كل مُصَلٍّ هو عدو محتمل للدولة
يوميات المواجهة ضد النظام السوري
بقلم نائل السعدي
يستمر القتال في الأقاليم السورية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ومازال، بالرغم من ذلك، يملك عدداً كبيراً من الموالين، وفي المقدمة، في العاصمة دمشق. الصحفي نائل السعدي راقب كيف يتصرف السوريون في خضم يوميات الثورة.
ورشة بناء في ضواحي العاصمة دمشق, فبينما تتحطم الوحدة الوطنية في سوريا يُبنى هنا من أجل الجيل القادم وبشكل غير قانوني لأن عين الدكتاتور المشددة مشغولة الآن. إنها تبحث عن الخونة، أي المتظاهرين. يتم التركيز على نقطة انطلاق الاحتجاجات، فكل مسجد مراقب. كل مصلٍ هو عدو محتمل للدولة. لايبدو أن أحداً ما يهتم لمايحصل فعلا في المناطق السكنية. مُلاّك البيوت يستغلون الوضع من دون تردد و يبنون المزيد من الطوابق السكنية الغير قانونية فوق بيوتهم. نادراً ما تجد بيتاً إلاّ وقد أُضيف له طابق رابع أو خامس من دون الحصول على الموافقة أوعن طريق الرشوة.
يجد المرء هنا تناقضاً. ففي الوقت الذي يمارس فيه الدكتاتور السوري أٌقصى درجات الوحشية, يمارس الناس في أطراف المدينة، ببساطة، الحرية. هل هذا هو النجاح الأول للثورة؟ بالكاد يبدو هذا صحيحاً, يخيب أصدقائي أملي. فهم يعتقدون أن النظام لايريد أن يبدأ مواجهة مع السكان الفلسطينيين الذين يسكنون هنا، بل عوضاً عن ذلك يسمح لهم بقليل من الحرية. تشتري السلطة ولاء الشعب السوري بهدايا صغيرة وكبيرة, ثلاثون بالمئة زيادة في الرواتب لكل عمال القطاع العام أو دقائق مجانية لخطوط الهاتف النقال.
„تقديراً للشعب الموحّد كقلب واحد وروح واحدة، وتقديراً للولاء لحكم الرئيس بشار الأسد, تهديكم شركة سيرياتيل هذه الجمعة ستين دقيقة مجانية للمكالمات المحلية“.
هذه الرسالة تأتي من شركة الاتصالات سيرياتيل. صاحب الشركة هو رامي مخلوف, ابن خال الرئيس وأحد أكثر الرجال ثراءً في سوريا. طبقا لجريدة الفايننشيل تايمز يمتلك هذا الرجل ستين بالمئة من الاقتصاد السوري. تلك الدقائق المجانية التي منحها لن تجد من يستخدمها في ذلك اليوم. فيوم الجمعة تتوقف كامل شبكة الهاتف الخليوي عن العمل أو يتم إيقافها؟ بكل الأحوال, إنه يوم الجمعة، اليوم الذي تجتمع فيه المعارضة في دمشق للصلاة و للتظاهر بعد ذلك، والنظام يريد إيقاف ذلك بكل الوسائل. عبر التشويش على وسائل الاتصال الالكترونية، أو قوات الميليشيا، أو عبرالإغلاق المؤقت للمساجد التي تّجمع فيها المتظاهرون مسبقاً.
التجمعات البشرية الضخمة كتلك التي تحصل في مباريات كرة القدم كانت حتى العام القادم غير ممكنة في سوريا. منذ شهر آذار لم يعد أحد يرى مبارة لكرة القدم في سوريا، فقوى الأمن تتمركز هناك. بالإضافة إلى
أن تلك الملاعب تحولت إلى مراكز لاعتقال المتظاهرين.
المسيرات الرسمية المؤيدة للنظام هي الشيء الوحيد المسموح، والمحبذ به. بطريقة مشابهه يتلقى كل سوري دعوة, مرة من أجل حفلة وطنية ضخمة في مركز مدينة دمشق ومرة من أجل احتفال في الشارع لرفع أطول علم سوري في العالم. وسكان العاصمة يشاركون طبعاً. الكثير منهم يشارك لأنه مؤمن بهذا النظام ومستفيد منه, والآخرون يشاركون لأنهم، إن لم يفعلوا، سيخسرون عملهم. الشباب، بشكل خاص، يحبون تلك المناسبات المدعومة حكومياً، فبأسلوب شبيه بأسلوب حفلات الحب، يسير هؤلاء الشباب وسط الشوارع التي عادة ماتكون مزدحمة بالسيارات. لا بد من وجود قليل من المرح، حتى وإن كان أبناء وطنهم، في الأحياء المجاورة، يقتلون يومياً.
دعابة سوداء غير مرغوبة أيضاً في شهر رمضان. يلعب الشبان من الصباح حتى المساء بأسلحة بلاستيكية، لكن عوضاً عن إطلاق النار على البشر, يصوبون بمسدسات هوائية على مصابيح الشارع حتى يعطبوها. هذا تقليد في شهر رمضان تماماً كإطلاق الألعاب النارية. أيضاً في الحي الذي أسكنه، في أطراف مدينة دمشق، يمكنك أن تسمع أصوات الفرقعة بغض النظرعن الأحداث اللي حصلت في الأسابيع الأخيرة.
هاجم شباب فلسطينيون المبنى الرئيسي لميليشيا النظام التي تراقب على حيهم. أُطلق النارعلى اثنين و عشرين شخصاً. استمر إطلاق النار لنصف نهار كامل حتى ساعات متأخرة من الليل. قامت وحدات خاصة بإطلاق رشقات من رشاشات على جدران المنازل كي لا يتمكن أحد من النزول إلى الشارع. نسي أطفال الجيران، أو تناسوا، سيناريوهات الحرب هذه تماماً، واستمروا باللعب بالمسدسات الهوائية حتى ساعة متأخرة من الليل.
تعوّد المرء في دمشق على اليوميات الجديدة. طلقات رصاص من بعيد، نقاط تفتيش في الشوارع، إغلاق للمدن، تشويش على الانترنت والخليوي. وبالرغم من القمع الدولة الوحشي فإن المتظاهرين لا يخضعون. كل قتيل جديد هو سبب لاستمرار المقاومة. وحتى السوريون الذين صمتوا في الماضي يتحسسون مناخاً جديداً. المحظور السوري القديم „ لاتتكلم في السياسة „ اختفى تماماً. يجب على الجميع، هذه الأيام، التحدث في السياسة، سواءً أكان المرء مؤيداً للنظام أو معارضاً للديكتاتورية.
المصدر:
Jeder Betende könnte ein potenzieller Staatsfeind sein
Dradio