الربيع العربي، الخريف التركي
تتطلع المعارضة السورية إلى أنقرة ــ لكن التدخل العسكري من قبل دولة الجوار له عواقب مميتة.
كتبت قصة اطفال درعا الذين اقتلع عناصر الأمن أظافرهم لأنهم كتبوا على الجدران ”يسقط النظام”. هؤلاء الأطفال حطموا باسم آبائهم جدار الخوف. كانت تلك هي اللحظة التي أنهت الصمت السوري و أعلنت قيام الثورة. أشعلت هذه الحادثة المظاهرات . كان الإحتجاج مدنيا و سلميا. حاول النظام إعادة الهدوء عن طريق إطلاق النار على المتظاهرين كعذر لاستخدام العنف، و لكنه فشل.
رويت أيضا قصة عن اللاذقية حيث قامت قوات الأمن بوضع الأسلحة أمام أبواب منازل الأهالي الذين تعرض أبناءهم للقتل و التعذيب ولكن الأهالي قاموا بإرجاعها لقوات الأمن قائلين ” خذوا أسلحتكم، نحن لسنا بحاجة إليها ”.
الشعب لم يقع في فخ النظام.
تعرضت الثورة السلمية في مسيرتها لأربعة مخاطر متمثلة في: التدخل الخارجي, العنف، تدخل القوات الأجنبية، العداوات و الصراعات الطائفية و العرقية
بالتزامن مع الاحتجاجات السلمية للشعب ظهرت خلايا مقاومة مسلحة وعد أعضاؤها بحماية الشعب. ومع تصاعد العنف برزت الصراعات بين مختلف الجماعات العرقية والدينية. لم ينجح الشارع بزعزعة النظام السوري مما أدى إلى أن الكثير من المعارضين وضعوا أملهم بالجنود المنشقين عن الجيش, واعتمدوا بشكل جدي في حساباتهم على فكرة تصدع الجيش وانهيار النظام من الداخل! طبعا هناك منشقون عن الجيش، و هؤلاء قاموا بتأسيس ما يسمى ب ” الجيش السوري الحر”. إلا أن هذا الانقسام لم يساعد في تقويض أركان النظام. و بالتالي بدت فكرة التدخل الخارجي كخطوة تالية لحل الأزمة.
الجولة المقبلة الحرب الأهلية. الهجمات المفاجئة من قبل المعارضة المسلحة قد تسرع حركة جلب التدخل الخارجي. الإعتماد هو على سيناريو ليبيا ثانية: المجتمع الولي يتصيد الديكتاتور بمساعدة المقاتلين من أجل الحرية.
أين نجد دولة الجوار تركيا في هذا السيناريو؟ في غياب التدخل الدولي بقي الأمل الوحيد للمعارضة هو تركيا. ليس تركيا فقط و إنما داعميها في أمريكا و الاتحاد الأوروبي والذين يتوقعون الكثير من مواقف أنقرة أحادية الجانب.
مما لاشك فيه أن تركيا لها موقعاً خاصاً. ففي البداية مارست ”سياسة اللامشاكل” على الرئيس السوري بشار الأسد مؤمنة انها ستتمكن من إجباره على القيام بالإصلاحات عن طريق ممارسة الضغط القوي عليه. و هكذا، و بثقة بالنفس مبالغ بها، قامت حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان بإعطاء مهلة للأسد مدتها خمسة عشر يوماً لتطبيق الإصلاحات و بهذا وضعت مصداقيتها على المحك. تركيا التي لم تستطع لمدة ثلاثين عاما أن تنفصل عن دستور كتب بعد إنقلاب عسكري، كيف لها أن تتوقع من الأسد أن يصبح ديمقراطيا بين ليلة و ضحاها؟ الآن تشعر تركيا بأن الأسد سخر منها و بالتالي قامت بشطبه من لائحة أصدقائها..
تركيا تستعد لمجرد الحصول على عقد عمل في سوريا. خصوصية البلد تتطلب منها أخذ دور الوسيط في المنطقة. كانت تركيا أيضا متفوقة على سوريا، لكنها تخسر تفوقها الآن..
خلافا للآخرين، أنا لا أزال أرى بأن تركيا يجب أن تركز على المفاوضات مع سوريا. و لكن بدلا من بناء الجسور بين المعارضة و نظام الأسد، قامت الحكومة التركية بمنعطف 180 درجة و امتدحت المعارضة على أنها البديل للنظام. تم تاسيس ”المجلس الوطني السوري” في إستنبول. حتى و إن كنت تركيا لم تعترف رسميا بالمجلس الوطني، فقد قدمت له الدعم اللوجيستي
بهذا تجاهل الأتراك بأن المجلس الوطني لا يمثل كل قوى المعارضة السورية. على سيبل المثال، الأكراد لديهم مشاكل كبيرة مع الدعم التركي، و لا يشاركون في المجلس الوطني. حتى القوى العلمانية و اليسارية ينؤن عنه بسبب نظرتهم لهيمنة الأخوان المسلمين بعين الشك. فما الذي يجعل تركيا موجودة في مثل هذا المزيج؟هي ليست راضية فقط بدعم المجلس الوطني، لا، هي توفر الحماية و اللجوء لقادة الجيش السوري الحر على الأراضي التركية، وستقوم بالواقع بلعب دور لاعب غير فعال في الحرب الأهلية..
تركيا تدين بهيبتها في المنطقة لأردوغان. فهو سد فجوة النقص الجوهري في القيادة. فقد اكتسب أردوغادن سمعة الزعيم الذي يعرف كيفية التصدي لمشاكل مزمنة مثل فلسطين. و هذا أكسبه ثقلا أكبر في الشرق الأوسط عما له في الغرب على إفتراض تركيا ”البلد النموذجي، الذي يعرف كيف يوفق بين القيم الغربية و الهوية الإسلامية”. أردوغان قادر بقوة على إثارة الشارع العربي.
إلا أن هذه الصورة تعتبر سيف ذو حدين. ليست ألمانيا وحدها من كان عليها تحمل إرثها التاريخي.
فبالرغم من أن الإرث العثماني للدولة التركية فتح الأبواب لها للدخول إلى الشرق وهذا ما لا تمتلكه معظم الدول الغربية, إلا أن هذه الجذور الإستعمارية تجلب معها في نفس الوقت المخاطر.
و لذلك فإن حزب العدالة و التنمية يحاول أن يتجنب توصيفه بال”العثمانية الجديدة”. يمكن من دون شك النظر إلى تدخل تركيا في سورية كمهمة ”عثمانية جديدة”. لكن من الممكن أيضا أن تخسر موقفها إن تم أعتبارها بمثابة حصان طروادة للغرب في المنطقة. كل خطوة من قبل نادي المستبدين العرب في الجامعة العربية سيُنظر إليها في سوريا كتمهيد لتدخل أجنبي وشيك. يجدر بتركيا أن تتذكر ماضيها القريب.
المنطقة ببساطة غير مهيئة لتحمل عراق ثان. العقوبات على الطريقة الغربية وخطط التدخل في المنطقة ستجبر الشعب السوري بالنهاية على أن يتكاتف مع نظام الأسد. إن التعليقات الساذجة مثل ”يستند الأسد فقط على الأقلية من العلويين” أو مثل ”أيام الأسد أصبحت معدودة” قد تكون مضللة. سوريا عبارة عن برميل بارود في منطقة غير مستقرة. و من شأن الحرب الأهلية أن تنتقل إلى بلدان أخرى.
المطلوب هو أساليب أكثر مهارة لإيقاف الأسد و يجب أن تأخذ تركيا كوسيط دوراً محايداً. كما يجب أن تتخلى عن الإفتراض بأنها قادرة على الإطاحة بنظام الأسد. يجب أيضا على الحكومة استخدام كل ما لديها ما طاقة على تشكيل معارضة قوية و قادرة على التفاوض مع دمشق. في الوقت الراهن، يهيمن الإخوان المسلمون على المعارضة و هم بدورهم ضد أي مفاوضات أيضا بتأثير من سياسة وتصريحات الحكومة التركية..
لكن إذا استطاعت تركيا كبح الجيش السوري الحر و قيادته و إقناعهم بأن دورهم يتمثل فقط في الدفاع فيمكن أن تستعيد دورها كوسيط في دمشق. و سيكون نجاحا عظيما لو استطاعت إرجاع المعارضة المشتتة في المنفى إلى بلدها. ينبغي أن نرفض النموذج الغربي و الذي يعتبر الدبلوماسية كمقدمة لتدخل يليه تغيير النظام.
المصدر:
Zeit Online