المـد يتحول ضد بشار الأسد
مع ارتفاع وتيرة العنف في سوريا، تتحول حكومات المنطقة وماوراءها ضد الرئيس الذي يعاني من عزلة متزايدة
19 نوفمبر 2011 – الإيكونومسيت
مدينة حمص، ثالث أكبر المدن السورية، على وشك الدخول في حرب أهلية، حيث تنقسم بخط طائفي متصدع يفصل بين مركز المدينة الذي يقطنه بالغالب المسلمون السنة وبين منطقة في الشمال الغربي يسيطر عليها مسلمون من الطائفية العلوية، وهم أقلية مسلمة يشكل متبعيها قلب نظام بشار الأسد ، وبالتالي تعتبر المدينة الآن مركزاً لهذا الصراع. ففي الخمسة عشر يوماً الماضية ، قتل أكثر من مائة شخص في المدينة ، في الوقت الذي تسعى فيه قوات الأمن جاهدة لاستعادة السيطرة على المدينة.
بين كل من مدينة حمص و مدينة إدلب الواقعة في الشمال الغربي ، وعلى الرغم من الانتشار المتزايد لنقاط التفتيش، يواجه رجال الأسد معارضة أشد من أي وقت مضى ، فبعد مرور أشهر من الاحتجاجات التي كانت سلمية بغالبيتها ، تعيش مدينة حماة، الواقعة شمال حمص، موجة متصاعدة من العنف أيضاً. ومع ازدياد أعداد المنشقين عن الجيش، إلى جانب ازدياد أعداد المدنيين الذين يحصلون على السلاح وينضمون إلى الصراع ، تزداد وتيرة سفك الدماء في كل أنحاء سوريا، ففي السادس عشر من شهر نوفمبر، قام عدد من المنشقين عن الجيش بمهاجمة قاعدة مخابرات في إحدى ضواحي دمشق ، و وفقاً لنشطاء في حقوق الإنسان ، فقد تضاعف معدل الوفيات في الخمسة عشر يوماً الأخيرة من هذا الشهر حيث لقي ما يقارب الـ 400 شخصاً حتفهم حتى الآن.
يمتلك العديد من السوريين المعرفة الأساسية باستخدام الأسلحة النارية ، ويعود ذلك إلى سياسة التجنيد العسكري لهم ، فهناك الكثير من الشبان الذين كانوا طلاب في الجامعات منذ أشهر قليلة ، وباتوا اليوم يحملون السلاح ، حيث يقول ناشط في هذا الصدد “إن عدد المنشقين عن الجيش غير واضح”.
على الجانب الشرقي من البلاد، في مدينة دير الزور، يقول أحد القاطنين في المدينة “إن النظام محظوظ إن مر عليه يوم دون خسارة عدد من رجال الأمن”، من ناحية أخرى ، فقد أصبحت المواجهات بين الجنود الموالين للنظام والمنشقين عن الجيش أمراً شائعاً في مدينة درعا الواقعة في أقصى الجنوب ، والتي كانت المهد الذي انطلقت منه الثورة في شهر مارس، حيث يقول أحد الشيوخ هناك “نحن لا نريد الحرب ، ولكن على ما يبدو أنه أمر محتم”.
على الرغم من أن كلاً من مدينة دمشق ومدينة حلب – ثاني أكبر المدن السورية – لم تشهدا عنفاً بحجم العنف الذي شهدته كلاً من حمص و حماة ، إلا أن حركة المعارضة للنظام تزداد فيهما أيضاً، وأكثر ما يثير الانتباه هو أن كبار رجال الأعمال الذين سبق لهم الاصطفاف إلى جانب النظام بدأوا بأخذ ممتلكاتهم خارج البلاد ، وباتوا مترددين بدعمهم للأسد الذي أمضت عائلته وقت طويل بزرع ثقافة الرأسمالية المبنية على المحسوبيات، وحتى بالنسبة للمسيحيين والعلويين الذين يشكل كل منهما حوالي عشر عدد السكان والذين كانت لديهم مخاوفهم من استبدال نظام الأسد بنظام سني ، أو ربما إسلامي، أصبح ولائهم للأسد محل تشكيك أكثر من قبل.
وما تزال الحكومة السورية قادرة على تنظيم تجمعات حاشدة دعماً للنظام في كل من دمشق و حلب، ولكن العديد من هؤلاء يحضرون هذه التجمعات تحت الضغط، فعادة ما يتم إغلاق الجامعات والمؤسسات العامة للتأكد بأنه ما من أحد لديه أي عذر للتغيب عنها ، إلى جانب أن العديد من الأشخاص الذي حاولوا الانضمام إلى المظاهرات المناهضة للنظام تم إطلاق الرصاص عليهم وقتلهم في 13 نوفمبر.
ومع السعي المحموم الذي يبذله الرئيس الأسد لاحتواء موجات الاحتجاج، يجري المد الدبلوماسي بشكل حاد ضده ، ففي الثاني من نوفمبر قام بقبول حزمة مقترحات تقدمت بها جامعة الدول العربية المؤلفة من 22 دولة ، تضمنت وعده بسحب قواته الأمنية من المدن ، وأن يطلق سراح المعتقلين السياسيين (يقال أن عددهم يتراوح بين 10.000 و 20.000 سجين)، وأن يسمح بدخول 500 من المراقبين الدبلوماسيين إلى سوريا ، إلى جانب الإعلام الأجنبي الذي ما يزال ممنوعاً من الدخول حتى الآن، بالإضافة إلى قبوله الانخراط في محادثات مع المعارضة تؤدي بالنهاية إلى انتخابات متعددة.
ولكن الرئيس الأسد قام بإطلاق سراح بضع مئات من السجناء فقط وتجاهل ما تبقى من الاتفاق ، الأمر الذي دفع بالجامعة العربية إلى تعليق عضوية سوريا بتاريخ 12 نوفمبر، وصرحت في اجتماعها المنعقد بعد أربعة أيام في مدينة الرباط بأنها ستقوم بفرض عقوبات اقتصادية في حال لم يذعن الأسد في غضون ثلاثة أيام.
كانت تلك بمثابة ضربات مدمرة للرئيس الأسد و نظامه، فلا بد أنه كان مصدوماً من شبه الإجماع الذي حظي به التصويت الذي جرى بتاريخ 12 نوفمبر ، وحده لبنان الضعيف ، الذي ما يزال يرزح تحت ظل النظام السوري ، إلى جانب اليمن المضطرب قاموا بالتصويت لصالح إبقاء سوريا في الجامعة العربية. إلا أنه من الممكن أن يكون تأييد لبنان للنظام السوري قد بدأ بالفتور بشكل متزايد ، فحكومته تواجه ضغوطا داخلية من القطاع المصرفي المؤثر الذي يخشى من عقوبات غربية ، وكذلك الأمر من قبل المعارضة النشطة المناهضة لسوريا.
من جهة أخرى، فإن حركة حماس الفلسطينية الإسلامية التي تتخذ من دمشق مقراً رئيسياً لها منذ زمن طويل، قد نأت بنفسها تماماً عن نظام الأسد.
الجزائر والسودان، اللتان عادة ما تكونان داعمتان للقمع، قامتا كذلك بالتصويت ضده، أما العراق الذي تقوده حكومة شيعية ، والذي يعتبر جاراً مهماً لسوريا من جهة الشرق ، والذي يخشى قيام نظام سني بدلاً عن نظام الأسد العلوي، فضل الامتناع عن التصويت. من جانبه قام الملك عبدالله ، ملك الأردن ، الجار الآخر المهم لسوريا، والذي التزم الحياد بحذر حتى وقت قريب، بدعوة الأسد صراحة إلى التنحي، كذلك كان الامر بالنسبة للمملكة العربية السعودية، العضو الأكثر تأثيراً في مجلس التعاون الخليجي، والتي انقلبت منذ زمن طويل ضد نظام الأسد.
وجاءت الضربة الاكتر ثقلاً إقليمياً من تركيا الجارة، التي كانت تصريحاتها أشد صرامةً بدعوتها للنظام السوري بالإصلاح أو الموت، واستضافت حكومتها المجلس الوطني السوري الذي يمثل الكيان الرئيسي للمعارضة السياسية، كما هيئت قاعدة إنطلاق لقادة الجيش السوري الحر وهو مجموعة متنامية من الجنود المنشقين، وهددت مؤخراً بقطع الكهرباء عن شمال سوريا.
من جهة أخرى ، تبقى المشادات بين المعارضة الداخلية والخارجية قائمة لا محالة، على الرغم من أن المجلس السوري الوطني يقوم بعمل جيد من خلال حفاظه على جبهة عريضة تتضمن تمثيلاً قوياً من الإخوان المسلمين وكذلك من العلمانيين والليبراليين، وقد يكون بعض أعضاء المجلس السوري الوطني استعجل برسم آمال سابقة لأوانها على غرار التجربة الليبية ، وذلك بتوقعهم البعيد عن الحكمة بأن الغرب والأمم المتحدة سيقومون بفرض منطقة حظر طيران على سوريا، ويأخذون على عاتقهم مسؤولية حماية المدنيين.
وعلى الرغم من المطالبات القوية المتزايدة الصادرة عن الجامعة العربية بضرورة انخراط الأسد في حوار بناء، إلا أن الأخير لا يبدو على وشك القيام بذلك، ولكن مساحة المراوغة التي كانت لدى الأسد باتت أضيق بكثير مما كانت عليه منذ شهر مضى.
المصدر:
The tide turns against Bashar Assad
The Economist