سوريا موطئ قدم روسيا في الشرق الأوسط
روبرت ج. رابيل Robert G. Rabil
21 أكتوبر 2011
في خضم نوبة الغضب لاجتماع مجلس الأمن الأخير بعد أن استخدمت الصين وروسيا حق النقض ضد قرار يدين الحملة السورية الشرسة على المتظاهرين، أعربت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سوزان رايس عن “غضب” واشنطن من هذا النقض، ووصفته بـ”الحيلة الرخيصة من قبل أولئك الذين يفضلون بيع أسلحة إلى النظام السوري بدلاً من الوقوف مع الشعب السوري”.
إلا أن السفير الروسي فيتالي تشوركين Vitaly Churkin وصف أن التهديد بفرض عقوبات مشددة “غير مقبول”، نظراً لأنه يعبر عن “فلسفة المواجهة”. كما انتقد تشوركين أعمال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي السابقة في ليبيا- التي دوّرت قرار الأمم المتحدة ضد معمر القذافي، والمعد لحماية المدنيين، إلى حملة قصف تستهدف تغيير النظام.
في الواقع، لاحظ بعض المحللين أن حق النقض ضد سوريا هو تماماً خطوة روسية انتقامية تُعزى إلى ما وصفها الكثير بـ “تبعات الحالة الليبية”.
إن جوهر السياسة الروسية تجاه نظام الأسد تصب في مصلحة روسيا الإستراتيجية في الحفاظ على نفوذها وربما توسعها في الشرق الأوسط كجزء من محاولتها لتنشيط مكانتها الدولية وجهاً لوجه مع الغرب. هذه الرغبة ليست جديدة. ففي ظل ظروف مماثلة طوال الحرب الباردة قاد الاتحاد السوفيتي السياسة نفسها تجاه سوريا.
بينما ألقت الحرب الباردة بظلالها على الشرق الأوسط، جلبت حليفين غير مرغوبين فيهما -الزعيم السوفياتي نيكيتا خروبتشوف Nikita Khrushchev والزعيم المصري جمال عبد الناصر. في البداية، ولدت في الاتحاد السوفيتي مطالبة صغيرة وسط أكثر الدول العربية محافظة، كما ولدت القومية الناصرية العربية القوية شكوكاً حول القوة الجديدة والخطط المحتملة في المنطقة. وعلى العموم فقد رفض خروبتشوف تمرد عبد الناصر المصري كانقلاب عسكري، والذي يفتقر إلى عداء ملائم للبرجوازية.
ولكن عندما شكّلت بريطانيا حلف بغداد، وهو تحالف مع الدول المسلمة الصديقة (تركيا، العراق، إيران، وباكستان) التي تجمعت معاً تحت ستار معاداة الاتحاد السوفيتي، أصبح عبد الناصر قلقاً. بدا الغرب عازماً على إحباط أهدافه الوطنية في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لقد احتاج إلى السلاح لمواجهة أسلحة إسرائيل المتفوقة. وكان الرئيس أيزنهاور Eisenhower قد وعدهم لكن على ما يبدو لم يعد راغباً في الوفاء بالوعد. لذا توجه غليان عبد الناصر إلى موسكو. وكان خروبتشوف سعيد جداً للالتزام. ورأى في ذلك فرصة ألا وهي: إرسال سفن مسلحة لعبد الناصر والحصول على موطئ قدم في الشرق الأوسط. وموطئ القدم هذا كان حلم روسيا منذ أيام القياصرة.
قبل فترة طويلة، تركز الصراع في الشرق الأوسط على سوريا، والتي أصبحت ساحة لقوتين إقليميتين- القوميون العرب المدعومون من الاتحاد السوفيتي وأكثر الأنظمة الصديقة للغرب والمدعومة من قبل الولايات المتحدة.
اعتبر الاتحاد السوفيتي سورية دولة رئيسية في التأثير على السياسة المشرقية (الأردن، لبنان، العراق، وإسرائيل) وكتأجيج للمشاعر القومية العربية، بالنظر إلى أن دمشق مشهورة بكونها مهد القومية العربية. لكن الاستقطاب التعددي الحزبي السوري عرقل جهود موسكو في فرض سيطرتهم على السياسة السورية. بصفة عامة، اعتمد الاتحاد السوفيتي على مساعداته العسكرية لسورية وعلى حليفه الشيوعي البارز صاحب النفوذ خالد بكداش ليؤثر بالسياسة السورية. وعندما استولى حزب البعث على السلطة في عام 1963 أخذت سياسة موسكو اتجاه دمشق منعطفاً حاداً حيث لم تكتف روسيا في محاولة جعل سوريا دولة عميلة، بل حاولت أيضاً استخدام دمشق كنقطة انطلاق لتعزيز مكانتها الإقليمية على حساب الغرب. في أيار عام 1967 ، ومع انشغال الولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا، سلمت موسكو إنذاراً كاذباً لمصر. حذّر هذا الإنذار من أن إسرائيل تحشد قواتها على الحدود بين إسرائيل وسوريا استعداداً للغزو. وقد أخطأت القيادة السوفيتية حين تصورت أن المواجهة بين العرب وإسرائيل ستفيد موسكو. وكما اتضح فيما بعد، فقد خسرت سوريا مرتفعات الجولان لصالح إسرائيل، كما تقلصت محاولات موسكو لدرء الهزيمة السورية إلى مجرد تهديدات لفظية.
استلام حافظ الأسد القيادة السورية في عام 1970 غيّر في ديناميكية العلاقة السوفيتية- السورية.
أراد السوفيت من سوريا الطواعية والاحترام لموسكو، ولكن الأسد أراد الاستقلال الوطني. وضع علامة على التوترات الناتجة عن العلاقات السوفيتية السورية حتى وقت مبكر من عام 1980.
في عام 1970، تدخل الأسد في لبنان ضد رغبات السوفيت. في عام 1980 حشد قواته على الحدود الأردنية السورية دون التشاور مع السوفيت، ونقل إلى لبنان صواريخ سوفيتية في عام 1981. في أعقاب غزو إسرائيل للبنان عام 1982 لم تؤجل سوريا رغبات السوفيت. اعترف الأسد بأن سياسة التكافؤ الاستراتيجي مع إسرائيل، كانت فرصة كبيرة للنجاح من دون الأسلحة السوفيتية المتطورة. حصل عليهم. في عام 1983، زودت موسكو دمشق صواريخ أرض أرض المتقدمة، ss-21 ما أدى إلى إثارة استياء واشنطن وإسرائيل.
ووصلت هذه العلاقة إلى نهايتها مع انهيار الاتحاد السوفياتي. أمّا الآن، فقد تم إحياء العلاقات السورية الروسية من خلال جهود الرئيس الروسي السابق بوتين، والذي حاول استعادة السلطة السوفياتية السابقة في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً في سوريا. وقد زاد هذا الاهتمام الروسي بدمشق عقبَ الغزو الأمريكي للعراق وحرب أوسيتيا Ossetian الجنوبية عام 2008. وكانت واشنطن، والتي حصلت بالفعل على دور رئيسي في شبه الجزيرة العربية من خلال اتفاقاتها الأمنية الثنائية مع دول الخليج العربية عقب حرب الخليج الأولى في عام 1990، تتوجه نحو توسيع نطاق سلطتها في الشرق الأوسط. وكانت النتيجة أن مشهد ما بعد الحرب السياسية الباردة أخذت ملامح مشهد الحرب الباردة. وكانت دمشق قد عادت إلى الظهور باعتبارها نقطة رئيسية لدخول النفوذ الروسي إلى الإقليم. هذا وإلى جانب استئناف مبيعات الأسلحة إلى سوريا بأسعار مخفضة وتجديد دبابات سورية سوفيتية الصنع، صفحت روسيا عن مليارات من الديون السورية المتراكمة خلال الحقبة السوفيتية. وبالمقابل، عرضت دمشق تحويل ميناء طرطوس إلى قاعدة دائمة في الشرق الأوسط للسفن الحربية الروسية المسلحة نووياً. والجدير بالذكر أنّ روسيا رفضت تزويد سوريا بصواريخ S – 300 المتطورة، والتي يمكن أن تعطي دمشق قدرة الدفاع الجوي ضد التفوق الجوي الإسرائيلي.
وقد وضع اندلاع الثورة السورية روسيا في موقف حرج. موسكو تعترف بأن المعارضة السورية قد كسرت حاجز الخوف، وقد كسبت الأرض، إلا أنها (روسيا) لا تعتقد أن نظام الأسد سيسقط. إنها تتسلى بالسيناريوهات: إمّا أن النظام سينجو من الثورة أو سيتراجع الى دولة علوية تقع في بقعة إستراتيجية بين تركيا ولبنان ومفتوحة على البحر الأبيض المتوسط. كما أنها تعتقد أنه لا إيران ولا حزب الله سوف يتخلون عن النظام العلوي. ووفقاً لحسابات السلطة في موسكو، فإنّ نظام الأسد سيستخدم مصالحها على نحو أفضل من أي نظام آخر بمختلف السيناريوهات. وما يدعم هذا النمط من التفكير هو حقيقة أن الثورات في مصر وليبيا وتونس لم تعزز بعد العلاقات الروسية مع هذه الدول. وروسيا، مثل الاتحاد السوفيتي، وجدت نفسها في كثير من الأحيان مهمّشة في منطقة الشرق الأوسط من السياسات الإقليمية والغربية.
هذا الشعور بالعزل هو ما يقود سياسة موسكو اتجاه سورية. لايمكن للمرء إلا أن يلاحظ أن الخطاب الروسي تجاه سورية اليوم يشبه إلى حد كبير ذاك من الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. على الرغم من اختلاف الظروف الإقليمية في أعوام 1957، 1967، و 1973. أراد الاتحاد السوفيتي دائماً القوى العظمى ليمنع استخدام القوة في الشرق الأوسط. والآن تسعى روسيا لصرف النظر عن المعارضة المتزايدة الخليجية، التركية، الكردية والإسرائيلية للنظام السوري، ناهيك عن المعارضة السورية التي أعلنت مؤخراً إنشاء جيش صلاح الدين الأيوبي.
وهكذا، على الرغم من رغبة روسيا في تفعيل علاقاتها مع سوريا من أجل توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط بما يتفق مع السلوك الماضي خلال الحقبة السوفياتية، هذا الجهد لا يبدو أنجح مما كان عليه في الأوقات السابقة. نظام الأسد هو أرض ضعيفة لتُبنى عليها هكذا سياسة.
روبرت ج. رابيل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلوريدا أتلانتيك، صاحب المؤلفات التالية: الجيران محاصر: سورية وإسرائيل ولبنان (لين راينر 2003)، سوريا، الولايات المتحدة والحرب على الإرهاب في الشرق الأوسط (برايجر، 2006). وآخرها: الدين والهوية الوطنية، والسياسة الطائفية في لبنان: تحدي الإسلام (بالغريف ماكميلان ، 2011).
المصدر:
Russia Seeks Syrian Foothold in Mideast
The National Interest
http://nationalinterest.org/commentary/russia-seeks-syrian-foothold-mideast-6067