سوريا تنزلق نحو حرب طائفية
“قصص القتل في حمص تعزز لدعم الأسد في دمشق”
روبرت فيسك Robert Fisk
27 أكتوبر 2011
سألني مراسل من التلفزيون السوري عن رأيي بالوضع السوري، وأجبته بأنه لا يمكن لأحد أن يعامل العرب كأطفال؛ صحيح أن الثورات والانتفاضات والاضطرابات تختلف حيثياتها في الوطن العربي إلا أن النظم الدكتاتورية فشلت. ولو كان هناك – وأشدّد على كلمة “لو”- مشروع دستور جديد جاد وأحزاب سياسية متعددة وانتخابات حقيقية ونزيهة وحرة عندئذ فإن سوريا ستخرج من مأساتها، لكن الوقت المتاح للحكومة السورية ينفذ بسرعة.
سنرى إن كان سيذاع كلامي على الهواء يوم السبت (سيبقى القراء على اطلاع)، ولكن في الخارج هناك مظاهرة أخرى مؤيدة للرئيس بدأت بعشرة آلاف شخص ثم خمسين ألف، وربما يصل عدد المتظاهرون منتصف النهار إلى 200 ألف. لم يكن هناك أسلوب صدام حسين في نقل الناس بالشاحنات إلى ساحة الأمويين ولا تواجد لعناصر المخابرات، كان هناك الجنود فقط، وكانوا مع عائلاتهم. كيف يستطيع الشخص نقل أحداث مظاهرة مؤيدة للحكومة خلال فترة الصحوة العربية؟ كان هناك نساء محجبات ورجل مسن وآلاف من الأطفال كُتبت على وجوههم كلمة “سوريا”، أغلبهم حملوا أعلام سوريا وبعضهم كان يحمل أعلام روسيا والصين.
هل أُجبروا هؤلاء على الخروج؟ لا أظن ذلك. على الأقل لم تجبرهم حكومة الأسد على التظاهر. بعضهم كان يلعب كرة القدم في الحدائق المحيطة بالساحة. وقع البعض أسمائهم –مسلمين ومسيحيين- على لائحة مزينة بأغصان شجرة سورية ضخمة. ولكن إن كانوا قد أُجبروا على الخروج، فإن ذلك بسبب الأخبار القادمة من أقصى الشمال. كنت قد تحدثت مع 12 رجلاً وامرأة، خمسة منهم تحدثوا عن أقارب لهم في الجيش قُتلوا في حمص. والأخبار من حمص كانت سيئة جداً. تناولت العشاء ليلة الثلاثاء مع صديق قديم.
وقد قدم ابن عمه (المهندس المتقاعد والبالغ من العمر 62 سنة)، الماء لجنود في حمص. في الصباح التالي، طرق رجال مسلحون باب داره وأطلقوا النار عليه فأردوه قتيلاً. لقد كان مسيحياً.
بالتأكيد حذرت الحكومة السورية من حرب طائفية، وبالطبع أعطت حكومة الأسد نفسها دور الحامي الوحيد للأقليات. و بالطبع ادعت هذه الحكومة أن الإسلاميين والإرهابيين هم من يقف وراء هذه الاحتجاجات المعارضة للنظام. ومن الواضح أيضاً أن وحشية قوات الأمن السوري في درعا وحمص والمدن الأخرى ضد المتظاهرين غير المسلحين كانت فضيحة، يعترف بها أفراد الحكومة لكن بسرية.
ولكن من الواضح أيضاً أن الصراع في سوريا قسّم قلب البلاد، وأن هناك الكثير من الرجال المسلحين يواجهون الجيش. بالفعل أخبروني بأن حمص تفلت من قبضة الحكومة عدة ساعات في كل مرة. والمسافرون الدمشقيون يستطيعون قطع الطريق إلى حلب ركوباً بالباص. ولكن في هذه الأوقات ازداد عدد المسافرون بالطيران عن ذي قبل لتجنب خطر الطريق بين حماة وحلب. هذه هي الأسباب التي دعت الآلاف للقدوم والتظاهر في دمشق البارحة على حسب اعتقادي. هؤلاء الناس يشعرون بالخوف.
لا يسمح للصحفيين الأجانب بالسفر إلى حمص. وهذا خطأ فادح يقوم به النظام. يعيش في حمص السُنة والعلويون والمسيحيون جنباً إلى جنب مع الأرمن والشركس وطوائف وأعراق أخرى. قد تكون الحرب الطائفية من مصلحة أي نظام يقاتل لبقائه على قيد الحياة. ولكن ما لم يكن كل شخص قابلته كاذب –وهذا ما لا اعتقده- هذه حقيقة تتنامى الآن وسط سوريا. ولا يوجد ضد هذه الحقيقة فيتو روسي أو صيني.
كان من المقرر وصول وفد من الجامعة العربية –هذه المؤسسة العربية البائسة والأقل نفعاً- ظهر الأمس إلى دمشق. ما غايته؟ وهل سيرسلون قوى سلام؟
اُختطف محمد قدور عميد كلية البتروكيماويات في جامعة حمص قبل يومين، ليتم مبادلته بإطلاق سراح معتقلين. أُطلق سراحه بعد يوم. هل أُطلق سراح السجناء؟ لا نعلم. ولكن حدث هذا من قبل. يقولون إن كل شخص يحمل سلاحاً في محافظة إدلب. والسلاح كما يقولون يأتيهم من لبنان.
فقط اسألوا عن ماهية هؤلاء المسلحين في قلب سوريا وستتلقون الكثير من الردود: البدو الذين يهرّبون المخدرات من السعودية، المنشقون عن الجيش، الإسلاميون من العراق، ويعتقد الناس أنه لا يوجد طريقة أخرى غير هذه لإسقاط النظام. دمشق آمنة وأضواءها متلألئة والتسوق في وقت متأخر من الليل والمطاعم وآلاف المارة في الشوارع. لكن دمشق ليست ما تبقى من سوريا. دمشق تعيش بما يشبه الفقاعة.
نهضتُ بالأمس بعد ساعة والنصف ساعة من نومي، وذلك بسبب الأصوات المرتفعة لتسجيلات الهتافات الترحيبية وأصوات الطبول والأبواق التي يقوم بتجربتها بعض العاملين لدى الحكومة خارج الفندق استعداداً للمظاهرة.
هل كانت كل هذه الحشود بالأمس بحاجة لهذا التصفيق الزائف والإضافات المخادعة لمظاهرتهم؟ رسمياً، يقولون إن الأمور تتحسن في سوريا، وأنا أشك في ذلك.
إذا كان العدد الذي صرحت به الأمم المتحدة صحيح بأن أكثر من 3000 مدني قد قتل في سوريا، وإذا كانت الإحصاءات السورية صحيحة والتي تفيد بأن هناك أكثر من 1500 قتيل عسكري، وإذا كان عدد قتلى الثلاثة أيام السابقة ممكن أن يصل إلى 50 قتيل أيضاً صحيح، فإن ذلك يعني أن حوالي 4200 سوري قد قتلوا خلال سبعة شهور، هذا يكفي ليشعر أي شخص بالخوف.
المصدر:
Robert Fisk: Syria slips towards sectarian war
The Independent