الثورة الرقمية المضادة في سوريا
31 آب 2011
فيما يقوم الرئيس الأسد بإرسال الدبابات لقمع المتظاهرين في سوريا، تقوم القوات المؤيدة للنظام بإطلاق حملة موازية ضد الانتفاضة، ولكن على جبهة أخرى، هي الإنترنت. مجموعة من قراصنة الإنترنت الموالين للنظام – يلقبون أنفسهم بالجيش السوري الإلكتروني- يقومون بشن هجمات على معارضي النظام والمتعاطفين معهم داخل وخارج سوريا . علاقة النظام بالجيش الإلكتروني السوري غير واضحة، ولكن نشاطهم الإلكتروني يعتبر الأكثر تطوراً في الربيع العربي. إنه يبين مهارة قوات الأسد وتصميمهم على هزيمة حركات الاحتجاج التي أطاحت بغيره من الدكتاتوريين في مصر، ليبيا وتونس.
انخرط الجيش السوري الإلكتروني بعمليات عنيفة تهدف إلى معاقبة من يُعتقد بأنهم من المعارضين، ومن ثم إلى فرض واقع إلكتروني موالٍ للنظام. خلال الأشهر الفائتة، كانت أهم وسائلهم إغراق صفحات التواصل الاجتماعي للمؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام العالمية برسائل مؤيدة للنظام، كصفحة الفيسبوك التابعة لمحطة أ ب س ABC، صفحة مجلة التلغراف، صفحة أوبرا وينفري وصفحة الخزينة الأمريكية. تتمثل وسيلتهم الأساسية في هجمات حيث يحمّلون البوابة الإلكترونية فوق طاقتها الإستيعابية عن طريق إغراقها بالتعليقات التي تمنع تعليقات الزوار العاديين وتضطر القائمين على الصفحات إلى إزالة كل التعليقات، ومنها تعليقات المعارضين.
بالإضافة إلى إغراق صفحات الفيسبوك بالرسائل المزعجة، انخرط الجيش السوري الإلكتروني بهجمات منظمة على وسائل إعلام كبرى لمنع خدمة الإنترنت عنها . فعلى الرغم من أنّ الجيش الإلكتروني السوري ظهر في الرابع عشر من نيسان، بعد اندلاع المظاهرات ضد النظام وازديادها، فإن المجموعة أعلنت عن مهاجمتها لأكثر من خمسين موقع افتراضي بالتعاون مع القراصنة العرب تضمنت أهدافهم السابقة صفحات الجزيرة، الـ BBC، و قناة أورينت الفضائية.
عبر صفحتهم على الفيسبوك، يقوم قراصنة الجيش السوري الإلكتروني بتنظيم عمليات القرصنة، كتغيير واجهة بعض الصفحات أو تعطيل عدد منها بسرعة كبيرة. عبر صفحتهم أيضاً، يقومون بوضع رسوم بيانية لتوضيح كيفية إدراج تعليقات جاهزة بالإنجليزية مؤيدة للرئيس الأسد تتهم المعارضة بالإرهاب في حين تحذر من الفوضى الناتجة عن تدخل الغرب. بناءً على بحث صادر عن مؤسسة رصد للحروب المعلوماتية، فإن صفحة أخرى تقوم بنشر أساليب (DDoS = distributed denial-of-service attack وهو محاولة الهجوم على كمبيوتر محدد وجعله غير متاح لمستخدمه الأساسي)، وتقوم بتوظيف القراصنة، وتوفير روابط لعناوين صفحات تشرح كيفية تخريب الصفحات ذات الحماية الضعيفة. تشير جيليان يورك Jillian York إلى أنّه وعلى الرغم من أنّ إدارة الفيسبوك تقوم بإغلاق صفحات الجيش السوري الإلكتروني، إلّا أن عملية بحث سريعة تظهر العديد من الصفحات الجديدة.
في يوم الإثنين كانت صفحة الأتلانتك Atlantic على الفيس بوك هدفاً بعد عرضها لقصة يوسف، وهو ناشط فلسطيني في سوريا تعرض للتعذيب على يد الجنود السوريين. القصة والقصص التي حولها أغرقت بالمئات من التعليقات النمطية. فيما يلي ترجمة لمشروع نشر على موقع الجيش:
نشر أول عدد من الأتلانتك في الثمانينات من القرن التاسع عشر. هذه المجلة لها سياسة محايدة لا تتبع أي حزب أو ديانة، مهمتها إيصال صوت الرأي العام إلى صانعي القرار. في الجزء الثاني من هذا الموضوع يوجد رسالة من شخص يدّعي بأنه من المعارضة وسجن لمشاركته في مظاهرة سلمية. بما أنها الزيارة الأولى لنا لهذه المجلة، فإنه من واجبنا شرح حقيقة هؤلاء المتظاهرين السلميين.
أحدث هجمات الجيش على صفحة الفيسبوك كانت لجامعة كولومبياColumbia ، مع أنّ الصفحة لا تَتَبع الجامعة ولا تُدار من قبلها. مجلة الواشنطن بوست Washington Post تعزو سبب الهجوم لأستاذ في جامعة كولومبيا كان قد تحدث بشكل سلبي عن علاقة البلد بإيران بموضوع نُشر في مجلة وال ستريت Wall Street يوم الثلاثاء.
كانت المجموعة أعنف عندما شنت هجمات على موقع أنونيموس Anonymous، القرصان المجهول الذي تمكن بتضافر الجهود من القيام بعمليات قرصنة متتالية خلال الربيع العربي. أنونيموس تمكن من إيقاف مواقع حكومية للدولة التونسية وأحدث ضجة كبيرة أثناء ثورة مصر عبر إغراق المديريات المصرية بالفاكسات. تمكن أيضاً من الهجوم على المواقع الحكومية للدولة الليبية قبل الالتفات على دول مثل نيكاراغوا وفنزويلا لتأييدهم لمعمر القذافي. كان المصريون والتونسيون في موقف الدفاع فيما يتعلق بموجة الهجمات في الفضاء الإلكتروني. وعلى النقيض من ذلك، رد الجيش السوري الإلكتروني على هجمة على موقع وزارة الدفاع السورية وقام بتعطيل أنون بلس AnonPlus، الموقع الاجتماعي الناشئ لأنونيموس.
شاركت مؤخراً المجموعة في هجمات التصيد، بالإضافة إلى أنشطتها المعتادة في القرصنة. فقد كشف جهاز رصد للحروب المعلوماتية محاولات القراصنة السوريين استدراج مؤيدي الثورة، عبر صفحات دخول مزورة لسرقة حساباتهم وكلمات المرور الخاصة. وفقاً للمرصد، فقد تم نشر مقطع فيديو لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر Twitterبعنوان “مقطع فيديو يُظهر هجوماً على النظام السوري”، نظام يشبه الروبوتات Koobface والذي بُحث ووُثق من قبل المراقب في تشرين الثاني 2010 . في حين لم تُنسب عملية الاحتيال هذه إلى الجيش الالكتروني السوري بشكل قاطع، إلا أن هذا النوع من هجمات التصيد يتناسب تماماً مع نشاطات المجموعة الماضية.
من غير الواضح ما إذا كان للجيش السوري الإلكتروني اتصال مباشر مع قوات الأمن، السورية. فقد لاحظت لجنة حماية الصحفيين أنه في خطاب 20 حزيران، أشار الأسد بشكل صريح ومباشر إلى مجموعة قرصنة موالية للحكومة:
“أبناء هذا الجيش هم أخوة لكل مواطن سوري والجيش دائماً هو الشرف وهو الكرامة. الشباب لهم دور كبير في هذه المرحلة لأنهم أثبتوا أنفسهم خلالها. بدءاً من الجيش الإلكتروني الذي كون جيشاً حقيقياً في واقع افتراضي إلى حملة تبرع الدم إلى غيرها من المبادرات الكثيرة. وأنا التقيت بوفود شبابية عديدة من مختلف الشرائح. شباب واع يتمتع بالحس الوطني وبالطبع فهذا شيء بديهي لأنه من هذا الوطن”.
على تويتر، شكرت هذه المجموعة الأسد لذكرها، لكنها أكدت على موقعها الخاص على الإنترنت أنها ليست تابعة لأي مجموعة ونفت أن تكون على علاقة بأي وكالة حكومية. مع ذلك، تُظهر الأبحاث التي أجراها حلمي نعمان في المراقبة أنه تم تسجيل اسم موقع الجيش السوري الإلكتروني (ٍSyrian-es.com) في 5 أيار، 2011 من قبل الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية (SCS) ، وهي المنظمة التي كان يرأسها الرئيس السوري بشار الأسد في عام 1995 قبل توليه الرئاسة . ومع ذلك، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان أعضاء العصابة يعملون لدى الحكومة السورية، ومتعاقدين أو متعاونين مع قوات الأمن، أو أنهم مجرد عصابة من القراصنة المواليين للأسد منخرطين في “اليقظة السيبرانية شديدة العدوانية” highly aggressive cyber- vigilantism .
أيا كانوا، فقد قادوا الدعم الإلكتروني المتطور والموالي للنظام عبر الإنترنت بجدارة من بين الانتفاضات العربية 2011. هذا وقد حاولت كل من مصر وليبيا قطع الإنترنت واتخذت خطوات واضحة لإبطاء الاتصالات لكنها فشلت في وقف الناشطين البارعين في أمور التكنولوجيا من استخدام نطاقات أو بواباتProxies خاصة للاتصال (كان لهذا التعتيم أثر غير مباشر في إغضاب الأشخاص الحياديين (. هذا ويظهر الجيش الإلكتروني السوري قدرة مفاجئة على التحرك داخل النطاقات نفسها على الإنترنت التي يهيمن عليها عادة الناشطين الشباب. في حين فاق التونسيون والمصريون براعة حكوماتهم في جزء كبير من استخدام وسائل الإعلام الإجتماعية لم يستمتع الناشطون السوريون بنفس الاحتكار عبر الويب.
والحكومة السورية قد تكون السباقة من بين الحكومات في العالم العربي التي استوعبت الفوائد المحتملة لتنظيم الثورة الموازية عبر الإنترنت وذلك عن طريق تعاملها مع الإنترنت كساحة معركة حقيقية في الصراع من أجل السلطة وليس كمجرد مجموعة من الأدوات والمواقع يتم تعطيلها.
تأتي أهمية الجيش السوري الإلكتروني من خلال أهدافه، وهي سورية وغير سورية على حد سواء. لا تبدو حملته أنها تميز كثيراً بين منظمي المعارضة داخل سوريا وجماعات متعاطفة أو وسائل الإعلام خارجها. الحرب الرقمية ليست فقط ضد السوريين، كما أنها لا تحترم الحدود الوطنية. سواء أكانت هذه الأدوات التي يستخدمها الجيش الإلكتروني موجّهة بطريقة خاطئة، مزعجة أو أنها تهاجم بشكل صريح، فإنها لم تتردد في توسيع نطاق تركيزها خارج سوريا.
من الواضح أن الجيش السوري الإلكتروني يتكون من عدد من الأشخاص المدنيين العاديين، لا قراصنة محترفين أو روبوتات صُممت لتحاكي الأشخاص الحقيقيين. (قد يكون هناك أشخاص محترفين ضمن المجموعة، لاسيما في بعض هجمات (DDoS . تم اختيار عينة عشوائية من ناشطين هذه المجموعة على الفيسبوك ويبدو أن جميع الحسابات والأسماء حقيقية، والمئات من المؤيدين للنظام أظهرت ما يكفي من تفاوت ليكونوا محضرين بشكل جماعي، ويبدو أن كل تعليق وُضع بشكل فردي من قبل شخص يرغب في إظهار دعمه العاطفي للأسد وإدانة المتظاهرين. ولكن حتى لو كانت مشاعرهم صادقة، فإن ادعاءات طهارة النظام حتماً غير صادقة. بات من المعروف على نطاق واسع استخدام النظام للتعذيب، على سبيل المثال، نشر الخوف هو بالضبط السبب الوحيد الذي يدير النظام من أجله برنامجاً للتعذيب.
على الرغم من مهارة الجيش السوري الإلكتروني، فإن هذه الجماعة من الأشخاص المتخفيين بهويات مدنية تكشف القسم الأكبر من مشكلة سوريا. هناك أقلية موالية لنظام الأسد، سيكون البعض منهم، لاسيما الشباب البارع في أمور التكنولوجيا داعماً ومساعداً للنظام ضد تحركات المعارضة على الإنترنت. وهذا يعطي الأسد الأفضلية بين نظرائه في مصر وتونس وليبيا الذين افتقروا إلى: الدهاء والوجود العدواني على شبكة الإنترنت. والأرجح أن مؤيدي هذه المجموعة تتألف معظمها من الطائفة العلوية التي ينتسب إليها الأسد، والعديد منهم خائف من الانتقام عند انهيار النظام. ولكن أياً كانوا وأياً كانت دوافعهم، فالجيش السوري الإلكتروني يمكن أن يتحدى الناشطين على شبكة الإنترنت، واحدة من الأماكن القليلة الآمنة المتبقية لحركة المعارضة في البلاد المحاصرة.
المصدر:
Syria’s Digital Counter Revolution
The Atlantic
http://www.theatlantic.com/international/archive/2011/08/syrias-digital-counter-revolutionaries/244382/