لافتة على البنك المركزي بدمشق عليها صورة الرئيس بشار الأسد
نيكولا د. كريستوف Nicholas D. Kristof
12 كانون الأول 2011
كاتب شاب يعيش في العاصمة السورية وافق على مشاركتنا بعض مشاهداته عن الثورة والإجراءات الصارمة التي تُواجه بها عبر البلاد. تجنبت دمشق بخلاف غيرها معظم الصراع، إلا من بعض التلميحات المتهكمة عن حالة عدم الاستقرار لمواطنيها. أخفينا اسم الكاتب لأسباب أمنية.
– المحررون
غالباً ما يعلق المراقبون بأن الثورة السورية لم تصل دمشق. صحيح بأن الأعمال التجارية والمطاعم مفتوحة في وسط دمشق، وأن حركة السير كعادتها لازالت فوضوية ومزدحمة، وأن المراكز التجارية تصخب بالمراهقات حسنات المظهر اللواتي يترجلن من السيارات الفاخرة في أول المساء.
بخلاف حمص، أو دير الزور، أو درعا، لا يوجد دبابات في شوارع دمشق، ولا حتى تلك التي تم ترقيعها بالدهان الأزرق في محاولة فاشلة لإظهار الجيش على أنهم من الشرطة. إلا أن الأسطورة القائلة بأن دمشق لا تُقهر هي مجرد – أسطورة. الإشارات للاضطراب في العاصمة السورية ربما تكون خفية، لكنها بلا شك تنذر بالخطر.
مازال بعض الناس يسكنون وسط دمشق. النخب الثرية تملك شققاً في وسط المدينة، والحياة التجارية تجمعت هناك، لكن غالبية السكان جنحت إلى أحياء نائية (محيطة بعيدة عن مركز المدينة) لأسعارها المعقولة، مثل الزاهرة والميدان، وضواحي الطبقة العاملة الآخذة في التوسع حيث تلتهم سريعاً الأراضي الزراعية التي كانت تحيط بالمدينة.
هذه دمشق الكبرى، المسكونة، المقاومة، الحافلة، دمشق المغترة بجماهيرها، المعضمية، الكسوة، داريا، حرستا، الزاهرة، الحجر الأسود، كفر سوسة، الميدان، سبينة والقابون- والكثير من الضواحي الأخرى- التي شاركت كلها في الثورة. جُمع المظاهرات، المستمرة في العصيان المدني، والتخريب المتكرر لأملاك الحكومة مألوفة هناك.
والثمن قد تم دفعه، من حظر تجول وغارات، إلى ضرب رسام الكاريكاتور الشهير علي فرزات مؤخراً. السيد علي فرزات كان قد اُختطف في شارع وسط دمشق، من الساحة نفسها التي توجد فيها وزارة الدفاع، المركز الرئيسي لقوى الجيش، ومبنى التلفزيون الرسمي على بعد خطوات عدة، ثم تم رميه من سيارة. “هذه كانت الصورة الأخيرة التي ترسمها” كما أخبره المهاجمون عندما كانوا يكسرون يديه، مشيرين إلى آخر تصوير رسمه للرئيس السوري بشار الأسد محاولاً فيه الإشارة إلى النهاية التي لحقت بالقائد الليبي معمر القذافي.
هناك المزيد، من إشارات أكثر هدوءاً من التمزق والسخط، أيضاً. كل الأضواء تكاد تكون معتمة، في الطابق الأول من فندق الفصول الأربعة الكبير والحديث والذي يكاد يكون معتماً، لوقت طويل خلا من النزلاء. الرسومات التي نقشت على جدران داريا مطالبة بإسقاط الرئيس لم يتم محوها (جدران أخرى يجب أن تمحى يومياً لإخفاء رسائل المعارضة التي تعود لتظهر مجدداً).
تنقطع الكهرباء يومياً، حتى في المالكي، منطقة المركز الباهظة الثمن، وأسعار المواد الغذائية الأساسية ترتفع. أزمة الغاز المنزلي أدت إلى الاحتكار والتلاعب بالأسعار والانتظار في الطابور للحصول على وقود التدفئة قد يطول حتى ثماني ساعات. الأزمات الاقتصادية المتصاعدة تفاقمت بسرعة بسبب انخفاض الليرة السورية التي خسرت 25% من قيمتها منذ آذار.
لكن بالمقارنة مع مدن، الجنوب، والشرق، والوسط، والشمال المحاصرة، دمشق تبدو هادئة أو حتى مستقرة. تقرير الأمم المتحدة الأخير وصف السياسة المنهجية في سوريا لعمليات الاعتقال التعسفية، والتعذيب، والاغتصاب، والإعدامات للبالغين والأطفال. كذلك تتوارد أخبار من حمص عن رجال أمن تنكروا في زي أطباء ودخلوا المستشفيات في دوريات لتوقيف أو قتل الجرحى. وعندما تم توقيف المصور فرزات جربان مؤخراً لتصويره المحتجين ضد النظام وُجد ميتاً في اليوم التالي بعينين مقتلعتين.
دمشق تتصدع، لكن المدينة لم تشهد الأسوأ بعد. وهنا ليس ميدان التحرير. ولا يمكن أن يكون، فالجيش متمركز استراتيجياً في ساحة العباسيين وهناك مجموعات من الرجال المنتشرين بالهراوات حول ساحة المرجة. لكن الثورات ليست متشابهة دائماً.
في سياق الكلام عن العزلة المتفاقمة للعاصمة ، بسبب شبكة الطرق المتقطعة عن المدن المحيطة، والوصول المحدود لوسائل الإعلام، والحملة النشطة المرافقة للإعلام الرسمي، الكثير هنا في دمشق وريفها أخبروني بأن الثورة أو الاحتجاجات أو”الأحداث” تعتمد على حالات تعاطف سياسية سوف تنتهي قريباً. تتراوح التقديرات من أسبوعين إلى شهرين إلى تاريخ غير محدد خلف الأفق، لكن هناك إجماع عريض ولكنه خيالي، بالرغم من وجهات النظر السياسية المختلفة العديدة، بأن النهاية يجب أن تكون في المدى المنظور.
وفاء ربة منزل من الطبقة الوسطى، زوجة طبيب مشهور وأم لأربعة أطفال. رأيتها في طريقها للمنزل من صف الرياضة، في ريف دمشق، وصفت الاضطرابات بأنها ما زالت تحت السيطرة، العدالة وإعادة الاستقرار سوف تتحقق خلال شهر أو شهرين، تحدثت عن الإرهابيين في حمص وهزت رأسها “لكن كل شيء انتهى الآن! انتهت!”.
جلسنا في غرفة معيشة وفاء, علا ابنتها الكبرى ذات الخمسة عشرة ربيعاً، سوسن ذات الخمس سنوات وأنا، خادمتها من جنوب شرق آسيا التي تدعو وفاء “ماما” قدمت لنا كيك الشوكولا. في منتصف محادثتنا، اهتاجت علا حتى قاطعتنا أخيراً قائلة: “أحب بشار الأسد”، هي في الواقع ضغطت يدها على قلبها، “أحبه” اعترفت ثانية بنفس البهجة التي تظهرها المراهقات تجاه نجوم السينما أو مغني البوب.
سخرت علا من رفيقتها في الصف. البعض تجرأ منذ بداية السنة الدراسية الجديدة للتعبير عن التضامن مع المدن الثائرة مثل درعا وحمص. “لكننا تغلبنا عليهم” علا طمأنتني ضاحكة، لقد كانت سعيدة ذلك المساء لأن المدرسة ألغت بقية دروس اليوم، وأكدت أنها لم تُغلق، لكن لم يأت أحد لأننا ذهبنا جميعنا إلى المسيرة، وعرضت علي صوراً في هاتفها من مسيرة سابقة لتأييد الحكومة والتي شاركت فيها في وسط دمشق وتظهر فيها مع عائلتها وأصدقائها، الأعلام مفرودة على أكتافهم ومرسومة على خدودهم.
بين صفوف الباليه، وتدريبات كرة السلة، زيارات لطبيب تقويم الأسنان، واجبات ووظائف علمية، رحلات عائلية إلى المركز التجاري، وكل المظاهر والالتزامات الأخرى لحياة الطبقة الوسطى. لم يتوفر لعائلة وفاء الكثير من الوقت لتقلق من الاحتجاجات. أي تهديدات للامتيازات التي قُدمت لهم كثيراً خلال العقدين الأخيرين تبدو قليلة للذين يشاهدون الأخبار على التلفزيون السوري الرسمي، في حيّ غالبيته من المسيحيين والدروز والذي مازال في سلام.
لكن هذا الهاجس بانتهاء الاحتجاجات ليس محصوراً بالأحزاب المؤيدة للنظام. أحمد شاب متحمس ناشط ديمقراطي من عائلة ثرية ذات نفوذ، يتردد على مقاهي دمشق التي تجذب النساء الجميلات. كان قد أُطلق سراحه مؤخراً بعد 10 أيام في السجن. كان يصرّ في كل مرة أقابله فيها خلال الأشهر السابقة بأن نهاية الثورة ستكون خلال أسبوعين. المعارضة أكثر تنظيماً، ازدادت أعداد المحتجين، والنظام يزيد ضعفاً. “أسبوعان يا رجل”، يؤكد بالإنجليزية وهو يحتسي قهوة بحليب بسعر 5 دولار.
في هذه اللحظة المتفجرة العصيبة من تاريخ سوريا، اللحظة التي لم يكن فيها التعاون، المحادثة، والتسوية أكثر أهمية من اليوم. يظهر باضطراد عدم إمكانية إيجاد أي أرضية مشتركة. حتى أكثر الحقائق الرئيسية يتم الاختلاف عليها من قبل أشخاص ذي أوضاع جغرافية دينية طبقية عمرية أو انتمائية مشابهة.
جنود من القوات الخاصة في دمشق يقفون لالتقاط صورة لهم
عندما اُكتشفت الأجساد المشوهة في شوارع حمص، لام بعض السوريين الدولة، بينما اتهم الآخرون الإرهابيين و”المجموعات المسلحة”. عندما اعترف رجال، في مقتبل العمر مكسورين ومرتعشين، بجرائمهم العنيفة والمروعة ضد الوطن على التلفزيون الرسمي، بعضهم رأى فيها انتصاراً للنظام بمواجهة حشود أعداءه، بينما شهد آخرون بأن الاعترافات تمت نتيجة الخوف، الإكراه، والتعذيب. إشاعات تروج بشكل واسع عن قتل طائفي وحوادث اغتصاب، انشقاقات كبيرة في الجيش، اعتقالات، جرائم تحت تأثير المخدرات، من ميليشيات مدربة في الخارج، جثث مشوهة ملقاة على عتبات منازل الأمهات. لا أحد يستطيع أن يتفق على من يقاتل، ما يقاتلون من أجله، أسماء القتلى، أو أسماء قاتليهم.
على الرغم من الفوضى، فإن هناك الكثير من الأدلة – المسجلة على الهواتف النقالة، الموثقة من قبل المنظمات غير الحكومية والمشاهدة من قبل الصحفيين الذين تسللوا بأنفسهم إلى المدن المحاصرة – لدعم مطالب المعارضة السورية. قد لا تكون المعارضة موحدة في رؤيتها للمستقبل، ولكن في تحليلها للحاضر– بمجموع أعضائها، قوائمها من المفقودين- أثبتت مصداقية كبيرة.
ومع ذلك فعملية إظهار الحقائق المضنية لم تصنع فارقاً كبيراً. في خضم الإشاعات والدعاية، لاقت الوقائع اهتماماً قليلاً من قبل أولئك الذين يتمسكون بوجهات نظرهم الخاصة. أنصار الأسد يشكّلون مشكلة – لم تغير الأدلة المثبتة مواقفهم وإيمانهم بآرائهم لا يتزعزع. هم كتلة غامضة، يُنظر إليهم من منظورين اثنين سواء من مؤيدي المعارضة أو من الكثير من العالم الخارجي.
المنظور الأول: اعتبار أن الموالين للنظام كمخيفين، جشعين، ومتحاملين، وجهلة. وقد قررت الحكومة الأمريكية، جنباً إلى جنب معظم دول أوروبا والآن الجامعة العربية، أن السيد الأسد هو حاكم غير شرعي. كثير من السوريين اتفق مع هذا التقييم، ولكن بالتأكيد ليس جميعهم.
بغض النظر عن كيفية حكمنا على الأسد، إلا أننا يجب أن نميز بين التشكيك به وتشويه سمعة أنصاره. سيكون من الحماقة القيام بهذا الأخير. فمؤيدوه هم مجموعة متنوعة تتطلب منا الاهتمام، ليس فقط لأن أي حركة تعتبر نفسها مؤيدة للديمقراطية يجب أن تجسد مبدأ الديمقراطية الشامل، ولكن أيضاً لأن أعدادهم لا تزال كبيرة، وأي استقرار، يستهدف إيجاد حل دائم للعنف يجب أن يأخذهم بعين الاعتبار.
تماماً كما تضم المعارضة العلويين، المسيحيين، الدروز، السنة، المعدمين، الأثرياء، المتعلمين، الشيوخ، والشباب، فإن العديد من السوريين من مختلف الخلفيات يواصلون دعمهم للرئيس. على سبيل المثال، عبيدة وهو صاحب متجر من الطبقة العاملة، سني، ورع جداً. نظرياً، هو عينة من الشريحة الديموغرافية التي تمتلىء بها السجون السورية كجزء من المعارضة. لكنه لا يزال داعماً بقوة للنظام، مقتنعاً بأن العقوبات ]السجن[ لا تلحق سوى بمن يستحقها. هو خائف. على الرغم من أن جماعته من المصلين اعتادوا أن يصّلُوا من أجل طلب العون من الله للمتمردين في العراق، وقال إنه يرفض الاعتراف بأي من المظالم التي ارتكبها النظام.
المنظور الثاني: يميل مؤيدو النظام لإثارته، وخصوصاً لمن هم في الخارج، وهو التسليم بتوقعاتهم للحرب الطائفية. الحروب الطائفية الأخيرة في لبنان والعراق- وهما من الدول المجاورة لسوريا التي لديها المكونات الدينية المماثلة والمتنوعة – كما بالإضافة إلى تزايد حالات العنف ضد المسيحيين في مصر في مرحلة ما بعد الثورة, زادت من مخاوف صراع ديني هنا. الشائعات المتناقلة عن لافتات احتجاج تحمل شعار (والمقفاة باللغة العربية)، “المسيحيون إلى بيروت والدروز في تابوت، والعلويين حتى الموت”، تم تناقلها على نطاق واسع في الغرب، وكذلك تزايد حالات الوفيات بين العلويين في معقل المعارضة في حمص.
ولكن النظر بجدية إلى مخاوف أنصار الأسد لا يعني أننا يجب أن نقبل بتفسيراتهم للأحداث. قد يتحدثون ببلاغة ودقة عن مخاوفهم، ولكن هذا لا يعني أنهم يستطيعون التحدث بصدق عن دوافع الآخرين. ليس من الحكمة أن نثق برواياتهم عن الحركة السلفية المسلحة – حتى هم أنفسهم لم يدعو بأنهم شاهدوها. وفاة من الطائفة العلوية لا يعني بالضرورة أن سوريا ستنزلق إلى حرب طائفية أكثر مما يعنيه أي حالة وفاة للطائفة السنة.
نعم: بالتأكيد يوجد متطرفون من السنة يحتجون في الشوارع. لكن يوجد ملحدون وشيوعيون، ومطالبون بحقوق المرأة إلى جانبهم أيضاً. وإن كان هناك أفراد أتقياء مشاركين في الانتفاضة، وحتى بعض الذين يمكن أن يتصوروا الدولة دينية مستقبلاً، إلا أنها لم تكن أبداً حركة دينية.
طالب علوي من اللاذقية قرر مؤخراً زيارة حمص، لاختبار ما إذا كانت شائعات العداوة الطائفية المتزايدة صحيحة. وقد رحبت به المعارضة هناك. قال لهم إنه علوي، فرحبوا به أكثر فأكثر. قادوه في جولة عبر الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة، ورافقوه إلى آخر حاجز عندما غادر.
كانت هناك تقارير عن قتل العلويين، ولكن المتظاهرين يصرون على أن هؤلاء لم يُقتلوا لكونهم علويين، ولكن بسبب دعمهم للنظام. إنها الحكومة وليست حركة الاحتجاج، التي يبدو أنها تسببت بالخلط بين العلويين والنظام، سواء من خلال عقود من التعامل المميز تجاه العلويين، أو استمرار الخطاب الطائفي المهيج الحالي.
صالح، شاب مسلم، وهو مثال لسوء الفهم والمخاوف المبالغ فيها التي بدأت بتقسيم الشعب السوري. هو شاب مسلم سني كان قد أُلقي القبض عليه في الأيام الأولى للثورة، رغم أنه لم يشارك في الاحتجاجات ولم يتحدث ضد الحكومة. تعرض للضرب والحرمان من الطعام، وغير ذلك من الإساءات، رغم أن التعذيب أمر شائع جداً هنا إلا أن الناس كثيراً ما ينسون الإشارة إليها في تقاريرهم عن السجون. (قال أحد السوريين، والذي خرج مؤخراً من السجن، مازحاً عن تعذيبه بالكهرباء إنه يشعر بالامتنان للحراس وقد استخدموا فقط 110 فولت بدلاً من 220).
عندما تم الإفراج عن صالح بعد عدة أيام، شجعته عائلته على الانتقام. كانوا يعرفون هوية عنصر الأمن الذي ألقى القبض عليه، وكانوا يعرفون مكان سكنه. لكن صالح وهو المسلم الورع، رفض الرد على العنف بالعنف. انضم صالح في نهاية المطاف إلى صفوف المحتجين، ولكن فقط عندما كان مقتنعاً بأنهم لا يتعاطون المخدرات، ولا يستعملون العنف، أو يرتكبون جرائم أخرى محرمة في الإسلام. إنه قوة داعمة للسلام في الاحتجاجات المحلية، والحث على نبذ العنف والانتقام.
بالرغم من أن مخاوف الأقليات المسيحية، العلوية والدروز ليست وهماً – فقد حدث قتل طائفي والتهديدات مستمرة- يبدو أنهم يبالغون. الغالبية من الثوار الشباب والقادة المعارضين الأكبر سناً يطالبون بديمقراطية علمانية. صالح – في الواقع متواضع، ورع، مسالم – يحتج على المتعصبين من المسلمين الذين بدأت الأقليات الدينية الكلام عن الخوف منها.
أي نتيجة لهذا النزاع سوف تعتمد على قابلية هذا التنوع الواسع للاجتماع، للتعاون، للإصغاء، لنية التشارك في الفهم، والتعاطف، والتواصل، وللثقة. الخطوة الأولى ربما تتطلب جهوداً عظيمة من الجانب السني المعارض السائد لتهدئة مخاوف الأقليات، إلا أن الحاجة الأكثر حسماً هي المعلومات. القيود الواسعة على الإعلام في سوريا، وحملات الدعاية التي تقدمها الحكومة، والقيود المتزايدة على التحرك، والشكاوى المعلقة طويلاً والأفكار المسبقة السيئة التي يؤججها قادة المجتمع والإعلام غير المسؤول كلها تجعل الوعد بالحوار يبدو بأنه لن يتحقق. لكن الحوار بين ]المعارضين والمواليين[ يبقى هو الأمل الوحيد.
ربما يعترف جيراني بأن النهاية قريبة، لكن تصرفاتهم تقول شيئاً آخر. من الصعب تخيل بأن وفاء نصبت حديثاً مولداً من أجل انقطاع الكهرباء ليلاً لأنها تعتقد أن الاحتجاجات منتهية. بالرغم من أن وفاء تؤكد بأنه لا داعي للخوف، كون الحكومة انتصرت الآن، أخبرتني علا بأنها رأت أمها تشاهد الجزيرة بقلق. أحمد، بكل تفاؤل يأمل أن يذهب إلى أوروبا أو أمريكا في السنتين القادمتين حتى يستقر الوضع في سوريا مجدداً، إنكارهم هو العقبة الأولى أمام الانتصار.
أي استقرار مستقبلي في سوريا يبدأ بالحوار- ليس فقط مجرد الكلام، لكن الإصغاء أيضاً- والحوار يتطلب معرفة وجهات النظر المختلفة والأهداف المختلفة. الأكثرية هي لب الديمقراطية، وتقبل حقيقة الثورة، وحقيقة أقلياتها، مسألة حاسمة.
المصدر