الحصيلة المروعة للعنف في سوريا

الحصيلة المروعة للعنف في سوريا

سوريا تدخل في مرحلة دموية بعد انتفاضة دامت 8 أشهر.  لكن هل عدد القتلى كاف لإسقاط الرئيس بشار الأسد؟

ديفيد كينر DAVID KENNER

17 تشرين الثاني 2011

في ساعات الصباح الباكر من يوم16  تشرين الثاني، قام الجيش السوري المنشق بغارة جريئة على مقر مخابرات القوى الجوية في المشارف الشمالية من دمشق.  إن هذا الهجوم الذي اُستخدم فيه الأسلحة الثقيلة والمدافع الرشاشة، لم يهز العاصمة السورية فقط، بل لقد أحرز ضربة في قلب النظام- حيث كانت القوى الجوية القاعدة الداعمة للرئيس السابق حافظ الأسد عندما سيطر على الدولة السورية في عام 1970-  وخلال الاضطرابات الحالية استخدمت أجهزة مخابراتها في القوات المسلحة من أجل سحق المعارضة. وعلى ذلك فقد حلقت طائرات الهليكوبتر فوق المنطقة وسُمع دوي إطلاق نار في جميع أنحاء الحي، ولم تُشر وسائل الإعلام الرسمية السورية إلى هذا الهجوم.

الهجوم الدقيق بلور ما اُعتبر الشهر الأكثر دموية في سوريا حتى الآن-  وربما يكون نقطة التحول في الانتفاضة منذ 8 أشهر ضد حكم الرئيس بشار الأسد. وبينما استهدف الجيش السوري المنشق رموز السلطة، واصل النظام حملته على المتظاهرين السلميين، لاسيما في مدينة حمص المضطربة ومحافظة حماة. ومع التعنيف المهدد بالخروج عن السيطرة، فقد دعا رئيس الوزراء التركي العالم إلى “سماع صرخات” السوريين كما دعا الجهود الدولية لإيجاد حل للأزمة المتفاقمة.

ومن الممكن أن يضاعف نظام الأسد الضغوط على الإجراءات القمعية في محاولة لكسب اليد العليا ضد خصومه، خاصة وأنه يجد نفسه في عزلة متزايدة على الصعيد الدولي. ومع استعداد جامعة الدول العربية لتعليق عضوية سوريا في الجامعة، فإنه لم يعد للأسد إلا ثلة من الأصدقاء ليسترضيهم عن طريق الحفاظ على الأسباب الضعيفة.

لم يكن الأمر دائماً على هذا النحو. فقد تصاعدت أعمال العنف في نيسان، والتي حدثت بسبب اقتحام درعا- أول مركز رئيسي للتمرد-  وما تلاها من هجمات على أيدي قوات الأمن السورية على المشيعين في موكب جنائزي لتشييع أحد المحتجين. ولكن خلال الصيف- على الرغم من الهجوم قبل شهر رمضان في قلب حماة والقصف على المحتجين من قبل الدبابات والسفن الحربية في مدينة اللاذقية–  فإن نظام الأسد نجح في تحقيق خسائر كبيرة. ومع ذلك فمنذ شهر آب، تدرجت الوفيات مرة أخرى إلى أعلى نسبها. إذا استمرت الاتجاهات الراهنة كما هي، فقد يفقد 800 شخص آخر حياتهم في سوريا هذا الشهر.

وكما امتدت الثورة السورية، فإن طبيعة حركة الاحتجاج تغيرت هي بدورها. في الأشهر الأولى، حدثت المظاهرات في يوم الجمعة، وهو يوم صلاة الجمعة للمسلمين، حيث نظم السوريون أنفسهم في المساجد قبل الخروج إلى الشوارع بكثافة. وقد خُلدت طبيعة انفجار هذه الاحتجاجات الأسبوعية في رسم رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات، حين رسم الأسد باكياً وهو يقلب ورقة التقويم إلى يوم جمعة آخر.

ومع ذلك فإن الاحتجاجات لم تعد مقتصرة على أيام الجمع. كما أن تحسناً ملحوظاً طرأ على مناهج تنسيق الناشطين، حيث عثر السوريون على طرق لتنظيم أنفسهم خارج المسجد. مع أن خطر قيام الحملة من قبل النظام قائم إلى حد كبير، فقد احتج السوريون في الليل-  وهنا في مدينة إدلب، على سبيل المثال- لتجنب التحديد. في حالات أخرى، كالمظاهرة التي حدثت في قلب دمشق، نظّم السوريون احتجاجات مفاجئة حيث جرت بسرعة عبر حي دمشقي لتجنب الوقوع بأيدي قوات الأمن الحكومية.

وبما أن الاحتجاجات امتدت لتشمل كل أيام الأسبوع، فإن خطر الوقوع ضحية العنف في سورية لم يعد يقتصر على يوم واحد. خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حركة الاحتجاج، قُدر عدد الذين قضوا يوم الجمعة أكثر من40%  من إجمالي عدد القتلى. ومع ذلك، فمنذ آب وحتى منتصف تشرين الثاني، تم تسجيل حوالي  20%حالة وفاة فقط في يوم الجمعة. بعبارة أخرى، ليس يوم الجمعة وحسب هو اليوم الوحيد الذي سيجبر الأسد على الانحناء أو الرضوخ.

عدد القتلى في سوريا، إذن، تأخذ الأنفاس، فعلى مدى 8 الأشهر الماضية، تجاوز أعداد الذين فقدوا حياتهم من السوريين أعداد الفلسطينيين الذين قُتلوا على مدى 4 سنوات من الانتفاضة الثانية. يعادل عدد الضحايا الآن تقريباً عدد الجنود الأميركيين الذين قُتلوا خلال الحرب على العراق بأكملها. ولا تظهر أي علامة على تراجع العنف. (إن عدد قتلى المدنيين في العراق وأفغانستان، والتي تقاس بعشرات ومئات الآلاف، ستغدو ضئيلة أمام هذه الأعداد المدرجة في الجدول).

بالمقارنة مع ربيع الانتفاضات العربية الأخرى، فإن ليبيا- والتي عصفت بها حرباً أهلية شاملة بالإضافة إلى حملة حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة- شهدت إراقة للدماء أكثر بكثير من سورية. في حين أن مصر وتونس اختبرتا تشنجات العنف، فإن عدد القتلى اقتصر على واقع أن المتظاهرين كانوا قادرين على التغلب على الأنظمة الحاكمة بسرعة، وإعادة بعض مظاهر النظام. في البحرين، فقد كان العكس صحيحاً تماماً: إن نجاح النظام الملكي في سحق الاحتجاجات في الشوارع منعت أكثر الانتفاضات والحملات المحتملة عنفاً. (ومن المرجح أن يكون سفك الدماء في اليمن الأقرب لما يعادله في سوريا، ولكن لا توجد إحصاءات كاملة للضحايا هناك. وقد صرح مسؤول يمني في تشرين الأول أن1480  شخصاً قتلوا منذ بدء الاضطرابات في شباط إلى25  أيلول).

لقد روعت حملة الأسد المجتمع الدولي، فانقسمت تحالفاته، وحفزت الغضب الداخلي المُهدِّد لإسقاط نظامه وتمزيق بلاده. ويبدو أن الأمور ستزداد سوءاً قبل حدوث الأفضل.

المصدر:

http://www.foreignpolicy.com/articles/2011/11/17/the_grim_toll_of_syria_s_violence?page=0,0

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s