط في حقوق الإنسان شاحباً حيث أن الدابي متهم بالإشراف على تأسيس الميليسشيات العربية المخيفة المعروفة باسم “الجنجاويد”.

بدأت مشاركة الدابي في أحداث دارفور في عام 1999 أي قبل أربعة أعوام من تفجر العنف في المنطقة والذي أطلق عليه وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية كولين باول اسم “إبادة جماعية”. حيث كانت دارفور تنزلق إلى الحرب بين المجتمعات العربية والمساليت، وهو نفس خط الصدع الذي تطور إلى حرب عرقية دامية في غضون الأعوام القليلة التالية. وعندما تفاقم الوضع وخرج عن السيطرة قام البشير بإرسال الدابي إلى دارفور لإعادة فرض النظام.

وبحسب كتاب (دارفور: تاريخ جديد لحرب طويلة Darfur: A New History of a Long War) بقلمي جولي فلينت Julie Flint وأليكس دي فال Alex De Waal، فإن الدابي وصل إلى الجنينة، عاصمة غرب دارفور، يوم 9 شباط عام 1999 مع حوامتين حربيتين و120 جندي وبقي هناك حتى نهاية حزيران. حيث قام خلال هذه الفترة بمعاداة محافظ السودان الغربية الذي ينتمي إلى المساليت. فلينت و دي فال يكتبان:

يصف المحافظ ابراهيم يحيى هذه الفترة بـ “بداية تنظيم الجنجاويد” حيث تقوم الحكومة لأول مرة بتمويل قيادات الميليشيا [العربية] أمثال حامد ضواي وشنيبات. “يقوم الجيش بالتفتيش ونزع الأسلحة في القرى وبعد يومين تدخل ميليشيات الجنجاويد لتقوم بعمليات الهجوم والنهب من الساعة السادسة صباحاً وحتى الثانية ظهراً وعلى بعد مسير عشر دقائق فقط من الجيش. بهذه الطريقة تم حرق كل دار مساليت.”

بعد خمس سنوات يؤكد قائد جيش تحرير السودان –وهي منظمة ثورية في المنطقة– ما قاله ابراهيم يحيى. “الأمور تغيرت في عام 1999” يقول لفلينت و دي فال. “تم حلّ قوات الدفاع الشعبي (وهي ميليشيا حكومية) وأتت ميليشيا الجنجاويد. احتل الجنجاويد كل مواقع قوات الدفاع الشعبي.”

ويقدم الدابي وجهة نظر أخرى عن فترة وجوده في دارفور ولكن ليس من الواضح رفضه لتفاصيل عملية قضائه على العنف. وقال لفلينت ودي فال أنه قام بتوفير الموارد اللازمة لرفع مظالم القبائل وبما هو لازم لإجبار القيادات على المصالحة، عبر “تهديدهم بالذخيرة الحية في حال ترددهم” بحسب الكاتبين. “كنت فخوراً جداً بالفترة التي قضيتها في الجنينة” يقول الدابي.

ويقول دي فال لمجلة الفورين بوليسي أن يحيى، الذي أصبح قائداً رفيعاً لحركة العدل والمساواة المتمردة، “متحيز ضد” الجيش السوداني ولكن اتهامه الدابي بالحث على تشكيل الجنجاويد ليس بعيد الاحتمال.

“يرى الجيش أن وجود الميليشيا أمر مفيد ومخيف في آنٍ واحد” يقول دي فال. “وهكذا فقد تمكن الدابي من خلال تنظيمه للميليشيات العربية من كبح جماحها من جهة ومن إضفاء الشرعية على نشاطاتها والاحتفاظ بها كقوة ضاربة في المستقبل.”

إن دور الدابي في دارفور يمثل فصل واحد فقط من حياته المهنية التي استمرت عدة عقود والتي قام خلالها بحماية مصالح نظام البشير. لقد تسلّم الدابي بشكلٍ منتظم سلطة الإشراف على ملفات النظام الأكثر حساسية: حيث تمت ترقيته إلى رئيس المخابرات العسكرية يوم استيلاء البشير على السلطة إثر انقلابٍ شنّه عام 1989. وفي آب عام 1995 وبعد أن قام المتظاهرون في جامعة الخرطوم بهز النظام أصبح الدابي رئيساً لوكالة الاستخبارات الخارجية للسودان مبعِداً بذلك أحد الموالين لحسن الترابي، رجل الدين الإسلامي المتشدد والذي ساعد في وصول البشير إلى السلطة ولكن تم إقصاؤه بعد عدة سنوات. وعندما كانت الحرب الأهلية تدمر جنوب السودان كان الدابي مكلفاً برئاسة العمليات العسكرية في السودان من عام 1996 وحتى عام 1999.

وعلى الرغم من ذلك فمن المحتمل أن وظيفة الدابي الأخيرة هي التي أدت إلى اختياره كرئيس لبعثة مراقبي الجامعة العربية إلى سوريا. فلقد عمل كسفيرٍ للسودان في قطر من عام 1999 وحتى عام 2004 ثم عاد إلى الدوحة بعد انتهاء عمله في منصب متعلق بدارفور مما جعله عنصراً معروفاً للحكومة القطرية التي أخذت زمام المبادرة بين الدول العربية في الضغط على نظام الأسد.

وفي عام 2006 عُيّن الدابي رئيساً لـ “مفوضية تنفيذ الترتيبات الأمنية في دارفور”، على الرغم من أنه بحسب اتفاقية السلام كان من المفترض –يقول دي فال– أن يستلم هذا المنصب مندوب عن الثوار السابقين، لكن البشير “تجاهل ببساطة” ذلك البند كي يستفيد من الدابي. وفي موقعه الجديد لعب الدابي دوراً رئيساً في محادثات السلام برعاية قطر والتي أسفرت عن توقيع الحكومة وإحدى مجموعات الثوار على مستند الدوحة للسلام في دارفور في تموز عام 2011.

على الرغم من أن الكثير من نشاطات الدابي في السنوات الأخيرة تمت خلف أبواب المغلقة فإن تصريحاته الإعلامية المحدودة تشير إلى أنه لازال من المخلصين للبشير بامتياز. ففي عام 2006 انتقد تصريحاً لممثل الأمم المتحدة الخاص جان برونك Jan Pronk قال فيه أن السودان واجه عدد من الهزائم في دارفور، حيث وصف الدابي هذا التصريح بأنه “كاذب ومضلل” وفقاً للصحافة السودانية حاثاً برونك على “أن يبقى بعيداً” عن القضايا العسكرية وأن “يركز على واجباته عوضاً عن ذلك.” في نفس العام اقترح مساعدوه أن يتم وضع حد زمني لفترة تواجد قوات الاتحاد الأفريقي في دارفور قائلين أن بإمكان قوات حفظ السلام “البقاء حتى انتهاء الأزمة ولكن ليس للأبد.”

لا يشكل ماضي الدابي المتقلب الانتقاد الوحيد الذي يوجهه ناشطو حقوق الإنسان لبعثة المراقبين التي ينتقدونها لعدم وفائها بوعودها في مراقبة تطبيق مبادرة للجامعة العربية هدفها إنهاء حملة القمع التي يقوم بها الأسد. كما ينتقد وسام طريف منسق مجموعة آفاز Avaaz لحقوق الإنسان في العالم العربي البعثة لكونها أصغر بكثير–حوالي 50 شخص– من أن تراقب الوضع في أنحاء سوريا، ولفشلها في تزويد منظمات حقوق الإنسان بأية معلومات عن السير الذاتية للمراقبين، وأيضاً لاعتمادها على قوات الأسد التي تقوم بتوجيهها في أنحاء البلاد. ” لقد ساعدت في تنظيم لقاء مع الناشطين في حمص ولكن [المراقبين] وصلوا مع 10 من ضباط الأمن،” يقول طريف- من الواضح أن هذا الأمر يشكل خطراً كبيراً على سلامة منظمي الاحتجاجات.

عندما يصل المراقبون إلى حمص سيحتفي السوريون بلا شك بقدومهم في بؤرة الثورة. لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار عيوب مهمة مراقبي الجامعة العربية نرى بكل وضوع أن السوريين ما زالوا وحيدين إلى حدٍّ بعيد.

المصدر:

The Foreign Policy

The World’s Worst Human Rights Observer

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s