هل يستطيع الرئيس السوري النجاة؟
لورا سميث-سبارك Laura Smith-Spark
18 تشرين الثاني 2011
(CNN) يبدو أن نظام الأسد يزداد عزلة يوماً بعد يوم مع استمرار حملة نظامه الدموية التي امتدت لثمانية أشهر ضد المحتجين المطالبين بالديمقراطية، حيث عبر جيرانه العرب عن عدم رضاهم عنه بتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية هذا الأسبوع, ضربة أثارت غضب دولة ترى نفسها في قلب الشؤون العربية. كما اتخذ الملك الأردني عبد الله الثاني خطوة أكثر حدة بقوله لقناة BBC بأنه لو كان في مكان الأسد لتنحى. إنه تصريح جريء واضح على غير العادة، حيث أتى بعد نداءات غربية تدعو الأسد للرحيل.
هذا وقد هددت تركيا, التي كانت حليفاً مهماً للأسد وشريكاً تجارياً, هددت بإيقاف إمداد سوريا بالكهرباء كما بدأ الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع تحركاً لتوسيع نطاق العقوبات لتشمل مزيداً من الأفراد المحيطين بالأسد.
كما دخل الصراع في سوريا مرحلة جديدة هذا الأسبوع, عندما هاجم المنشقون عن الجيش مواقع تابعة للنظام. زاد هذا الهجوم الضغط على النظام السوري – لقد نقلت وسائل إعلام عديدة كلام وزير الخارجية الروسي بأن مهاجمة مباني تابعة للنظام في سورية تعني “الحرب الأهلية”.
إذاً هل يستطيع الأسد البقاء متمسكاً بالسلطة؟ أم أنه سيكون رابع الرؤساء العرب الذين أُجبروا على التنحي عن السلطة في الربيع العربي, متبعاً خطى رؤساء مصر وليبيا وتونس المخلوعين؟ يقول خبراء بأن جميع الاحتمالات لا تقع في صالح الرئيس السوري.
وصرح ستيفين كوك Steven A. Cook، وهو زميل بارز لدراسات الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية، أنه من الصعب التكهن ما الذي سيأتي بعد رحيل الأسد، ولكن الضغط مستمر في هذا السياق. “إن الدعم التقليدي الخارجي الذي كان متوفراً له يتهاوى الآن”، قال كوك. “إن فرص نجاحه هذا الأسبوع أسوء من ما كانت عليه الأسبوع الماضي”.
إيميل هوكايم Emile Hokayem، عضو الأمن الإقليمي في مكتب البحرين للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، يرى أنه من غير المرجح أن يبقى الأسد متشبثاً بالسلطة. كما صرح بأن ثلاثة عوامل رئيسية سوف تسهم في سقوط الرئيس السوري بعد 11عاماً في الحكم.
العامل الأول يتمثل في أنه فقد شرعيته بنظر شعبه. “إنه من الصعب تخيل أي طريقة يمكن أن يسترجع بها شرعيته بعد مقتل ما يقارب 4000 مواطن سوري”، قال هوكايم. كما أن حصيلة القتلى حسب الأمم المتحدة تجاوزت 3500 شخص منذ بدء حركة الاحتجاج.
والعامل الثاني هو الاقتصاد، حيث أن العقوبات التي فرضها الغرب وتركيا بدأت تضعف نظامه، يرى هوكايم أن هذا العامل مهم، لأن الأسد قد يعمل جاهداً على الحفاظ على دعم النخب المدنية ورجال الأعمال الكبار في دمشق وحلب في حال تهاوى الاقتصاد.
أما العامل الثالث فهو الأمن، على الرغم من تحريك الأسد للجيش. وعلى عكس التحديات السابقة التي واجهها نظام الأسد، “هذه المرّة من يقود التحدي هو الشعب السوري ومن الواضح أن هدفه تغيير النظام ولن يقبل بأقل من ذلك”، قال هوكايم.
شاشناك جوشي Shashank Joshi، عضو مساعد في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن, يشك بقدرة الأسد على النجاة – ولكنه يرى أن ما قد يحدث غير واضح بعد.
إن قرار الجامعة العربية بإيقاف عضوية سوريا بعد فشل دمشق بالالتزام بالمبادرة السلمية التي طرحتها تلك الجامعة المؤلفة من 22 دولة، يشير إلى تغير في وجهات النظر والذي لم يكن ممكناً أبداً قبل شهر من الآن.
كما أن الجيش السوري يزيد انتشاره باستمرار، حيث أن الذين يقاتلونه يجدون مواقع للبقاء في الأراضي اللبنانية والتركية, كما قال جوشي Joshi.
وصرح بأن تركيا قد تقرر التدخل بشكل مباشر أكثر، وذلك عبر تشكيل منطقة عازلة على طول حدودها مع سوريا أو عبر إمداد الثوار بالسلاح. وأضاف أنه في هذه المرحلة، من الممكن حدوث حرب أهلية كما أن تغيراً سلمياً لرأس الهرم محتمل أيضاً.
مع ذلك، حذر جوشي من أن القبضة التي أمسكت السلطة لمدة 46 عاماً لن تتركه بهذه السرعة، مشيراً إلى الديكتاتور العراقي السابق صدام حسين.
كما قال جوشي أنه في عام 1991 خسر صدام حسين مؤخراً حرباً كبيرة، وفرضت عليه منطقة حظر جوي مرتين، عقوبات من الأمم المتحدة, كما فُرض حظر للنفط على بلاده، حيث كان يواجه انتفاضة شيعية في الجنوب، واستطاع أن ينجو من تلك العزلة الدبلوماسية الشاملة.
“ومع كل ذلك فقد صمد لمدة 12 عاماً”، قال جوشي “إن الأنظمة التي اعتادت العزلة، واعتادت العقوبات والضغوطات، يمكنها أن تصمد إلى أقصى حد”. وأشار جوشي إلى أنه حتى لو تم إجبار الأسد على الرحيل، فذلك لا يعني بالضرورة سقوط نظامه معه.
ويضيف جوشي بأن بشار الأسد لا يمتلك الثبات الراسخ الذي امتلكه أباه المتوفى الرئيس حافظ الأسد، والذي حكم سوريا بقبضة من حديد مدة ثلاثة عقود – حيث من الممكن أن يقوم آخرون من أركان حكمه المنتمين إلى الطائفة العلوية من إعلان ولائهم لأخيه ماهر، القائد العسكري، أو لأطراف أخرى في الجيش بدلاً من ذلك، حيث يقول في هذا الصدد: “قد يقرروا التخلص من بشار الأسد لحماية أنفسهم ضمن ما قد يصورونه كصفقة أو تسوية”.
ويستشهد على صحة كلامه بثورة الربيع العربي التي قامت في مصر، التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس حسني مبارك من سدة الحكم في شهر شباط، إلا أن الجيش لم يقم حتى الآن بتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة ديمقراطياً.
ويتوقع سلمان شيخ، مدير مركز بروكنجز الدوحة Brooking Doha Center أن الأسد سيرحل عن السلطة في النهاية، ولكن نظامه سيتمسك بالسلطة قد المستطاع، الأمر الذي يجعل الأمور في سوريا مشابهة لما حصل في ليبيا، وليس كما حدث في تونس، حيث فرّ الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى المملكة العربية السعودية.
و يرى شيخ “بأن الظروف تتهيأ لإيجاد تحالف قوي جداً” ضد الأسد، متمثلاً بتوحد الموقف العربي، وتركيا، والولايات المتحدة وأوروبا، والتي من المرجح أن تتحرك بقوة كبيرة نحو العقوبات، بالمقابل، فإن الأسد يمتلك عدداً قليلاً من الأصدقاء الذين يستطيع اللجوء إليهم طلباً للمساعدة.
ويبقى السؤال إلى أي مدى يمكن للنظام السوري الاتكال على الدعم الروسي، الحليف التاريخي لدمشق ومزود الأسلحة الرئيسي لها، فموسكو التي باعت ما قيمته 3,8 مليار دولار من الأسلحة إلى سوريا السنة الماضية، أي ما يمثل 10% من مبيعاتها من الأسلحة، تقوم حالياً بمد “شريان حياة” للأسد بالعمل بشكل مؤثر على تأخير أي إجراءات دولية ضده، وفق ما قال شيخ.
ففي حال استمرت موسكو بمعارضة الجهود الرامية إلى فرض عقوبات من مجلس الأمن على سوريا، كما هو متوقع، فإن كل الجهود الدولية التي تمثل موقفاً موحداً، على غرار تحرك حلف شمال الأطلسي لحماية المدنيين في ليبيا، ستذهب أدراج الرياح.
وفي هذا الصدد، يقول جوشي Joshi “بأن أي إجراء مشابه لذلك سينظر له على أنه حرب عادلة أو أنه اعتداء إمبريالي اعتماداً على ما إذا كانت روسيا ستسمح بتمرير قرار الأمم المتحدة بهذا الشأن”.
ومن المنتظر أن تقوم كلاً من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بتسليم مسودة قرار إلى مجلس الأمن الخميس لإدانة تصرفات الحكومة السورية، وفق ما صرح به ناطق دبلوماسي ألماني في نيويورك لمحطة CNN الأربعاء الماضي، وأضاف بأن دبلوماسيين من بلدان عربية سينظرون بعين الاعتبار لتبني مشروع القرار هذا.
ويبدو أن محاولة المعارضة السورية هذا الأسبوع الرامية إلى إقناع المسؤولين الروس بتغيير موقفهم ومطالبة الأسد بالاستقالة قد باءت بالفشل، فبدلاً عن ذلك، جددت موسكو دعوتها لإجراء حوار سلمي بهدف حل هذه المسألة.
ومن ناحية أخرى، يقول جوشي بأن للصين تاريخ طويل في معارضة أي إجراء من قبل الأمم المتحدة، إلا أنه وكما يبدو أنها ما زالت تعلق الرهانات على سوريا في الوقت الراهن، ما يخدم مصالحها في الحفاظ على استقرار المنطقة.
وبالنسبة لإيران، فيقول شيخ، مدير مركز بروجنيز الدوحة، بأنه كان لإيران تصريحات قوية داعمة للأسد في الأيام القليلة الماضية، ولكن تبقى طهران في النهاية تتصرف بشكل عملي وتسعى إلى بناء علاقات وطيدة مع المعارضة السورية.
ويبقى التهديد الأخطر، وفق ما يراه محللون، هو في حال بقاء الأسد أو رحيله، فإن سوريا تتأرجح على حافة الدخول في حرب أهلية، مع توجه بعض أطراف المعارضة كالجيش السوري الحر إلى حمل السلاح لقتال القوات المؤيدة للنظام.
فمن شأن حركة العنف هذه أن تقلل من فرص نجاح الحل السلمي للانتفاضة أو الانتقال السلس نحو الديمقراطية، ومما لا شك فيه أنه سيقود إلى خسائر أكبر في الأرواح، حيث يقول شيخ في هذا السياق: “إننا نرى دخولاً في مرحلة جديدة في الحالة السورية الآن، مع تعاظم التوجه إلى عسكرتها”، كما يضيف “أعتقد بأن احتمال الانتقال المنظم للسلطة قد انتهى، والآن سيكون هذا الأمر رهناً بمدى الضغط الخارجي، وأي دعم قد يتم تقديمه إلى المحتجين أو إلى أولئك الذين يقاتلون ضد النظام”، “وتبقى اللعبة الأساسية للمستقبل المنظور تركز على حماية المدنيين واتخاذ إجراءات من شأنها تأمين ذلك، كما رأينا في الحالة الليبية”.
المصدر:
Can Syria’s president survive?
CNN
http://edition.cnn.com/2011/11/18/world/meast/syria-assad-power/index.html