في السرير مع عدو العدو: نفاق اليسار الاستبدادي

في جدل مثير، يندد دوناشا ديلونغ بـ “النفاق الكبير”, ذلك الدعم غير المشروط المقَدّم من بعض اليسار الغربي للدكتاتوريين العرب ضد شعوبهم.

بقلم: دوناشا ديلونغ Donnacha DeLong
22 تشرين الثاني 2011

بينما احتفل الليبيون بحريتهم، ظهرت أجزاء من النفاق اليساري الكبير. إن لم تكن إدانة تدخل حلف شمال الأطلسي غير المحسوب سيئة بما فيه الكفاية،  فإن عدداً  كبيراً من الأشخاص أدانوا الثّوار وأشادوا بالقذافي. وكما بدأ العالم بالانتباه لما يحصل في سوريا حيث التصعيد الشعبي منذ أشهر، فإن الشيء نفسه يحدث لبشار الأسد.

كان القذافي أحد هؤلاء الدكتاتوريين المحبوبين من الاستبداديين اليساريين. من غير المفاجئ تجاهلهم لهذا العدد الكبير من جرائمه ضد شعبه كونهم لازالوا يكرمون لينين وتروتسكي. إنهم يتجاهلون جرائم البلاشفة ضد الشعب الروسي لضرورة إنقاذ الثورة، على الرغم من حقيقة أنهم دمروا الثورة ومهدوا الطريق لستالين، كما وصف ذلك كل من إيما غولدمان Emma Goldman والكسندر بيركمان Alexander Berkman وصفاً دقيقاً.

لننسى لوكربي Lockerbie والجيش الجمهوري الايرلندي، فلقد كانت جرائم القذافي ضد شعبه الأسوأ. سُجن المعارضون السياسيون و”اختفوا”، قُتل الكثير من السجناء حوالي 1,200 سجين عام 1996 في مجزرة سجن بوسليم، السجن الذي جعل بعض سجناء غوانتانامو ينظرون إلى ظروفهم وكأنها مرفهة.
تواطأ القذافي مع بريطانيا والولايات المتحدة خلال أسوأ أيام “الحرب على الإرهاب”، عندما قَبِل رحلات الترحيل السري للناس ليتم تعذيبهم. هذا صحيح، المناهض العظيم للإمبريالية تعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية والاستخبارات السرية  MI6 – اسأل عبد الحكيم بلحاج وسامي السعدي.

يبدو أن الناس قد نسوا أن كل شيء بدأ بالاحتجاجات ضد اعتقال فتحي تربل أحد نشطاء حقوق الإنسان، في شهر شباط الماضي. وتماماً كما حدث في تونس ومصر، هاجمت قوات الأمن هؤلاء المحتجين. ولكن على عكس تونس ومصر، لم يرحل القذافي، عوضاً عن ذلك وجه قوات بلاده العسكرية لمحاربة شعبه عندما انتشرت الثورة خارج بنغازي.

ماذا كان البديل لتدخل حلف الناتو؟ توغلت دبابات القذافي وحاصرت بنغازي، مسيطرة على كل شيء، دمرت بالفعل الزاوية واستعادت بعنف رأس لانوف والبريقة. واجه العالم خياران، إما السماح للقذافي بقتل واعتقال المزيد من الناس واحتمال سحق الثورة، أو تدخّل أحدهم. هل هناك  دوافع خفية لدول حلف شمال الأطلسي؟ من المرجح جداً. هل كان بمقدور أي شخص آخر التدخل؟ ربما، لكن لا أحد تدخّل.

كنت أفضّل أن يفعل الجيش المصري ما فعله الجيش الفيتنامي في كمبوديا عام 1978. لكان ذلك من الميزات الإضافية لإخراج الجيش خارج مصر حيث يحاولون اليوم قيادة مرحلة ما بعد مبارك. إلا أن ذلك لم يكن مدرجاً في جدول الأعمال. كان الخياران إما حلف شمال الأطلسي أو لا شيء، وأنا سعيد لأنه كان الخيار الثاني (حلف شمال الأطلسي).
يبدو أن أموراً فظيعة حدثت وتحدث الآن في سوريا –مثلها تماماً مثل أي ثورة في التاريخ. شخصياً أتحدى أي شخص أن يستشهد بثورة ضد ديكتاتور مثل القذافي أو مثل الأسد حيث كان الثوار بنقاء الثلج ولم يشاركوا في عمليات الإعدام. هل لدى الذين انتقدوا ما حدث للقذافي، وبعض من قواته، الشعور ذاته لما فعله الإيطاليون بموسوليني؟ أو ما فعله البلاشفة برومانوف Romanovs  عام 1981.

القصة الكاملة للثورة الليبية لم تُكتب بعد، إنها الآن في يد الشعب الليبي. أولئك الذين ينتقدونهم يُظهرون نقصاً مشيناً بالثقة والإيمان في قدرة الليبيين على خلق وضع جديد. على ما يبدو، ففي فكر اليسار الفاشستي (الاستبدادي)، يعود الإطراء فقط إلى الناس الذين كان من حسن حظهم وجود حكام ضعفاء لبلادهم تم التخلص منهم بسهولة، الثناء للمصريين والتونسيين، والإدانة لليبيين لأنهم تجرؤوا على طلب المساعدة.

أما بالنسبة لسوريا، آمل أن يكون التدخل غير ضروري. بشار ليس كوالده، الديكتاتور العربي القوي الذي أمر بمذبحة مدينة حماة عام 1982 والتي قُتل فيها عشرات الآلاف. بشار أرسل الجيش وقتل الآلاف، ولكنه لم يُظهر القسوة التي عُرف بها والده.

هو يبحث عن حل وسط- هذا الحل مثل التنازلات التي قدّمها كل من زين العابدين بن علي ومبارك قبل تنحّيهما، والآن بقية العالم العربي ينقلب ضده (العديد منهم منافقين). بل يبدو وكأنه حلق شاربيه احتجاجاً (مع أن هذه المعلومة غير جديرة بالذكر هنا)!

الحياة ليست أبيض وأسود. من الممكن انتقاد حلف شمال الأطلسي، وإدانة الحروب في العراق وأفغانستان، ولا يزال الأمر محموداً أن بنغازي لم تكن في نهاية المطاف مثل حماة عام 1982، وأن القذافي قد ذهَب. عدو عدوي ليس صديقي. شعب ليبيا وسوريا ليسا بيادقاً في لعبة السياسة العالمية ويستحقان طعم الحرية. الديمقراطية أبعد ما يكون عن الكمال، ولكنها أفضل بقليل من الدكتاتورية.

  المصدر:

In bed with the Enemy’s Enemy: on the hypocrisy of the authoritarian Left

Ceasefire Magazine

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s