التدخل في سوريا: دراسة في الخيارات

ستيفن بيسلي، مايكل إيزنستات ، جيفري وايت – Steven Beasley, Michael Eisenstadt, and Jeffrey White

معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط

13 كانون الأول 2011

بدون التدخل الخارجي، فإن العنف في سوريا مرشح للتصعيد، الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة، خاصة في لبنان والعراق.

تثير الأزمة الداخلية المتفجرة في سوريا دعوات للتدخل الإنساني والعسكري، متضمنة خيارات من قبيل إيجاد جيب حدودي أو منطقة عازلة، تكون بمثابة “ممرات إنسانية” تُستخدم لتزويد المناطق الداخلية بالمساعدات الغذائية والطبية، ويرافقها فرض حظر جوي فوق مناطق واسعة داخل الدولة.

 كل هذه الخيارات تنطوي على تحديات في تنفيذ العمليات الخاصة بها، وعلى درجة معينة من المخاطرة، إلا أن التدخل يمثل كذلك جزء من فرص الحل السياسي.

 جيب إنساني أو منطقة عازلة:

 طرحت تركيا إمكانية إنشاء جيب أو منطقة عازلة داخل الأراضي السورية حيث يستطيع الأشخاص المهجرون إيجاد ملاذ آمن فيها، على غرار الجيب الذي أقامته الولايات المتحدة وقوات التحالف في شمال العراق في العام 1991 خلال “عملية توفير الراحة “Operation Provide Comfort بهدف تأمين الحماية لأكراد العراق الذين لاذوا بالفرار بعد فشل انتفاضتهم ضد صدام حسين.

متطلبات العملية:

 إن هذا الخيار يتطلب بالضرورة استخدام القوات البرية لإقامة وتأمين الجيب في مواجهة المقاومة المحتملة من قبل دخلاء أو محرضين قد ترسلهم دمشق، إن لم يكونوا عناصر من القوات المسلحة السورية، ما يجعل وجود غطاء جوي ضروري جداً لتوفير القدرة على الاستطلاع والمراقبة، والقيام بعمليات دفاعية محتملة ضد أي هجوم بري أو جوي.

إن هذه العملية ستتطلب موارد عسكرية ضخمة، وليس من الواضح فيما إذا كانت تركيا تمتلك الرغبة أو قادرة على تنفيذ هذه المهمة بنفسها، فعملية “توفير الراحة “Provide Comfort تطلبت استخدام 20 ألف جندي من قوات الولايات المتحدة وقوات التحالف لتأمين الملاذ الآمن واحتواء ما يتراوح بين 500 إلى 700 ألف من الأكراد، كما قدمت الدول المانحة وعددها 30 دولة وما يقارب 50 منظمة دولية وأخرى غير رسمية المساعدات الإنسانية اللازمة. وعلى أقل تقدير، فقد تدعو تركيا المجتمع الدولي إلى تأمين الغذاء والدواء والملاجئ المؤقتة للأشخاص المهجرين.

المخاطر والتحديات:

من أكبر المخاطر التي تنطوي عليها هذه العملية هو المواجهة مع قوات النظام التي ستعمل على حماية السيادة ووحدة الأراضي السورية، ففي حين سيستخدم الجيب الحدودي كملاذ آمن لمئات الآلاف من السوريين المهجرين، سيبقى بالمقابل ملايين آخرين دون أية حماية. علاوة على ذلك، فإنه من غير الواضح في الواقع كم عدد السوريين الذين سيتمكنون من الوصول إلى الجيوب الحدودية، خاصة إن حاول النظام إعاقة الوصول إليها، فالجيش المنتشر في كامل البلاد سيتمكن بسهولة من إعاقة التحرك باتجاه الحدود التركية، كما فعل سابقاً إلى حد ما.

أخيراً، فإن إنشاء جيب حدودي كبير سيستهلك الموارد المحلية بسرعة، الأمر الذي قد يستدعي تأمين كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية من مصادر أخرى.

ممـر إنسـاني:

أثارت فرنسا احتمال إنشاء ممرات أرضية لتأمين إيصال الغذاء والدواء إلى المدنيين المحاصرين في الداخل السوري، ومن الممكن تنفيذ هذا الخيار سواء قَبِل النظام السوري أو لم يقبل، وذلك عن طريق استخدام عمال الإغاثة في الحالة الأولى، أو عن طريق “مراقبين” مسلحين في الحالة الثانية.

فعلى سبيل المثال، يمكن للطرق البرية القادمة من تركيا ولبنان والأردن أن تخدم السكان المنكوبين في المناطق الساخنة مثل إدلب، حمص، حماة، ودرعا.

من ناحية أخرى، من المحتمل أن لا تتمكن الممرات الجوية من الوصول إلى المناطق الوعرة. وبكل الأحوال، لم يتضح بعد أي نوع من الممرات الإنسانية ستكون ضرورية.

متطلبات العملية:

قد يستلزم هذا الخيار جهوداً لوجستية كبيرة، وضرورة تأمين الموانئ والمطارات المناسبة والقريبة من مكان الممرات، إضافة إلى تأمين عدد كبير من الشاحنات والطائرات لنقل الإمدادات داخل سوريا، مع تأمين الحماية للمخازن اللوجستية والطرق البرية للتأكد من وصول المساعدات إلى المحتاجين من السكان. كما ستكون هناك حاجة إلى إيجاد وسائل إدارة وتحكم بهدف تنظيم وتنسيق وحماية الممرات والقافلات الإغاثية.

المخاطر والتحديات:

إن تأمين ممرات إغاثية قد يثير تحديات كبيرة في ظل أي ظروف خارجة عن موافقة النظام، ففي حال معارضة  النظام لهذه الجهود، سواء بشكل ضمني أو علني، فإن ذلك قد يخلق الكثير من المصاعب الحقيقية. فدمشق قد تلجأ إلى إعاقة عمليات الإغاثة باستخدام أساليب سلبية، منها على سبيل المثال قيامه بعرقلة الطرق باستخدام أعداد كبيرة من الماشية، أو تنظيم مظاهرات لمؤيدي النظام. وقد يقوم باتخاذ خطوات عدوانية كنشر الألغام أو زرع العبوات الناسفة أو حتى استخدام القوات النظامية لإغلاق الطرق أمام قافلات الإغاثة.

كل هذه الإجراءات من شأنها أن تعرّض أولئك المشاركين في عمليات تأمين الممرات الإنسانية إلى مخاطر جمة، وقد تتحول المهمة الإنسانية بسرعة كبيرة إلى حملة عسكرية. ومن المرجح أن تمتنع العديد من الدول إيقاف مشاركتها في عمليات إنسانية ذات طابع عسكري، خاصة وأن من شأن تطور كهذا أن يستدعي ما هو أكثر من إيجاد “مراقبين” مسلحين وفقاً للتصور الفرنسي.

منطقـة حظـر جوي:

طالبت المعارضة السورية بفرض منطقة حظر جوي بهدف حماية الشعب من وحشية النظام، أملاً منها بأن مثل هذه المنطقة قد تتوسع في نهاية المطاف لتشمل شن هجمات على قوات النظام البرية، على غرار ما حدث في ليبيا. إلا أن دمشق لم تستخدم حتى الآن الطائرات المروحية أو الطائرات ذات الأجنحة الثابتة ضد المعارضة بشكل موسع، وبالتالي فإنه لا معنى من إنشاء منطقة حظر جوي ما لم يكن الهدف من ذلك رفع معنويات المعارضة، أو تهيئة الظروف لعمليات عسكرية أكثر اتساعاً مستقبلاً.

متطلبات العملية:

إن إنشاء منطقة حظر جوي تستوجب استخدام قواعد العمليات الموجودة في الدول المجاورة مثل الأردن، العراق، وتركيا. إلا أن أنقرة، على وجه الخصوص، ستعارض أي تدخل عسكري ما لم يهدف إلى منع وقوع مجزرة وشيكة الحدوث، وستفضل أي تدخل يحدث من قبل جامعة الدولة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي أو الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ليس حلف شمال الأطلسي – الناتو.

وبكل الأحوال، فقد يتم تعزيز القواعد في الدول المجاورة بحاملات الطائرات المتواجدة في شرق البحر المتوسط، وربما يتم استخدام قواعد الناتو الموجودة في إيطاليا في حال اشتراك التحالف في هذه العمليات.

وستتطلب العملية كذلك استخدام ناقلات جوية لتأمين التغطية المستمرة، وإن قررت دمشق تحدي فرض منطقة حظر جوي، سيتطلب الأمر أعداداً كبيرة من الطائرات المجهزة للمعارك الجوية ولإبطال مفعول المضادات الجوية، وهذا الأمر يعود إلى الدور الأمريكي والأوروبي، إلى جانب حلف شمال الأطلسي – الناتو .

المخاطر والتحديات:

تمتلك سوريا واحدة من أضخم ترسانات الدفاع الجوي في العالم، على الرغم من أن معظم ما تمتلكه يعود إلى حقبة الحرب الباردة. فمع الأخذ بعين الاعتبار أن دمشق لم تعتمد بشكل كبير على قواتها الجوية في مواجهة المعارضة، فمن الممكن ببساطة أن لا تقوم دمشق بالتصدي لإنشاء منطقة حظر جوي، لما له من أثر ضئيل على العمليات التي يقوم بها النظام (على الرغم من أن منطقة حظر جوي قد ترفع من معنويات المعارضة وتسهم في زيادة الانشقاقات في صفوف قوات النظام)، إلا أن دمشق قد تتخوف من أن تتحول منطقة الحظر الجوي هذه إلى منطقة عمليات ضد قواتها البرية، وقد تقرر أن تتصدى لها، في هذه الحالة، فإن قوات التدخل ستحتاج إلى إخماد المضادات الجوية السورية وستعمل على تحييد القوات الجوية. ووفقاً لذلك، فمن المحتمل أن يتطلب هذا الخيار اشتراك قوات النخبة لضمان نجاحه.

رد إيــران:

وفقاً لتقرير نشرته وكالة فارس للأنباء الإيرانية بتاريخ الرابع من تشرين الأول، فإن الرئيس السوري بشار الأسد حذر وزير الخارجية التركي أحمد أوغلو من أن سوريا ستقوم بالرد على أي تدخل خارجي بتنفيذ هجمات على إسرائيل وضرب المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة. على ما يبدو سيتم ذلك باستخدام وكلاء إرهابيين وبتنفيذ هجمات بالصواريخ والقذائف، وبالطبع، فإن هذا الاحتمال يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار مع أي قرار بالتدخل الخارجي.

وما نُقل عن الأسد مراراً تحذيره من أن قوات البحرية الإيرانية ستقوم بقصف السفن الحربية الأمريكية في الخليج العربي، تبرز أسئلة عديدة فيما إذا كانت طهران ستدخل فعلاً في هذه الحرب لصالح حليفها السوري.

فلطالما تجنبت إيران المواجهات المسلحة بشكل مباشر والتي تُنذر بخطر اندلاع حرب واسعة، فهي بشكل عام تفضل الرد من خلال وكلائها أو من خلال وسائل أخرى غير مباشرة. فعلى سبيل المثال، من المرجح أن تقوم إيران بدعم جهود السوريين في مواجهة فرض منطقة حظر جوي عبر تزويدها بمعدات وأنظمة دفاع جوية متطورة، وقد تشجع حزب الله على شن هجوم على المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية.

إلا أن طهران ما زالت تستثمر رهاناتها من خلال فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية، الأمر الذي يبدو على أنه تحضير لمرحلة ما بعد عهد الأسد، وهذا يتضمن كذلك أن إيران نفسها قد لا تعارض بقوة التدخل الأجنبي في سوريا – ومع ذلك، فإن تعهد طهران الأخير بالرد بالمثل على الضغوط الأمريكية المتعلقة بالمسألة النووية قد تغير هذه المعادلة.

خيــارات أخـرى:

أظهر نظام الأسد عزمه على المضي في فعل أي شيء ضروري للبقاء في السلطة، الأمر الذي يتطلب إيجاد خيارات أخرى أكثر صرامة من قبل المجتمع الدولي في حال أمل في إنقاذ الشعب السوري، بما في ذلك تقديم المساعدة العسكرية السرية للمعارضة، أو فرض منطقة حظر جوي/ أو حظر قيادة، أو من خلال شن هجمات ضد قوات النظام المتورطة في عمليات القمع العنيفة.

هذه الخيارات تنطوي بشكل عام على مستوى أعلى من المخاطر، ولكنها في الوقت نفسه، تقدم فرصاً أكبر من النجاح.

إن أي إجراء سري قد يستلزم وقتاً طويلاً ليعطي ثماره، ولكنه قد يؤدي إلى توحيد صفوف المعارضة، ويحفز الانشقاقات في صفوف القوات الحكومية، كما سيزيد التوتر داخل بنية النظام. وكما هو مبين أعلاه، فمن الممكن لمنطقة الحظر الجوي أن تكون منطقية فقط إذا كانت مرحلة أولى يتبعها تدخلاً عسكرياً أوسع، على غرار ما حدث في ليبيا.

بكل الأحوال، ينبغي على المجتمع الدولي ألا يستخف بقدرات سوريا العسكرية، كما لا ينبغي له أن يبالغ في تقديرها، خاصة الدفاعات الجوية التي تملكها، على الرغم من أن هذه الدفاعات قد لا تشكل للقوات الجوية الحديثة عقبة لا يمكن التغلب عليها، إلا أن إخمادها قد ينطوي على مخاطر وقوع خسائر محتملة في صفوف القوات التي ستقوم بالتدخل.

وبشكل موسع أكثر، فإن فرض منطقة حظر جوي أو قيادة، إلى جانب خيارات الهجوم المباشر ستؤدي إلى المخاطرة باندلاع صراع إقليمي، على الرغم من أنه لا يبدو أن اللاعبين المحتملين في مثل هذا السيناريو عازمون على المضي قدماً في هذا الطريق حالياً.

فسوريا على الأرجح سترى في هذه العمليات مقدمة للإطاحة بالنظام، وقد تقوم بالرد عليها بتوجيه ضربات صاروخية محاولة شن هجمات إرهابية ضد إسرائيل والبلدان التي ستشترك في هذه الحملة، ولكن يبدو من المستبعد أن حلفاء سوريا قد يخاطرون بالانجرار إلى صراع كهذا بهدف حماية حليف آيل للسقوط.

فعلى حزب الله أن يفكر جدياً بالأثر الذي ستتركه هذه الحرب على دعم قاعدته الشعبية. حماس، من جهة أخرى، قامت في وقت سابق بتغيير مواقع عملياتها خارج سوريا، ومن الواضح أنها لن تربط مصيرها بمصير سفينة الأسد الغارقة. ستتجنب إيران على الأرجح أي تدخل مباشر، في سبيل ادخار قواتها لأي مواجهة محتملة مع الولايات المتحدة فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

النتيجـة:

يتطلب التدخل في سوريا القيام بمهمة محفوفة بمخاطر حقيقية، فيتوجب على الدول المشاركة أن تستعد لاحتمال محاولة دمشق التصدي للتدخل والقيام بتصعيد أي مواجهة تنتج عن ذلك. من ناحية أخرى، فإن فشل الجهود الإنسانية سيؤدي إلى ازدياد الضغوط لمضاعفة ولتوسيع البعد العسكري للمهمة، فالقوات التي ستقوم بالتدخل قد تجد نفسها عالقة وسط حرب أهلية متصاعدة.

ولذلك، فإن هذه المخاطر تتطلب النظر بحذر إلى فكرة التدخل، وليس استبعادها بشكل كامل، حيث أنه من المرجح أن تزداد وتيرة العنف في سوريا بدون أي تدخل خارجي، الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة، وبشكل خاص، في لبنان والعراق.

فقوات الأسد ستستمر بالقتل إلى أن تتمكن من هزيمة المعارضة، أو إلى أن يتصدع النظام نفسه من الداخل، وبناء على ذلك، فمع أن التدخل المقنع سيؤدي إلى رفع معنويات المعارضة، إلا أنه سيعطي إشارات إلى دمشق بأن تطورات الأحداث تسير ضدها، من حيث أن القوى الخارجية ماضية في تحمل المخاطر لمساعدة الشعب السوري، وأن المعارضة باتت تمتلك حلفاء مهمين في العالم.

بالنظر إلى كل هذه العوامل مجتمعة، فإن هذه التطورات سيكون لها الأثر البالغ في تغيير مسار الصراع السوري.

كولونيل ستيفن بيسلي Steven Beasley  (سلاح الجو الأميركي): زميل عسكري زائر في معهد واشنطن.

مايكل إيزنستات Michael Eisenstadt: مدير معهد برنامج الدراسات العسكرية والأمنية

جيفري وايت Jeffrey White: زميل في معهد الدفاع، متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية في بلاد الشام والعراق وإيران.

المصدر

 Intervention in Syria: Assessing the Options
PeaceWatch/PolicyWatch
PolicyWatch #1882

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s