الصمت بالصوت العالي…
Marc GOGNON
31 آب 2011
في سوريا، تسود الجدران بسبب الكتابات المنددة بالنظام السوري. تظهر فجأة ويتم مسحها من قبل قوات الأمن بسرعة. وفي اليوم التالي يخرج خطاب رسمي من الجهات الحكومية يقول بأن “شيئاً لم يحدث”، لتعود الكتابات فتظهر مرة أخرى وبشكل مفاجئ.
في مدينة الكسوة بدمشق، تم كتابة بعض العبارات التي تنادي بإسقاط النظام السوري فيظهر متحدث رسمي باسم الحكومة يقول إن: “السلطات السورية استعادت السيطرة على الوضع”… لمسات الأصابع هذه تعطي بعداً أساسياً ألا وهو أن الحكومة السورية تنكر الحقائق.
في الواقع، إن الأحداث التي تجري بشكل يومي تتبع الخط والمنهج نفسه بشكل متكرر، الدعوات انطلقت بشكل شفهي وعبر الإنترنت لتتجسد في حراك شعبي شبه كامل، الآن بدأ التحدي… هذا ما يقوله البعض عبر الدعوات للتظاهر المستمر ولا وجود للفتنة الطائفية كما يدعي النظام السوري. إنها خروج للتظاهر فقط للإطاحة بالنظام الديكتاتوري…
تم حشد إحدى الدعوات عن طريق الإنترنت، وكانوا متأكدين من تواجد قوات الأمن قبلهم، لكنهم خرجوا، وقد تنظر إليهم لوهلة وتتساءل “هل هؤلاء مجانين”؟. لا طبعاً، لقد قطعوا عهداً على أنفسهم بالخروج بشكل مستمر. المنظر مرعب حقاً…
تتخذ الأحداث أشكالاً مختلفة، حيث تتراوح الأعداد بضع مئات من المتظاهرين أو حتى الآلاف في مدن أخرى أو مئات الآلاف، لكن استجابة السلطات هو نفسه دائماً ولم يتغير. في الأسابيع الماضية كانت هنالك تظاهرات صامتة في حلب وفي دمشق تنديداً بالقمع الوحشي، وفي لحظات قليلة تم القبض على بعض الشبان منهم .
هنالك حالات أخرى، كخروج المتظاهرين بشكل يومي لتتحول أماكن التظاهر إلى شيء رمزي، مثل حي الميدان في دمشق حيث تجد الكثير من المتظاهرين. وقد أصبحت تشكل تحدياً بالنسبة لقوات الأمن. بالطبع لا يوجد هنالك نقصاً في الأسلحة ولا القنابل المسيلة للدموع، لكن دائماً ما يتحاشى رجال الأمن استخدام الأسلحة الثقيلة في المدن الرئيسية حرصاً منهم على عدم وصول الضوضاء إلى باقي أنحاء المدينة. تدخل سيارات الإسعاف وسط المتظاهرين فيظنون أنهم سيجدون من يسعفهم، لكن للأسف إنهم يقتادونهم إلى أماكن مجهولة.
بعد كل هذا يتم غسل الساحة بالماء حرصاً من رجال الأمن على إخفاء الدلائل التي قد تظهر للعيان، ثم يتم جلب بعض المؤيدين إلى تلك الساحة ويتم تصويرهم من جديد على أنها مظاهرة مؤيدة للنظام السوري.
النظام السوري لم يكن مدركاً أن قوته قد تتحول ضده. فعبر سنين طويلة كان يردد عبارة “كل المعارضين صهاينة”، من جديد يضيف عليها بعض قنوات الإعلام (كالجزيرة) ليتهمهم بأنهم منظمات إرهابية. يدرك المؤيدون تماماً أن روايات النظام عبارة عن أكاذيب، لكنهم يرون أنهم اضطروا إلى الكذب للحفاظ على وتيرة المواجهة ضد الثورة التي تحيط بهم .
لاشيء يحدث في سورية. لا لا أيها السيدات والسادة المتظاهرين، لا وجود للرصاص وهذا ليس صوت رصاص، لا وجود لتحليق الطيران الحربي في سماءنا… استمعوا جيداً وانصتوا لنا مرة أخرى…
نعم هذه نداءات رئيس الجمهوية لسماع المؤيدين فقط، ولتصموا آذانكم عن صرخات كل معارض…
إلا أن بقعة التظاهر توسعت. أصبح صوت الرصاص يصم الآذان وكُسر الصمت. اليوم في سورية يجب أن يبقى الصمت هو القاعدة. الصرخات الوحيدة المقبولة هي تلك التي تعبر عن الدعم للرئيس فقط…
المصدر:
…Ce bruyant silence
Le Monde Blogs
http://syrie.blog.lemonde.fr/2011/08/31/ce-bruyant-silence%E2%80%A6/