ZVI MAZEL
12 كانون الأول 2011
يقف كل من سوريا، حزب الله وإيران خاسرين في هذه الثوران الإقليمي.
شهد الأسبوع الفائت تخبط أقوى محالفي إيران في كلامه على شاشة التلفاز. حاول الرئيس الأسد مراوغة وإقناع باربرا والترز بينما خرج القائد العام لحزب الله حسن نصر الله من معقله لبرهة ليطمئن مقاتليه القلقين.
على الرغم من عدم وجود ما يشير إلى وجود اتفاق بينهما للقيام بخطوة نحو التحالف العسكري بينهما، فما هو ظاهر للعيان أن كليهما على يقين بأن الأزمة السورية تهددهما كما تهدد نصيرهما، إيران، بينما يتضاءل أثر الشيعة في الشرق الأوسط.
أمور ذات صلة:
“مرحلة ما بعد الأسد سوف تنهي الارتباطات المميزة مع إيران”:
هناك ما يثير الشفقة في المحاولات المستميتة لهذين القائدين للتظاهر بأن كل شيء على ما يرام. جعل الأسد من نفسه أضحوكة عندما صرّح بشكلٍ جدّي في وجه الأدلة بأن لا علاقة لقوّاته بقتل المتظاهرين العزّل وأن المجنون فقط هو من يقدم على ذبح شعبه.
ويتساءل المرء إن كان أعمى، أو أنه لا يريد رؤية أن المصائب تتراكم، كما أن المقاومة لا تتأثر ولا يمكنه إيقافها. فهل يظن أن بإمكانه إيقاف الحراك للأبد؟ أم أنه أصبح مجرّد أداة بيد لجنة عسكرية يقودها شقيقه ماهر الذي يقال عنه إنه قاتل بلا رحمة؟ على الرغم من يأس الأسد لإقناع الرأي العام بعدم فرض العقوبات والتي بدأت لسعتها، إلا أنه لم يشر ولا بكلمة واحدة إلى استعداده للتنحي أو لبدأ الحوار مع المعارضة.
بعد أيام قليلة قال إنه مستعد لقبول مهلة الجامعة العربية – بسحب قوّاته من مراكز المدن والسماح لمراقبين بالدّخول لتفحّص الوضع داخل سوريا – شريطة أن تقوم الجامعة بإلغاء العقوبات.
بكل الأحوال، فقد فات الأوان على الحوار، وقد وحدت المعارضة مطالبها برحيل الأسد. بينما تستمر المظاهرات يوجد الآن ما يعرف بـ “الجيش السّوري الحر” المؤلف من منشقين عن الجيش الرّسمي، ضبّاطاً وملتحقين جدد، ويصل تعداد هذا الجيش إلى عدّة آلاف.
لكن على ما يبدو، وعلى الأقل في هذه المرحلة، فإن الجيش السوري ليس عرضة للحل.
يقوم الأسد، بشكلٍ أساسي، باستخدام تنظيمات تابعة للأقليّة العلويّة خاصّته والمخلصين بطريقة متعصّبة للنظام.
إلا أن تأثير المظّاهرات وهجمات الجيش السّوري الحر بالإضافة إلى الضغط الدولي أخذت تحرز تأثيرها بينما ينهار اقتصاد البلاد.
هناك خطر محدق ينذر بحرب أهلية والتي من الممكن أن تؤدّي إلى تمزيق سوريا على أسس إثنيّة ودينيّة. يمكن لهذا أن يفسّر عدم إقدام الطّبقة الوسطى من السنّة كما الأقليّات المسيحيّة والكردية للانضمام إلى النزاع. هكذا هو الحال في مدينة حلب التي يقطنها حوالي مليونين ونصف أغلبهم من السّنة والذين لا يزالون على الحياد حتى الآن. وقد ورد أن حركة حماس تنظر في مغادرة مراكز قيادتها في دمشق إلى مراعي أكثر أماناً. من المثير للاهتمام أن كلاً من روسيا والصين ثابتتان على دعمها للأسد، حيث يوجد مصلحة سياسيّة واقتصاديّة، لكن إلى متى؟ يزداد قلق جوار سوريا.
تصبح العلاقات مع أنقرة من سيّء إلى أسوأ حيث تسمح تركيا لحركات المعارضة، كالمجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر، بالعمل من داخل أراضيها كما تهدد بإنشاء منطقة آمنة عبر الحدود مع سوريا من أجل حماية المدنيّين الذين يعيشون هناك، كما قات بتنفيذ العقوبات ضد جارتها.
هذا ما اضطّر الأسد إلى إغلاق عددٍ من المعابر الحدوديّة وفرض ضريبة على نقل البضائع التي تمر عبر سوريا في طريقها إلى تركيا.
تتعامل العراق بحذر بحيث تراعي عدم إغضاب إيران، بينما تحافظ على ارتباطات وثيقة مع الولايات المتّحدة فتقول بأنها على اتصال مع قادة المعارضة (بدون إعطاء أسمائهم) ولكنّها تعارض فرض العقوبات بينما تدعم جهود جامعة الدول العربيّة.
تقوم الأردن بما في وسعها للبقاء حياديّة كي لا تغضب دمشق ولكي تحافظ على تجارتها المهمة مع جارتها القويّة.
وفي لبنان يقول قائد المعارضة سعد الحريري وبشكل واضح بأن الأسد في طريقه إلى الرّحيل إن كان ذلك بشكل سلميّ أم لا.
بينما تلتزم إسرائيل الصّمت بحذر، خشية أن يقوم الديكتاتور بإطلاق صورايخه على الجار المكروه وأن يحث حليفه حزب الله على الانضمام. هذا الحليف الذي لا يشعر بالأمان كثيراً هذه الأيام.
مؤخّراً وبمناسبة الاحتفال بيوم عاشوراء في بيروت قام نصر الله بإطلالة نادرة وأسرع بالعودة إلى مخبأه ليلقي خطاباً هجوميّاً عبر الفيديو – يمكنكم التخمين – تحدث فيه عن أن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل يحيكان مؤامرة خسيسة ضدّ سوريا على الرغم من محاولات الأسد لتنفيذ الإصلاحات. خاطب المقاتلين الذين كانوا يشاهدونه عبر شاشات التلفزة الضخمة بأن إسرائيل ستدفع ثمن التحوّلات التي تجري في العالم العربي.
لم يكن هناك من شيء جديد في خطابه ولا من شيء يبعث الطمأنينة في نفوس مؤيّديه، وخاصّة بعد أن صرّح رئيس المجلس الوطني السوري بأنه بعد سقوط الأسد ستقوم سوريا بقطع علاقاتها مع حزب الله وستباشر بمفاوضات لاستعادة هضبة الجولان بطرق سلميّة. ولم يشرح أيضاً سبب وقوف العالم أجمع وجامعة الدول العربية إلى جانب الاحتجاجات ضدّ الأسد.
هناك مؤشّر آخر على أفول نفوذ نصر الله يكمن في أنه اضطّر قبل بضعة أيام لقبول قرار حكومة ميقاتي، وهو الذي كان قد ساهم في إنشائها، في المساهمة بدفع كلفة إجراءات المحكمة الخاصّة في لبنان للتحقيق في اغتيال رفيق الحريري. وقد كانت هذه المحكمة قد قامت بإصدار مذكّرات بحق أربعة ضبّاط ذوي رتبة عالية في حزب الله. وقد هدّد نجيب ميقاتي بتقديم استقالته إذا ما قام نصر الله بإعاقة الحركة. لكن بالكاد مرّ عام على إسقاط حزب الله لحكومة سعد الحريري للسبب نفسه. اليوم على نصر الله أن يذوق تلك المرارة.
لكن عل الرغم من ذلك يبقى حزب الله، المزوّد بعشرات الآلاف من الصواريخ، تهديداً حقيقيّاً لإسرائيل – طالما يستمر تدفّق السلاح من سوريا. وما إذا توقف هذا الإمداد على حين غرّة على أثر تغيير النظام، فإنه سيكون الضربة المميتة لهذه المنظّمة والتي تزداد عزلتها في لبنان. ولكننا لم نبلغ هذا بعد.
من الواضح أن إيران قد عانت من إخفاق في سياستها المصرّح بها بنشر نسختها من الثورات الإسلامية الشيعية عبر الشرق الأوسط. وإذا ما سقطت سوريا فإن جسر عبور إيران إلى المنطقة سينهار أيضاً وستذهب معه شبكة تمويل وتسليح حزب الله.
أما بالنسبة للأنظمة السنيّة المولودة عن الثورات الشعبيّة، فإنه من المحتمل أن لا يكونوا حريصين على التعاون مع نظام شيعي متعصّب يستميت للحصول على أسلحة نووية.
لازال هناك ما هو مجهول جدير بالاعتبار: المعارضة في إيران. هل ستحرّك رياح التغيير هذه المعارضة في المنطقة لتنشط من جديد؟ لابد أن يكون آيات الله في صراع مع هذا السؤال اليوم.
الكاتب: زميل في مركز القدس للشؤون العامة، سفير سابق في رومانيا ومصر والسويد.
المصدر