سقوط الأسد في يد طبقة رجال الأعمال السوريين

ديفيد أرنولد David Arnold

1 كانون الأول 2011

الآن وبعد أن فرضت الجامعة العربية عقوبات اقتصادية على سوريا، يتساءل علماء السياسة والاقتصاد فيما إذا كان تجميد أصول النظام السوري وإيقاف التجارة، التحويلات المصرفية والرحلات التجارية كفيلة بكسر نظام الأسد.

أصبحت الحياة الآن في سوريا، البلد الذي طالما تفاخر بأن اقتصاده هو الأكثر رخاءً وتوازناً في الشرق الأوسط؛ حياة صعبة وتزداد صعوبة. وبعد أشهر من بدء حركة الاحتجاج، يعاني السوريون من انعدام الاستقرار السياسي، وإطلاق الرصاص الحي على المحتجين والمدنيين العزَّل، من قبل قوات الأمن التابعة للأسد، بالإضافة إلى ظهور الجيش السوري الحر الذي يقاتل قوات الأسد.

كما يواجه الشعب السوري نقصاً في المحروقات وتراجعاً في قيمة الليرة السورية، وغلاءً في الأسعار، وعدمَ توفر السلع في المحال التجارية، كما أن البلاد مقدمة على شتاء طويل في عزلة سياسية واقتصادية عن العالم، وأغلب الدول العربية.

الباعة في سوق في دمشق خلال أوقات أفضل. (رويترز). (تحت الصورة)

“هذا يؤدي إلى حدوث فجوة كبيرة في الاقتصاد السوري تصل إلى 30% من إيرادات النظام السوري” كما يقول مرهف جويجاتي.

لقد تلقت سوريا ضربة اقتصادية موجعة من الاتحاد الأوروبي قبل أسبوع من فرض عقوبات الجامعة العربية عليها. تضمنت إجراءات الاتحاد الأوروبي العقابية إيقاف صادرات سوريا من النفط الخام إلى كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا.

 قال مرهف جويجاتي من جامعة ناشونال ديفينس في فورت ماكنير Fort McNair في مدينة واشنطن “هذا يؤدي إلى فجوة كبيرة في الاقتصاد السوري تصل إلى 30%من إيرادات النظام”، وأضاف: “أضف إلى ذلك أن السياحة التي توفر %15 من اقتصاد البلاد، وبذلك تكون إيرادات البلاد قد انخفضت بنسبة 45%”. وحسب مراقبين سياسيين واقتصاديين، فإنه على الرغم من أن تركيا – الحليف السابق المجاور لسوريا والسوق الأكبر للصادرات السورية – أعلنت عقوباتها بالإضافة إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي، يبدو أن الأسد سيبقى متمسكاً بالسلطة إلى النهاية المريرة.

 ولكن يتفق هؤلاء المراقبون على أن أيام أو أشهر الأسد أصبحت معدودة. ويرى البعض أنه مع سوء الأوضاع الآن، ستتخلى روسيا عن موقفها الرافض لقرار ضد سوريا في مجلس الأمن، وتوافق على كل العقوبات المفروضة على النظام السوري، وستتبعها الصين. في هذه الأثناء تدرس تركيا احتمال التدخل العسكري، أو على الأقل إنشاء منطقة عازلة. ولكن أكثر المراقبين يتفقون على أن القوة الحقيقية لإسقاط الأسد ليست بيد الجنود المنشقين ولا المتظاهرين،  بل هي بيد طبقة التجار السوريين.

 الشعب السوري هو الذي سيعاني

 يأمل غاري هوفباور Gary Hufbauer، الخبير في العقوبات، أن يكون لتجميد أصول الأسد وعائلته والمقربين منه الأثر الأكبر.

هوفباور باحث خبير في معهد بيتيرسون Peterson للاقتصاديات العالمية في مدينة واشنطن، كما أنه أحد كتّاب كتاب “إعادة النظر في العقوبات الاقتصادية” وهو دراسة استمرت 30 سنة، وبجهود 200 شخص؛ عن العقوبات المفروضة على عدد من الحكومات حول العالم: “فرضت العقوبات على الأسد ورؤساء عرب آخرين لفترة من الزمن بسبب دعمهم للإرهابيين. أنا متأكد من أنهم أخفَوا كل أصولهم، ومن الصعب الآن إيجاد أصول الزعماء أو أولادهم أو عائلاتهم لفرض العقوبات عليهم، لذلك لن يكون لهذه العقوبات تأثير قوي على الاقتصاد السوري”.

 الأموال تنفد من النظام السوري – جوشوا لانديس Joshua Landis، سيريا كومنت Syria Comment

 لكن دمشق اليوم تواجه تهديداً مباشراً “بدأت الأموال تنفد من النظام السوري” كما قال جوشوا لانديس البروفيسور في الدراسات شرق الأوسطية، ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما وهو أيضاً صاحب مدونة “سيريا كومنت: “قبل أسبوعين من الآن كان سعر الدولار 47 ليرة سورية، أما الآن فقد ارتفع سعره إلى 59 ليرة سورية”.

“يقف الناس في طوابير لانتظار سيارات الغاز لتأمين تدفئة منازلهم، وقد ارتفع سعره كثيراً” كما قال لانديس. كما أضاف قائلاً لإذاعة صوت أمريكا: “هناك ارتفاع أسعار وقلة وفرة بالنسبة لوقود السيارات والمازوت للجرارات والشاحنات. لقد كانت مادة المازوت مدعومة من قبل الحكومة وكان سعرها 15 ليرة للتر. أما الآن فقد أصبح سعره أكثر من 30 ليرة، وهناك طوابير طويلة تقف في الشوارع لشرائه. لا تستطيع الحكومة دعم المازوت بعد الآن، سيزداد ارتفاع الأسعار وسيرتجف الناس برداً، الأموال تنفد من النظام السوري”. جوشوا لانديس، سيريا كومنت.

 “لا نعرف إذا كان هذا يعني أن السوريين سيتحركون لإسقاط النظام ولقتال الجيش، لم نر هذا سابقاً، ولكن ذلك يُنقص من شرعية النظام السوري، وكثير من رجال الأعمال سيرون أنه لن يصبح الحال أفضل إلا في حال تغير النظام”.

 بالإضافة إلى أن هبوط قيمة الليرة السورية وإيقاف التحويلات المصرفية سوف يخفض بشكل مفاجئ عدد الحوالات التي يرسلها السوريون الذين هاجروا من بلادهم طوال العقود السابقة، ونتيجة لذلك يرى خبراء أن حركة لجوء السوريين إلى الخارج سوف تزداد.

السياح الغربيون, الذين كانوا يتبضعون في دمشق في عام 2009 غادروا سوريا. (رويترز) (تحت الصورة).

قال لانديس: “سيغادر السوريون بلادهم”، وأضاف: “نحن نعلم ما قد تفعله العقوبات الاقتصادية بالدول. يمكن للعقوبات أن تحطم الدول التي تفرض عليها. ذلك يعني أنه لن يكون هناك مستقبل اقتصادي. وسيحاول الناس الخروج. سيكون هناك أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين. كل من أعرفهم في سوريا يحاولون الحصول على تأشيرات سفر الآن”.

 ثورة التجار السوريين

 إن شبح الانهيار الاقتصادي الكامل سيكون مرعباً بالنسبة لداعمي الأسد التقليديين. وهم غالباً من التجار والمتعهدين الذين ازدهرت أعمالهم تحت حكم الأسد.

يقول مرهف جويجاتي: “لا يمكن لرجال الأعمال أن يصدروا بضائعهم ولا أن يجروا تحويلات مالية بعد الآن”. وأضاف: “وهكذا سيكون أثر العقوبات خطيراً على مجتمع رجال الأعمال الذين ما زالوا حتى الآن يدعمون النظام”.

 “ولكنهم سيشعرون الآن بأن الأسد وعائلته ليسوا سبب الاستقرار كما يدّعون، سوف ينقلون أعمالهم إلى الخارج، لأن النجاح غير ممكن في هذا الوضع الاقتصادي المتردي، وهذا ما سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد”.

 “وهكذا سيكون أثر العقوبات خطيراً على مجتمع رجال الأعمال الذين ما زالوا حتى الآن يدعمون النظام”.

كما يرى خبير العقوبات هوفباور أن الأعمال التجارية التي ستستمر في سوريا ستكون مفتاح تغيير النظام. كما يعتقد أنه من المرجح أن يتمسك الأسد بالسلطة حتى النهاية القاسية، مقتدياً بصدام حسين ومعمر القذافي.

 “إن رجال الأعمال لا يريدون للبلاد أن تدخل في فوضى تهز الاستقرار، لأن كثيراً منهم لديهم أقارب وأصدقاء في قوات الأمن وسيؤدي ذلك بقوات الأمن إلى إعادة النظر ببقاء النظام، وهذه هي الطريقة النموذجية التي تسير فيها الأمور عادة. أعتقد أن الأسد لن يستطيع الاستمرار”. كما يقول هوفباور.

 يرفض كل من العراق ولبنان الدخول في عاصفة الإدانات التي يواجهها جارهما وحليفهما النظام السوري، لذالك ما زالت توجد بعض الثغرات في الأزمة المالية التي يواجهها الأسد، ولكن العقوبات الأخيرة المفاجئة التي فرضتها الجامعة العربية، والإجراءات الصارمة التي اتخذها المجتمع الدولي؛ ستؤثر على الجميع داخل سوريا، بدءاً من الأسد وحتى سائق الشاحنة في حمص وطلاب المدارس في حلب. وعندما يبلغون عتبة الألم قد تدخل الثورة السورية مرحلتها الأخيرة.

 المصدر:

Syria’s Business Class May Hold Key to Assad’s Downfall

Middle East Voices

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s