د. مهاتير محمد شيدت chedet Dr. Mahathir Mohamad
7 آب 2011
1. قرر الإعلام الغربي إطلاق لقب “الربيع العربي” على الاضطرابات في البلاد العربية. لكنها ليست ربيعاً لأن المحاولات للتخلص من الحكومات الاستبدادية في هذه البلاد قد أدت إلى إراقة الدماء وإلى أضرار جسيمة بالممتلكات والاقتصاد.
2. بينما نجحت ثورة الشعب في تونس ومصر, لازال النضال في البلاد الأخرى مستمراً. لا يوجد شك بأنه بطريقة ما أو بأخرى ستتحقق تغيرات سياسة واقتصادية واجتماعية قبل أن تنتهي الثورات.
3. لكن التخلص من الحكومة ليس نهاية النضال. النضال الأصعب سيأتي لاحقاً – ذلك النضال من أجل إقامة حكومات جديدة وهو الهدف الأساسي لهذه الثورات.
4. إذا تم اختيار الديمقراطية وسيلة ليتحقق هذا الهدف, فإنه سيتوجب على الطموحين الحصول على دعم العامة. ولهذا السبب سيتم تشكيل أحزاب سياسية.
5. للأسف لا يمكن تحديد عدد الأحزاب السياسية لأنه, وبأحسن الأحوال, ستكون هناك حكومة انتقالية ضعيفة لا يمكنها فرض ذلك الأمر. يمكن أن تتشكل مئات من الأحزاب السياسية, ولن يكون بينها أي حزب كبير قادر على الفوز بأغلبية المقاعد في الانتخابات لتشكيل حكومة.
6. بعد ذلك ستتسابق الأحزاب الصغيرة بين بعضها للحصول على المناصب. احتمال أن لا يستطيع أحد تشكيل حكومة أغلبية والخلافات التي تنتج عن هذا الأمر ستكون حقيقية. ربما يؤدي هذا إلى العنف والانفلات الأمني.
7. عندما تتأزم الخلافات, يجب على المؤسسة المنضبطة الوحيدة بالبلد أن تتولى زمام الأمور. يكون بالعادة الجيش هو هذه المؤسسة. ستتأسس حكومة عسكرية مع وعود بأنها ستكون مؤقتة.
8. للحفاظ على القانون والأمن سيتوجب على الحكومة العسكرية ملاحقة وتصدي الانشقاقات المؤدية للاضطرابات. سيكون هناك اعتقالات واحتجازات بدون محاكمة. سيكون هناك قمع للمعارضة بأشكال متفاوتة.
9. لضمان طاعة صغار الرتبة بالجيش يجب منحهم ميزات. في حال كان اقتصاد البلد معطلاً وهناك نقص بالطعام أو ما شابه ذلك ستعمل الحكومة العسكرية على ضمان الأساسيات لأفراد الجيش. وبسرعة ستزداد هذه الميزات. سيكون هناك سوق سوداء للأطعمة والبضائع الممنوحة لرجال الجيش. سيستخدم العسكر السلطات الممنوحة لهم. والسلطة تفسد.
10. ستتسع الفجوة بين العسكر وعامة الناس. سيتصدى لشكاوى الناس أو اعتراضاتهم بقمع يزداد حدته. عاجلاً أم آجلاً سيتم كره الحكومة العسكرية كما كانت الحكومة السابقة المكروهة التي أُسقطت.
11. بعد قيامها باضطهاد وقمع الناس, وبزج المعارضين بالسجن, وبعد قيامها بإعدام بعض منهم, ستجد الحكومة الانتقالية نفسها عاجزة عن الوفي بوعدها بتسليم السلطة. الحكومة الانتقالية ستصبح الآن دائمة, تمارس سلطتها بدون أن تكون مسؤولة أمام أحد سواها.
12. من المفترض أن المصريين يعرفون هذه الدورة. قام العسكر بإسقاط الملك لعدة أسباب. دعم الناس الانقلاب العسكري. لكن بعد مدة أصبحت الحكومة العسكرية مستبدة. عندما يتقدم العمر بالقائد سيكون هناك محاولات لتشكيل سلالة حاكمة. يرغب القائد بأن يتولى أفراد عائلته الحكم بعده. لمرة أخرى ستصبح الأوضاع لا تحتمل.
13. لضمان أن لا تتكرر هذه الدورة, يجب أن تبذل كل المساعي لتحقيق الديموقراطية. لا يجب أن يكون هناك أحزاب سياسية كثيرة. أكثر الأنظمة الديموقراطية نجاحاً هي التي يشارك فيها عدد قليل جداً من الأحزاب السياسية, غالباً اثنين فقط. رؤساء الأحزاب الكثيرة يجب أن يتفقوا بطريقة ما على التجمع لتشكيل حزبين كبيرين قادرين على الحصول على أغلبية المقاعد في المجلس النيابي.
14. على الناس أن يرفضوا المصالح الطائفية, سواء أكانت عرقية, دينية, مذهبية, أو مناطيقية.
15. الفكرة الأكثر أهمية والتي يتوجب على الجميع القبول بها هي أن لا أحد سيحصل على كل شيء يظن هو أو طائفته بأنه من حقهم الحصول عليه. يجب على الجميع تقديم التضحيات لكي يتاح المجال لمشاركة الآخرين.
16. ضمن هذا الإطار سيستطيع العديد من الأحزاب الصغيرة التجمع لتشكيل حزب موحد أو تحالف. سيكون لدى هذا الحزب الأكبر دعماً كافياً للفوز بأغلبية المقاعد للتمكن من تشكيل حكومة ذات مصداقية.
17. الضرورة الأخرى التي يجب على الجميع القبول بها تكمن في أنه سيكون هناك فائزون وخاسرون في المنافسة الديمقراطية. من المهم أن يعترف الجميع بخسارته إن حصل هذا. إن لم يحصل فسيجد الفائزون أنفسهم غير قادرين على حكومة البلد لأن الخاسرين سيزعزعون استقرار البلد، والاستقرار هو الشرط الأساسي لتقوم أي حكومة بأداء عملها.
18. إذا تقبّل رؤساء الأحزاب والشعب هذين الأمرين: قابلية التقليل من المطالبة بالحقوق والميزات الطائفية, ولو بشكل جزئي, والقابلية للاعتراف بالهزيمة في الانتخابات, فإن الديمقراطية ستنجح بالعمل، والانتخابات ستحدد الحزب والرؤساء الذين سيشكلون الحكومة.
19. إذا لم يكن بالاستطاعة تشكيل حزب واحد ذو أغلبية فإن اتحاد الأحزاب يجب أن تتشكل.
20. يجب أن يتم هذا في مرحلة ما قبل الانتخابات. هذا التحالف يختلف عن التحالف المشكّل بعد الانتخابات عندما لا يفوز أي حزب بأغلبية تمكنه من تشكيل حكومة. لأن اتحاد المصالح الذي يتشكل في مرحلة ما بعد الانتخابات سيكون دائماً قيداً للحزب الصغير أو الأحزاب الصغيرة التي اُحتيجَ لها لتشكيل أغلبية حاكمة. الانشقاق سيؤدي إلى سقوط الحكومة. وبعد سقوطها سيصبح بإمكان الحزب الصغير الانضمام إلى المعارضة لإعطائها مقاعد كافية لتشكليل حكومة. الواضح من كل هذا أنه إذا تم عقد تحالف فيما بعد الانتخابات سيكون الحزب الصغيرهو المتحكم بهذا التحالف والوضع السياسي بالبلد.
21. لذلك فإن تحالف ما قبل الانتخابات سيكون أكثر استقراراً. يمكن للأحزاب في التحالف أن تتفق على تقسيم المقاعد حتى لا يتنافس أعضاء التحالف ضد بعضهم. عوضاً عن التنافس, يتوجب عليهم جميعاً دعم أي مرشح من التحالف مهما كان انتمائه الحزبي. هذا سيضمن عدم تبعثر أصوات التحالف. عندما يقوم حزب ما بالتصويت لمرشح حزب آخر في التحالف, فإنه يضمن رد الجميل بقيام أعضاء حزب هذا المرشح بالتصويت لمرشحيهم في المنطقة الانتخابية المخصصة لهم. لذلك فحتى لو لم يكن عدد الداعمين للحزب الصغير في منطقة انتخابية ما كبيراً لضمان الفوز فإن دعم مؤيدي باقي الأحزاب في التحالف سيتكفل بإعطاء هذا المرشح أغلبية الأصوات.
22. من ناحية أخرى, إذا قامت كل أحزاب التحالف بترشيح عضو لها في نفس المنطقة الانتخابية ليتنافسوا فيما بينهم فستنقسم الأصوات. سيظل هناك فائزاً، ولكن انقسام الأصوات سيعني أن عدد أصوات الرابح ستكون أقل من الأغلبية الحقيقية وهي %50 فما فوق من الأصوات.
23. على فرض أن عامة الناس ورؤساء الأحزاب على وعي بآلية عمل الديمقراطية, لا بد أن يظل هناك قلة من المتطرفين من كل الفئات، والذين سيرفضون أي مساومة على مبادئهم ومذاهبهم. يفرض المتطرفون تأثيراً كبيراً على سياسة البلد لا يتناسب مع قلة عددهم.
24. يُخَوِف المتطرفون المعتدلون والعقلاء ويقوضون جهود هؤلاء للتصالح والتحاور مع الآخرين.
25. كما جرت العادة, لا يريد أحد من المعتدليين أن يجابه المتطرفيين بشكل صريح. يخافوون أن يُتهموا بالغدر وما ينتج عن هذا من خسارة دعم الناس. في الحالات الاستثنائية, سيصبح المتطرفون عنيفين إلى حد القيام بإغتيال من يتهمونهم بخيانة قضيتهم.
26. سيتطلب تقليص دور المتطرفين مهارة وحنكة سياسية فائقة. لكن هذا سيكون صعباً جداً في البلاد الذي يُعتبر فيها العنف أسلوب حياة, عقيدة. هذه الدول ستصبح غير مستقرة عندما تتبنى الأساليب الديمقراطية. ستكون هناك فوضى بدرجةٍ ما. وكما سبق الإشارة إليه من قبل, ستؤدي الفوضى, على الأغلب, إلى انقلابات عسكرية وإلى حكومات عسكرية استبدادية.
27. بالنهاية على الشعب أن يقرر إذا كان يريد حكومة جيدة أم لا. ستمنحهم الديمقراطية خيارات وحريات ولكن الديمقراطية تتطلب إدراك حدودها. إذا تم إدراك هذا ولم يتم التعدي على الحقوق فإن الديمقراطية ستعطيهم حكومة جيدة.
المصدر