الطبقة الراقية في دمشق تتشبث بامتيازاتها الوهمية
ياسمين رومان Jasmine Roman
7 تشرين الثاني 2011
“لا أريد أن أكون حبيسة منزلي وأن أحرم من تدخين النرجيلة كل ليلة في مطعم جميل، فقط بسبب بعض العصابات تصرخ من أجل ما يسمونه بالديمقراطية والحرية”، هذا ما همست به بنبرة غاضبة إحدى صديقاتي منذ بضعة شهور –وهي امرأة تنتمي إلى عائلة ثرية في دمشق.
كثيراً ما تتم مناقشة الفكرة القائلة بأن النخبة والطبقة الوسطى الراقية السورية تعيش في قوقعتها الخاصة في دمشق، حيث يشير البعض إلى وجهات نظر ومشاعر القلق والمخاوف لدى هذه الطبقات حول مصالحها على أنها قد تكون أحد الأسباب الرئيسية لابتعاد الاحتجاجات عن دمشق، صُعق الناس في بداية الاضطرابات بالفوضى الحاصلة مما أدخلهم في حالة من النكران معتقدين بأن ما يحدث هو حالة مؤقتة سيتم معالجتها بطريقة ما. ولكن مع تصاعد الاحتجاجات المتتابعة أيام الجمع تغير المزاج، فالنخب بشكلٍ خاص ترغب بالعودة إلى نشاطاتها الاجتماعية ونمط حياتها المترف.
حتى بعد أن اشتدت الاحتجاجات إلى أقصى مدى بقيت المطاعم والمقاهي مزدحمة، كما تم حجز حفلات صاخبة بجانب المسابح وإقامة احتفالات خاصة في الفيلات. أفراد الطبقة الراقية الذين يعيشون في دمشق يظهرون قدراً قليلاً من الرغبة في تعريض استقرارهم ومنافعهم ومكانتهم الرفيعة للخطر في سبيل بضعة شعارات، حيث يمنحهم نفوذهم المالي السلطة، بالإضافة إلى حرية ومكانة رفيعة نسبيتين ماداموا يحافظون على انتقاداتهم العنيفة للمحتجين ومطالبهم.
كتب جوشوا لانديس Joshua Landis –أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة أوكلاهوما– صاحب مدونة تعليق سوريا Syria Comment “لدى الطبقات الثرية الكثير لتخسره في ظل حالة عدم الاستقرار طويلة الأمد، والمعارضة غير قادرة على طرح أي سيناريو مقنع لانتقال سلمي إلى الديمقراطية أو تغيير النظام، فهم يخافون عدم الاستقرار أكثر مما يخافون قمع النظام.”
في الحقيقة تبدو الحياة في دمشق من الناحية الظاهرية اعتيادية نسبياً، ولكن ما هي الحقيقة؟ قالت لي امرأة تنتمي إلى الطبقة الوسطى الراقية “إنني أخرج بشكل أقل بكثير، كما أنني لا أحس بالمرح كما كنت من قبل. أعتقد بأن الناس الذين يملؤون المطاعم في دمشق هم مثلي يتظاهرون بالسعادة، لا أعتقد بأنهم غير مبالين بما يحصل ولكنهم يحاولون إيجاد آليات وطرق لكي لا يتأثروا بالأحداث المأساوية.”
في محل حلاقة فاخر في أغنى أحياء دمشق يتم عرض محطة تلفزيون الدنيا “المستقلة” –والتي هي في الواقع ناطقة بلسان النظام– على شاشة بلازما ضخمة، “نريد أن نتخلص من المخربين الذين يضرون ببلدنا، أتمنى أن يموتوا جميعهم قريباً جداً، نريد أن نستعيد أعمالنا” يقول أحد الأثرياء.
كثيراً ما يستخدم الدمشقيون هذه الأيام تعابير من قبيل “مخربين”، “مجرمين”، “عصابات مسلحة”، “مجموعات إرهابية”، وغيرها من العبارات الطنانة، هذه هي اللغة نفسها المستخدمة من قبل الإعلام الرسمي بشكل خاص، المثير للسخرية بأن هؤلاء السوريين الأثرياء أنفسهم كانوا في السابق يركزون نقدهم اللاذع على قنوات الحكومة السورية: نشرات أخبارها، برامجها، ومذيعوها ذوي الطراز البالي.
[الأولويات المختلفة تأتي على الترتيب منذ الانتفاضة]، فقد تلقى الاقتصاد صدمة شديدة، أصبح وقع العقوبات الأمريكية والأوروبية محسوساً بشكلٍ أكبر، كما يظهر من الحظر الذي تم فرضه مؤخراً على الواردات التي تخضع لتعرفة جمركية تزيد عن 5 بالمئة، المعدل المرتفع للبطالة، الزيادات الحادة في الأسعار، الهبوط الكبير في قطاع السياحة (الذي شكل في العام الماضي ما نسبته 12 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي)، ندرة السلع المتزايدة، توقعات النمو البطيء، جميع هذه المؤشرات دفعت الناس إلى التأمل فيما يمكن أن يحدث في المستقبل.
إلى متى ستبقى الطبقات الراقية ورجال الأعمال قادرين على تجاهل الأحداث؟ إلى متى يستطيعون الاستمرار بأعمالهم وبولائهم للنظام؟ هل سيحاولون أيضاً أن ينشقوا عن النظام ويعودوا بعد فترة الاضطراب لاستعادة إمبراطورياتهم القديمة؟ وهل –كما تقول الشائعات– يقوم بعض هؤلاء بدعم المعارضة المقيمة في الخارج والمرتبطة ببعض العائلات العريقة داخل سوريا؟
من المؤكد بأن الناس الأغنياء يخسرون تدريجياً امتيازاتهم بالإضافة إلى صبرهم، سيتأثرون قريباً بالحالة الاقتصادية والسياسية والأمنية، ولكن من ناحية أخرى فإن الناس ذوي الدخل المتدني يدفعون الثمن الأغلى.
فعلى سبيل المثال، بدأ الناس الفقراء يشعرون بندرة “مازوت” التدفئة، فعليهم أن يسجلوا أسماءهم لدى مؤسسة التوزيع العامة المعروفة باسم “سادكوب” والتي لا تستطيع تلبية مطالبهم، بينما يستطيع الأثرياء دوماً أن يدفعوا ضعف السعر بالإضافة إلى الرشوة من أجل الحصول على المازوت. لقد كانت أسعار الوقود المرتفعة على رأس المطالب التي قُدمت إلى الرئيس بشار الأسد منذ اللحظة الأولى لبداية الاضطرابات.
مؤخراً ذكر مهندس يعمل لدى الدولة بأن “الحكومة تضغط على شعبها وتحاول أن تقول لهم بأن عليهم إما أن يكونوا موالين لها، أو أنهم سيُحطمون ويموتون من الجوع.”
إنه مشهدٌ معقد يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، ستضر العقوبات بالاقتصاد من دون شك، ولكن رجال الأعمال والشخصيات البارزة في النظام هم الأكثر تحصيناً على المدى القصير، في حين سيكون السوريون العاديون من ذوي الدخل المتدني الأكثر تأثراً في البداية.
كاتب هذه المقالة يكتب من داخل دمشق مستخدماً الاسم المستعار “ياسمين رومان” لإخفاء هويته.
المصدر:
Damascus’s upper class clings to its privileged illusions
The National