بريدجيت كيندال Bridget Kendall, مراسلة دبلوماسية, (بي بي سي نيوز (BBC News
16 كانون الأول 2011
تشكل روسيا حليفاً قديماً لسوريا, ولكن الضغوطات السياسية تقوم على إبعاد نفسها.
لقد كانت سوريا بمثابة الحليف العسكري المقرب لروسيا في قلب العالم العربي منذ الحقبة السوفيتية.
وإلى وقت قريب, كان من الملائم لوجهة نظر موسكو العالمية الإبقاء على علاقة الصداقة مع الرئيس بشار الأسد. إذ أنها تناسب صورة روسيا لنفسها كقوة مستقلة في العالم الأوراسي والتي لها أولوياتها الخاصة.
إن النزاع بين روسيا والناتو على جورجيا عام 2008 عزّز هذا التوجه, ما دفع فلاديمير بوتن Vladimir Putin إلى إعلانه بتفعيل روابط أوثق مع أصدقاء السوفيت القدامى (نيكاراغوا وفنزويلا في أميركا الوسطى واللاتينية, وسوريا والجزائر في العالم العربي).
جادلت روسيا مراراً في مجلس الأمن للأمم المتحدة, بأن معارضتها لفرض عقوبات الأمم المتحدة ضد سوريا يتفق مع رفض أوسع للتدخل الخارجي في الدول ذات السيادة, والإصرار على أن الدبلوماسية هي دائماً أفضل من الإكراه.
ولقد شهد العقد الماضي أو ما يزيد تشدداً في ذلك الموقف, وذلك بعد تدخل الغرب في كل من كوسوفو والعراق وليبيا.
في الواقع, لقد نوه الروس باستمرار إلى أن أعمال حلف شمال الأطلسي في ليبيا هي السبب الرئيس وراء الاعتراض على قرار الأمم المتحدة ضد سوريا في تشرين الأول, وتحديداً بسبب خشيتها أن تشكل بداية الانزلاق نحو عمل عسكري, حسب تصريح موسكو.
إن البقاء كمواليين لبشار الأسد يعكس أيضاً غريزة روسية أخرى: الاستقرار هو عادة أفضل من الاضطراب. إذ دفعت الثورات بمختلف أنواعها في الجمهوريات السوفيتية السابقة, والتي سبقت الربيع العربي, إلى الحذر أو العداء الصريح من حكومة بوتين.
بالإضافة إلى أن روسيا حساسة للغاية نظراً لجغرافية الأزمة، وقرب سوريا المرتبط بمحيطها الإسلامي غير المستقر: فحدوث حرب أهلية في سوريا ستزعزع استقرار المنطقة بأكملها, وبالتالي سيكون كابوس موسكو في رؤية امتداد الاضطرابات إلى شمال القوقاز من داخل الحدود الروسية.
ولكن كما هو الحال بالنسبة للسياسة الخارجية لروسيا في أكثر الأحيان, على المرء أن يميز بين الموقف والتطبيقات العملية. فمن الممكن أن روسيا تريد أن تثبت استقلالها عن الغرب, ولكنها لا تريد أن تبدو معزولةً أيضاً.
تذكروا ما حدث في ليبيا, فبعد أن بات واضحاً أن أيام العقيد معمر القذافي في السلطة باتت معدودة، وأن الجهات الفاعلة الأخرى غير الغربية مثل تركيا وبلدان عربية رئيسية بدأت تفقد الصبر, كررت روسيا أيضاً الدعوة التي تستوجب رحيله. لم تُقدمْ موسكو حتى الآن على فعل ذلك مع الرئيس الأسد, على الرغم من أنها حذرت من أن النظام السوري لن يكتب له البقاء إن لم يكن قادراً على إصلاح نفسه.
ولكن خلال الأيام الأخيرة, كانت الضغوط السياسية في الأمم المتحدة لفعل شيء ما في تصاعد مستمر.
وأكد تقرير جديد للأمم المتحدة حول انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا أن عدد القتلى المدنيين قد ارتفع إلى أكثر من 5,000. كما دعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى إحالة نظام الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية.
الأمر الذي أحرج روسيا, على ما يبدو, هو اتهام تعنتها كعرقلة لعمل الأمم المتحدة.
بالنسبة لروسيا, فإن قرار الأمم المتحدة قد يكون بمثابة بداية الانزلاق نحو عمل عسكري- كما هو الحال في ليبيا.
إنها تريد أيضاً أن تظهر على أنها “تحترم حقوق الإنسان” في سوريا وتنتقد “الاستخدام غير المتكافئ للقوة من قبل السلطات السورية”, كما أوضح البيان الجديد الروسي للأمم المتحدة- حتى ولو كانت المسودة ذاتها تحرص على الإصرار على التكافؤ, والإدعاء بأن “المتطرفين” في صفوف المعارضة مسؤولون أيضاُ عن إراقة الدماء.
وبالإضافة إلى ذلك, فإن الدروس المستفادة من “سقوط النظام” في العراق وليبيا حتماً ستشغل تفكير المسؤولين في موسكو عن أفضل السبل لحماية مصالح موسكو العسكرية والمالية.
تُعَدُ روسيا المصدر الرئيسي للأسلحة. ولها مشاريع للطاقة في سوريا، بالإضافة إلى المصالح البحرية التي يجب عليها حمايتها: كما أنها تود رؤية ميناء طرطوس السوري، مرة أخرى، كقاعدة للسفن الروسية كما فعلت في الحقبة السوفيتية. جميع هذه الأسباب وجيهة لدعم الوضع الراهن: ولكن فقط بينما لا يزال الرئيس الأسد خياراً جيداً.
ومع ذلك وعند نقطة معينة, على موسكو أن تعرف أنه قد يتعين عليها التخلي عن حليفها القديم.
بمجرد أن يقوم احتمال أن يفقد السيد الأسد وضباطه العلويين, بعضهم تدرب في الأكاديميات العسكرية الروسية, السلطة, فإن موسكو بحاجة إلى إيجاد طريقة لنقل الولاءات.
لذلك تم تعديل المسودة في الأمم المتحدة.
فلذلك بعد استبعاد العقوبات – نلمح تحولاً في تصريحات وزير الخارجية الروسي مؤخراً أنه “إذا كانت العقوبات يمكن أن تساعد على وقف أعمال العنف وتأمين الاستقرار, فسوف نكون من أكثر المؤيدين حتماً”.
بالتالي, وبعد أن انتقدت جامعة الدول العربية قبل بضعة أسابع بسبب تعليق عضوية سوريا, فإن إشادة روسيا الحالية بالجامعة والتي تعتبرها شريكاً في الحل, تتمثل في قولها بأنه ينبغي دعم جهودها لتشجيع الحوار ونشر بعثة مراقبة في سوريا.
إلى أين تؤدي هذه الإجراءات بالسياسة الروسية في سوريا؟ من يدري- وخاصة إذا كانت جامعة الدول العربية لا تؤيد التدخل وإنما تؤيد إقامة ملاجئ آمنة للفارين من نشطاء المعارضة.
هناك أمر واضح: فبالرغم من أن المبدأ شيء جميل, إلا أن الأولوية بالنسبة لروسيا قد تكون مصالحها, وكيفية تأمين كل ما يمكن إنقاذَه لفترة أطول.
المصدر
BBC