خطر التصعيد القادم في حمص

ستراتفور – الخميس 10 نوفمبر 2011

حصلت ستراتفور على معلومات تفيد بأن ضباط الجيش السوري ينصحون مساعديهم بضرورة إجلاء أقاربهم من المناطق التي يتمركز فيها المسلمون السنة في مدينة حمص، حيث أن الجيش يتحضر لتشديد عملية القمع المستمر في أكثر المدن السورية اضطراباً. ووفقاً للمصادر، فقد أعطى الرئيس بشار الأسد أوامره للحرس الجمهوري لاتخاذ الإجراءات اللازمة “لإنهاء” الانتفاضة في حمص قبل نهاية الأسبوع القادم. وقد قضت الأوامر المعطاة لقادة الحرس الجمهوري باستنثاء منطقة (النزهة) و أجزاء من منطقة (الزهراء) في حمص من القصف حيث يقطن أغلب العلويين الموجودين في حمص.

إن هذا التصعيد الصارم والمستمر في حمص يعود بنا بالذاكرة إلى مجزرة حماة في العام 1982 ، حيث قام الرئيس الراحل حافظ الأسد بتدمير المدينة التي تسكنها الأغلبية السنية بشكل شبه كامل بهدف القضاء على الانتفاضة التي اندلعت فيها بقيادة الأخوان المسلمين. أسهمت هذه الاستراتيجية، والتي كلفت ما يناهز الأربعين ألف قتيل، في تقوية قبضة الأسد على السلطة ودفعت الأغلبية السنية المعارضة في سوريا للإذعان على مدى ثلاثين عاماً من حكم نظام الأقلية العلوية.

الآن فإن الحرس القديم ذاته، الذي دعم الرئيس الأب، هو من يحيط ببشار الأسد، الرئيس الشاب الذي يواجه احتجاجات مستمرة في المناطق الريفية.

ومما لا يدعو للشك، فإن العديد من المستشارين والقادة العسكريين، من الذين تم استدعائهم للخدمة، يدافعون عن ضرورة استخدام الاسترتيجية نفسها التي استخدمت في مدينة حماة بهدف إجبار المحتجين السوريين على العودة إلى بيوتهم. لكن النظام لم يعد قادراً على القيام بعمليات قتل واسعة بعيداً عن مرأى العالم، ففي العام 1982، كانت مجزرة حماة مجرد خبر عابر دفن في صفحات النويورك تايمز. أما اليوم، ومع انتشار وسائل الإعلام الضخم، فإن الأخبار تصل إلى العالم بمجرد الضغط على زر الإرسال على موقع اليوتيوب حيث لا يوجد قدر كاف من السيطرة تسمح للأسد بارتكاب عملية قمع على غرار مجزرة حماة بعيداً عن أعين العالم. لذلك يتوجب على الأسد أن يكون حذراً بعمليات القمع التي يرتكبها نظامه ، إذ عليه أن يتجنب إثارة الغضب والضغط الأخلاقي الذي دفع بحلف شمال الأطلسي– الناتو– للتدخل في ليبيا بموجب تفويض للحيلولة دون ارتكاب مجزرة في مدينة بنغازي التي يُحكم الثوار سيطرتهم عليها في الجزء الشرقي من البلاد.

في الوقت ذاته، على النظام أن يدرك بأن كل عمليات القمع التي قام بها لم تتمكن من وأد الاحتجاجات. فعلى الرغم من إنقسام المعارضة وضعفها الشديد إلى درجة عدم قدرتها على الإطاحة بالنظام، يبقى إصرار المتحجين قوياً بما يكفي لاستمرار ازمة الأسد السياسية.

يحتاج الرئيس السوري إلى إنهاء هذه المشكلة، ويبدو أنه بات ميالاً إلى إجراء عمليات قمع شديدة في حمص لتكون عبرة للمعارضة ، ولكن يبقى السؤال ، إلى أي مدى يرغب الأسد فعلاً أن يراهن على حمص.

فالأسد لا يريد أن يخلق وضع جديد يدفع بخصومه في الخارج من الولايات المتحدة إلى تركيا و فرنسا للوصول إلى حد تنفيذ خطاباتهم. يمكن للنظام أن يحتمل كعادته التوبيخات الدبلوماسية المطولة ولكنه بحاجة أن يبقي خصومه الخيار العسكري بعيداً عن الطاولة، وهناك العديد من العوامل التي تصب في مصلحة الأسد في هذا الشأن.

تحظى الأحداث في سوريا باهتمام كبير من الصحافة ولكنه لا يصل إلى حد التغطية الشاملة. في الواقع، لقد بات العالم بأسره على اطلاع بشكل متنام على تقارير القتل التي تحدث في سوريا، ومن المؤكد بأن تصعيداً كبيراً في حمص من شأنه أن يسلط الضوء ويجذب الاهتمام للأحداث هناك. لكن تبقى النقاشات، حول كيفية الضغط على الأسد للتراجع عن سياسته هذه، هي مجرد أفكار يتم تداولها.

فتركيا، التي تجاور سوريا والتي كان لها الصخب الأقوى بتوجيه الإنذارات ضد نظام الأسد، هي أول بلد بنبغي له البحث عن استجابة، فما تم تسريبه في الصحافة العربية والتركية من عزم تركيا على إقامة منطقة عسكرية عازلة على طول الحدود مع سوريا بهدف تحويلها إلى ملاذ آمن للمعارضين السوريين كانت تهدف إلى إيقاف الأسد. لكن تركيا غير مستعدة للمضي في مثل هذا الإجراء، خاص أنه لا يوجد هناك أي دلالة عن أن نظام الأسد بات في أيامه الأخيرة، أو أن تهديدات الانفصاليين الأكراد المتواجدون على الحدود السورية التركية قد وصلت إلى مستوى حرج.

وبما أنه لا يوجد هناك أي جزء من سوريا بعيداً عن متناول يد الجيش السوري فإن منطقة الحظر الجوي التي فرضها حلف شمال الأطلسي فوق ليبيا، والتي حالت دون قيام قوات الزعيم الليبي معمر القذافي بارتكاب مجازر شاملة في مدينة بنغازي شرقاً التي شكلت ملاذاً للثائرين، لا يمكن تطبيقها في سوريا. علاوة على ذلك، فإن المعبر الطبيعي الذي قد يسلكه المعارضون في حمص للنجاة بأرواحهم ليس باتجاه الشمال إلى تركيا وإنما جنوباً على بعد بضعة أميال باتجاه سلاسل الجبال المواجهة للبنان على الحدود اللبنانية السورية، حيث تستطيع القوات السورية في هذه المنطقة إطباق الخناق إلى حد كبير على مرور المعارضين ومنع وصول الموارد لهم. كما أنها تنشر شبكة تجسس تمكنها من الوصول إلى العمق اللبناني. لذلك فإن عزم تركيا على إقامة منطقة عسكرية تركية عازلة سيكون لها تأثير محدود على الأزمة الإنسانية التي بدأت تلوح في مدينة حمص.

من ناحية أخرى، فإن فكرة التمويل السعودي و دعم تسليح المعارضين السوريين عبر الحدود تبقى خياراً آخراً تأخذه أنقرة بعين بالاعتبار. إلا أن تركيا لا ترغب بأن ينتهي بها الأمر إلى الغوص في معارك مع وكلاء المليشيات المسلحة، إذ بإمكان سوريا و حلفائها في إيران العمل على دعم حزب العمال الكردستاني واستغلال المخاوف التركية من الانفصاليين الاكراد.

سوريا، كما إيران، ترى في الولايات المتحدة خصماً لا يمكن التكهن به، وبالتالي فإنها تشعر بالقلق للغاية من إثارة التدخل الأمريكي. بالمقابل، فإن واشنطن لديها الكثير مما يشغلها، فهي تحاول أن تنهي حربها في افغانستان وتتجهز للتعامل مع عواقب الانهيار الوشيك لمنطقة اليورو، ووضعها مع إيران حساس جداً خاصة مع اقتراب الموعد المحدد للانسحاب من العراق. لذلك فهي لا تمتلك نية لإشعال أي صادمات طائفية أخرى في المنطقة، الأمر الذي من شأنه أن يقيد قدراتها العسكرية المحدودة أصلاً.

وكما هو الحال في ليبيا، فإن سوريا تفتقر إلى معارضة متماسكة تتمكن من تحديد ماهية النظام الذي يمكن له أن ينبثق كبديل لحقبة نظام الأسد. ويبقى هذا هو السؤال المطروح في واشنطن كلما دار النقاش حول المسألة السورية.

لا تملك الجامعة العربية أي تأثير على الوضع في سوريا، فنظام الأسد لم يتردد علانية في خرق الاتفاقية التي وصل إليها الأسبوع الماضي مع الجامعة، والتي تقضي بإيقاف عمليات القمع وسحب العربات المصفحة الثقيلة من الشوارع .

قد تعمل المملكة العربية السعودية على بذل جهود متضافرة لتمويل وتسليح المعارضة، ولكنها قد تواجه الكثير من العقبات الكبيرة نظراً للمسافات البعيدة لعملية كهذه، خاصة بعد ما أثبتت القوات السورية براعة بالسيطرة على حدودها.

أثار التصعيد الذي شهدته حمص مناقشات خاصة بين أعضاء الجامعة العربية حول إمكانية طرد سوريا من الجامعة العربية في الأيام القادمة، لكن هذا التصعيد الدبلوماسي لن يكون له الأثر الكبير في إيقاف عمليات القمع التي يقوم بها النظام وعلى الأغلب سيسهم بشكل أكثر في تقوية التحالف السوري – الإيراني.

حتى إن عمدت الجامعة العربية إلى أخذ المسألة السورية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاتخاذ الإجراءات اللازمة، كما شاع في الأيام الأخيرة، فإنهم سيواجهون الفيتو الروسي في حال كان الهدف من الإجراء المقترح يتجاوز الرفض الدبلوماسي.

من الأرجح أن كل هذه العوامل يتم أخذها بعين الاعتبار من قبل الأسد ومستشاريه وهم يقررون مدى شدة العمليات القمعية المزمع شنها في حمص. فالنظام، ووفقاً لحساباته الخاصة، يعتقد بأنه ما زال يمتلك الوقت للمخاطرة، والتي لن تتضمن فقط التدخل الأجنبي وإنما أيضاً احتمال فشل عمليات القمع في تحقيق أهدافها. فحتى الآن، لم تصل أعداد المظاهرات إلى الحد الحرج، ولكن من ناحية أخرى، لم تتمكن إجراءات النظام من قمع أولئك الذين يصرون على المخاطرة والاستمرار في احتجاجاتهم.

إن الإدراك والوعي يعتبر ضرورياً جداً في هذه المعركة، فلو أدت عمليات القمع الشديدة إلى تقوية عزيمة المعارضة فسيكون النظام قد تسبب في تفاقم الأزمة التي يعاني منها. ولكن بالنظر إلى التصعيد المتواصل الذي نشهده في حمص، يبدو أن النظام ماض للدخول في هذه المقامرة.

المصدر:

Syria Set to Risk Homs Escalation

Stratfor

http://www.stratfor.com/memberships/204519/geopolitical_diary/20111110-syria-set-risk-homs-escalation

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s