برقية سوريا: من قلب المعركة في حمص، عاصمة الثورة ضد بشار الأسد
المعركة في سوريا: منشقون غاضبون، معارك ليلية يائسة، وإطلاق نار على أطفال يلعبون في الشارع
متظاهرون ضد الرئيس بشار الأسد في الحولة قرب حمص في وقت سابق من هذا الشهر- رويترز
بول وود Paul Wood – حمص – سوريا
26 تشرين الثاني 2011
استمر صوت إطلاق النار الكثيف من سلاح ثقيل في الظلام، بينما كان خمسة من الجنود يخبروننا كيف استطاعوا الانشقاق عن الجيش السوري مؤخراً لينضموا إلى الثورة. لم يتمكن سادسهم اللحاق بهم. قال محمد علي أحد الجنود المنشقين: “لقد سمعنا صراخه، ولكننا لم نستطع الرجوع، فقد كانت أعداد القوات المتدفقة إلى المنطقة كبيرة”.
لقد شقوا طريقهم بسرعة خارج القاعدة العسكرية تحت الرصاص للوصول إلى حي بابا عمرو في حمص. شاهدنا مسار الطلقات التي ارتدت شررها ذهاباً وإياباً على المباني لأكثر من ساعة. أما الآن، فقد خرج الناس إلى الطرقات ليعانقوا أفراد الجيش السوري الحر الجدد.
هاربون لتوهم، يظهر بخار أنفاسهم السريعة في هواء الليل البارد، شرحوا لنا لماذا بدّلوا جبهاتهم. أخبروهم ضباط الجيش بأنهم سيأتون إلى حمص ليقاتلوا “الإرهابيين”، إلا أنهم أُمروا بإطلاق النار على متظاهرين عُزّل في شوارع حمص في ذلك اليوم.
قال أحمد دالاتي: “لقد أعطونا أمراً بإطلاق النار على المتظاهرين، ولهذا قلنا “لا”، إنهم سلميون، ويريدون الحرية، نحن كلنا شعب واحد ودم واحد، لا نستطيع إطلاق النار عليهم بهذه البساطة.”
لقد كانوا متعبين وصامتين بعض الشيء بسبب فقدانهم رفيقهم. ولكن على ضوء مصابيح السيارة الأمامية، رقصوا رقصةً بسيطة أمام كاميرتنا، رافعين بنادق “الكلاشنكوف” فوق رؤوسهم، وهتفوا “الله محيي الجيش الحر”.
منذ انطلاقة الاحتجاجات الواسعة، حافظت الحكومة السورية على روايتها بوجود جماعات مسلحة تعمل على مواجهتها. بعد شهور من قتل المتظاهرين السلميين في الشوارع، أضحت الأسطورة حقيقة.
دخلنا سوريا من لبنان مع مهربي سلاح إلى منطقة تُعتبر متمردة. ونظراً لتزايد الطلب من الداخل السوري، فقد وصل سعر بندقية “الكلاشنكوف” في السوق السوداء في لبنان إلى حد1200 دولار/780 يورو.
بفعالية ملحوظة وعلى طول الطريق، مررنا بأعداد من المهربين والناشطين والمقاتلين. نُقلنا من الطرقات الخلفية تفادياً لنقاط التفتيش إلى أن تمكنا من الوصول إلى مدينة حمص، المركز الرئيسي لمعارضة النظام.
لحظة وصولنا إلى بابا عمرو، شاهدنا أفراد الجيش الحر على زوايا الشارع حاملين أسلحةً ثقيلة وقنابل صاروخية. إنه لمن المبالغة القول بأنهم يضبطون المنطقة إلا أنهم يزدادون ثقة بأنفسهم.
قال أبو محمد أحد الأشخاص الذين يقودون النضال في بابا عمرو: “في السابق كانت المخابرات إذا أرادت اعتقالك، تقوم بإرسال بعض الشباب على الدرجات النارية. أما الآن فهم مضطرون لإرسال آلاف الجنود، وحتى لو قرروا ذلك فإنهم سيُعيدون النظر في الأمر”.
لا يزال الشعور بالخوف خانقاً في بابا عمرو. كانت المنطقة محاصرة بالجيش وبمعسكرات الشرطة، احتلت المدرعات مراكز التقاء الطرق الرئيسية. غالباً ما كان هناك إطلاق نار. لم نستطع رؤية من يطلق النار، ولكن الناس أخبرونا بأن نقاط التفتيش غالباً هي التي كانت تطلق النار على المارة. في وقت لاحق عصراً، قُتل طفل يبلغ من العمر ست سنين نتيجة طلق ناري وهو يلعب أمام باب منزله.
شاركنا العائلة بالصلاة عليه في المسجد. وقف الرجال بصمت بالقرب من جثته والدموع تسيل على وجوههم. لم يراودهم أدنى شك بأن الذي أطلق النار على الطفل هو قناص تابع للحكومة السورية. اعتذر والد الطفل عن إجراء مقابلة مصورة معه وذلك بسبب احتمال اعتقاله من قبل قوات الأمن.
ذهبنا في أحد الصباحات باكراً مع اثنيّن من جنود الجيش الحر. أرادا الذهاب لمهاجمة قاعدة عسكرية، كانت قد اُستخدمت من قبل قناصة الحكومة لإطلاق النار باتجاه بابا عمرو.
انتظرا ساعة من الوقت، ثم استطلعا جندياً خرج ليدخن سيجارة. أطلق أحدهما الرصاص مرتين باستخدام بندقية M-16 الأوتوماتيكية المُهرّبة حديثاً من لبنان. أثناء هروبهما شرح الرجل الذي أطلق النار قائلاً: “لقد استهدفت رجله وساقه، ليصبح خارج الخدمة، لم أكن أريد قتله”.
يقول الجيش السوري الحر أن واجبه حماية المدنيين، وخاصة المتظاهرين في الشوارع المؤمنين بأنهم سيسقطون النظام. على الرغم من أننا كنا شهوداً على التسرب المستمر للجنود المنشقين، إلا أن هناك وحدة كاملة لم تنشق بعد. صرحت قيادة الجيش السوري الحر بأنهم يريدون تدخلاً خارجياً من الغرب لتحقيق ذلك.
يقول الملازم وليد العبد الله -أحد قادة الجيش الحر في حمص، وعلى الرغم من رتبته الصغيرة- بأن النظام سينهار بسرعة فيما لو وُجدت منطقة حظر جوي في سوريا على غرار منطقة الحظر الجوي التي فرضها الحلف الأطلسي (الناتو) على ليبيا.
وقال بأن: “هناك 70% من الجيش جاهز للانشقاق، ألوية كاملة مع ضباطها، حتى من القوات الخاصة. ولكن لا تجرؤ أي كتيبة على التحرك 10 أمتار، خوفاً من مهاجمة القوات الجوية لهم”. إلا أن المساعدة ليست قريبة وفي كل يوم يزداد النضال عمقاً.
في طريقنا إلى خارج سوريا، بقينا مع 12 رجلاً من مقاتلي الجيش الحر، ترّبعنا على الأرض، والأسلحة مسندة على الجدار، تباحثوا في إمكانية مهاجمة موقعٍ للجيش. أخيراً، قال أحدهم: “كلنا كنا مجندين إلزاميين”. قال آخر: “يجب علينا مهاجمة الشرطة السرية فقط”.
في النهاية وفي ساعات الصباح الباكر، هاجموا معسكراً بأسلحة ثقيلة وقنابل صاروخية، وقالوا بأنهم قتلوا جنديين وجرحوا اثنين آخرين.
سيكون هناك أكثر بكثير من هذا العدد. ينتقل النضال في سوريا لتحقيق الديمقراطية ببطء، وينقل البلد إلى حرب أهلية.
بول وودPaul Wood مراسل البي بي سي للشؤون العالمية. ذهب إلى سوريا مع المصور فريد سكوت. Fred Scott
المصدر
Syria despatch: inside the battle for Homs, centre of resistance to Bashar al-Assad
The Telegraph