المعارضة المسلّحة للأسد: الجيش السوري الحر

 بوليسي ووتش Policy Watch

جيفري وايت Jeffrey White

30 تشرين الثاني 2011

 أصبحت حركة المعارضة المسلّحة المتنامية ضد نظام الأسد عنصراً هامّاً بشكلٍ متزايد في المعادلة السورية.

بات الجيش السوري الحر، وهو عبارة عن مجموعة معارضة مسلّحة انبرت لمواجهة نظام الأسد، يجني قوّة وفعاليّة بحيث أصبحت تواجه دمشق اليوم مقاومةً من نوعين، سلميّة ومسلّحة. حتّى الآن أثبت الجيش السوري الحر جدواه في وجه محاولات النظام لقمعه وإخماده.

أصول الانشقاقات

تم الإعلان الرسمي عن الجيش السوري الحر في الـ 29 من شهر تمّوز، لكن يمكن العودة بأصوله إلى قبل ذلك بكثير. كان تشكيل المجموعة ردّاً على وحشية النظام تجاه المظاهرات

السلميّة. تزايدت الانشقاقات عن الجيش السوري مع ازدياد عصيان عدد من الجنود والوحدات الصغيرة لأوامر إطلاق النار على المتظاهرين العزّل أو نتيجة لقرار مباشر بترك النظام والانشقاق عنه. بالرغم من عدم انضمام جميع المنشقين إلى الجيش السوري الحر، أشارت العديد من التقارير الإعلامية إلى التدفّق المتواصل للمنشقين وانضمامهم إلى صفوف المجموعة المنشقّة.

تضم المجموعات المنشقّة أفراداً من جميع المراتب العسكرية بدءاً من المجندين وصولاً إلى رتبة عميد. كما أنهم ينتمون إلى وحدات ومنظمات مقاتلة متنوعة بما فيها أركان النظام الأساسية كالحرس الجمهوري والمخابرات. بعض الوحدات الصغيرة قامت بانشقاقات جماعية كما ورد حصول انشقاقات لكتائب بأكملها، لكن لم يتم بعد التثبت من صحة تلك المعلومات. وفي بعض الحالات على الأقل احتفظ المنشقّون بأسلحتهم. وفي معظم الأحيان قاموا بالانضمام إلى الوحدات المحليّة التابعة للجيش السوري الحر.

ما يسهّل من عملية الانشقاق وتشكيل وحدات الجيش السوري الحر هو انتقال المجموعات المنشقة من تنظيم عسكري إلى قوة عسكرية عالية التنظيم إلى حدٍّ بعيد. وفقاً للدلائل المتوفرة، فإن الجيش السوري الحر لديه تسلسل قيادة وبُنى تنظيمية وإدارية ووحدات تحمل أسماء محددة.

التنظيم والقوى

يبدو أن للجيش السوري الحر تنظيم أفقي إلى حدٍّ ما، حيث تتخذ قيادته من تركيا مقراً لها، كما يوجد على الأرجح مجموعة من القيادات الإقليمية والمناطقية وبعض المجموعات المتفرعة التابعة لها في سوريا. وبحسب مصادر إعلامية فإنه يوجد وحدة أو وحدتان قتاليتان في لبنان.

يبدو التحكّم والسيطرة في الجيش الحر مرناً نسبياً حيث تعطي القيادة في تركيا تعليمات عامة بينما تمارس الوحدات في سوريا سلطة مستقلة إلى حد كبير على العمليّات التي تنفّذها. في مطلع هذا الشهر، وردت تقارير عن تعاون عناصر من وحدتين في دمشق —  كتيبة أبو عبيدة الجرّاح وكتيبة معاوية بن أبي سفيان – ما يشير إلى وجود درجة معينة من التنسيق. يتم التحكّم وإصدار الأوامر بعدّة وسائل من بينها استخدام الهواتف الخلوية، البريد الالكتروني، الفيسبوك، وربما مراسلين سريين أيضاً. ورد أن النظام تمكّن من ضبط عدد من أجهزة الاتصالات المتطوّرة مع “الإرهابيين المسلّحين” بما فيها أجهزة جوّال فضائي الثريّا وأجهزة ذات تردد عالي وفوق العالي (VHF/UHF)، وأنظمة “انمارسات “Inmarsat للاتصالات الفضائية الجوّالة.

تبدو آلية قتال الجيش السوري الحر أوضح مع مرور الوقت (من حيث بنية إصدار الأوامر، الوحدات، الانتشار، القوّة والمعدّات). تدّعي هذه المجموعة على حيازة ما يصل إلى 22 “كتيبة” تقوم بعمليّات ضد النظام؛ وتشير بعض التقارير الإعلامية على أن من بين هذه الكتائب هناك 16 كتيبة ناشطة مع احتمال وجود 4 كتائب إضافية. إلا أن عدد المقاتلين في كل كتيبة (على فرض أن هذه التسمية مستخدمة على نحو ثابت) غير مؤكّد. كما ورد أن كتائب الجيش السوري الحر يقودها ضبّاط صغار (برتبة نقيب أو ملازم في معظم الأحيان) مما يشير إلى وجود تشكيلات من 100 إلى 200 أو حتى أقل. تبدو الكتائب على أنها تشكيلات مستقلّة على الرغم من احتمال وجود تشكيلات ذات مستوى أعلى. على سبيل المثال في منطقة حمص، يبدو أن لواء خالد بن الوليد يتألف من عدة كتائب تابعة له.

ويبدو أن الجيش السوري الحر يتألف بشكل كبير من كادر عسكري خبير؛ ومن ضبّاط، وصف ضبّاط لديهم في بعض الأحيان صلة اجتماعية مع العائلات والعشائر والقرى والأحياء المحلية. بمعنى آخر، هم على دراية بكيفيّة استخدام الأسلحة كما أنهم يقاتلون في أماكن مألوفة لديهم.

بالنسبة للعدد الإجمالي لطاقم الجيش السوري الحر فهو غير معروف. صرّحت قياداته عن وجود ما يقارب الـ10  إلى 15 ألف، إلا أنه رقم مبالغ به. كتقدير منطقي أكثر يمكن الحديث عن رقم بحدود بضعة آلاف قليلة، هكذا رقم ينسجم أكثر مع أعداد وحجم الكتائب المحتمل.

كما يبدو أن أسلحة الجيش السوري الحر في الغالب هي أسلحة خفيفة (بنادق، ومدافع رشاشة خفيفة)، قذائف صاروخية (آر بي جي)، وبعض المدافع الرشاشة الثقيلة والعديد من معدات التفجير. يتم استخدام قذائف الـ آر بي جي بشكل فعّال ضد عربات النظام المدرعة وبالأخص عربات المشاة القتالية الـ بي إم بي ذات الدروع الخفيفة والتي يتم استخدامها بشكل مكثف من قبل الحكومة. هذه الأنواع من الأسلحة عادة ما تكون مناسبة للمناوشات التي تحصل في سوريا الآن والتي غالباً ما تكون في المدن. تأتي مصادر الأسلحة من المنشقين، ومن التهريب (خاصّة من لبنان ومن تركيا أيضاً)، بالإضافة إلى الغنائم التي يتم الحصول عليها خلال الاشتباكات مع قوات النّظام.

 الانتشار والعمليّات

يعمل الجيش السوري الحر في أنحاء سوريا المختلفة في كل من المناطق الحضرية والأرياف. تعمل القوى بشكل فعّال في الشمال الغربي (في إدلب وحلب)، في المنطقة الوسطى (في حمص وحماه والرّستن)، في الساحل حول اللاذقية، في الجنوب (درعا وحوران)، في الشرق (دير الزور، البوكمال) وفي منطقة دمشق. من الواضح أن أكبر تمركز لهذه القوى موجود في المنطقة الوسطى (حمص وحماه والمناطق المحيطة) حيث وردت أنباء عن وجود نشاطات لتسع كتائب أو أكثر.

معظم عمليّات الجيش على ما يبدو عبارة عن عمليات تقوم بها وحدات صغيرة يتراوح تعدادها بين بضعة أفراد والعشرات. وبالنسبة للمواجهات التي تمت في الرستن في شهري أيلول وتشرين الأول فيبدو أنها تضمّنت عمليّات أوسع. شملت العمليات أعمال دفاع عن مناطق محليّة، كمائن للمواكب والعربات، مداهمات لبعض مواقع النظام وتجهيزاته، هجمات على قوى أمن النظام وعناصر ميليشياته، هجمات على بعض المسؤولين في النظام وضباط الجيش، تدخّلات ضد هجمات قوى النظام على المتظاهرين بالإضافة إلى إغلاق الطرق.

كما انخرط الجيش السوري الحر في ثلاث “معارك” على مستوى عالٍ كالتي حصلت في الرستن وتلبيسة (27 أيلول– 1 تشرين الأول) وفي حمص (28 تشرين الأول– 8 تشرين الثاني) وفي خربة غزالة (17تشرين الثاني). تضمنت هذه العمليّات اشتباكات متواصلة مع قوات النظام، وعلى الرغم من انسحاب الجيش الحر من القتال في كل من المعارك السابقة إلا أنه كان قادراً على تكبيد خسائر لتلك القوات وإحداث المزيد من الانشقاقات. كما اضطر النظام للقيام بنشر تشكيلات قتالية كبيرة (فرق أو ما يعادل ألوية) والانخراط في عمليّات قتالية كبرى. إن عمليات الجيش الحر تجبر النظام على نشر قواته في كافة أنحاء الأراضي السورية كافة وخوض عمليات قتالية بدلاً من مجرد إطلاق النار على المدنيين العزّل.

المشهد العام

لن ينجو نظام الأسد إلا باستمرار عمليّات القتل؛ وما قام به الجيش السوري الحر هو تغيير قواعد اللعبة، فبدلاً من أن يقوم النظام بقتل المواطنين على هواه ومن دون أي تكلفة فإنه يواجه الآن معارضةً مسلّحة تكبّده الخسائر. الضغط المتزايد على قوات الحكومة وازدياد حصيلة القتلى من المدنيين سيولّد المزيد من الانشقاقات، ستزيد هذه التطورات بدورها من حدة القتال.

نظراً لتزايد أهمية الدور الذي يلعبه الجيش السوري الحر والذي من المرجّح أن يكون له تأثير على مسار تطور الأحداث في سوريا، يتوجب على الولايات المتحدة وشركائها أن تتصل بأعضاء هذا الجيش وتتعرّف قدر المستطاع على هذه المجموعة. من خلال هذه الاتصالات ومن خلال المعلومات الاستخباراتية يمكن الحصول على إجابات للعديد من التساؤلات حول طبيعة هذا الجيش وقدراته كقوة مسلحة ودور الإسلاميين فيه. فإذا ما كانت نتائج هذه الاتصالات والاستخبارات إيجابية فإنه يتوجب مساعدة الجيش السوري الحر حالما تكون المساعدات الخارجية متاحة وفعّالة. يمكن تزويد هذا الجيش بالأسلحة والاستشارات والتدريب والأموال عبر قنوات سرّية. يمكن لهذه الخطوات المتواضعة أن تزوّد الشعب السوري بوسيلة للدفاع عن النفس، وتعطي الولايات المتحدة سيطرة إضافية على الوضع، كما سيزيد هذا من الضغط على النظام وقواته مسرعين بذلك نهاية هذا النزاع.

(جفري وايت Jeffrey White زميل متخصص في شؤون الدفاع والأمن في معهد واشنطن).

المصدر

Asad’s Armed Opposition: The Free Syrian Army
Policy Watch/Peace Watch

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s