سوريا: أثر العقوبات

سوريا: أثر العقوبات

بدأت بالتأثير على حكومة الأسد ولكن هل هي كافية لإسقاط النظام؟

هيوغ ماكليود و آنا صوفيا فلاماند

30 أيلول 2011-10-12

في الجزء الثاني من سلسلة تقاير الغلوبل بوست عن سوريا منذ بدء الانتفاضة المطالبة بالديمقراطية وحملة الاعتقالات التي تبعتها, تتناول هذه المقالة محاولات الرئيس بشار الأسد للحفاظ على التوازن الاقتصادي في مواجهة العقوبات الغربية، وما إذا كانت ستنجح هذه المحاولات في الأشهر القادمة.

بيروت, لبنان. بعد مضي ستة أشهر على محاولاتها المستمرة لدحض الانتفاضة من أجل الديمقراطية, بدأت الحكومة السورية تشعر بالضغط الاقتصادي الذي فرضته العقوبات والحظر على صادرات النفط.

من تقرير: ثمن القمع

“لا توجد هناك تقييمات إيجابية” هذه هي شهادة أحد رجال الأعمال لغلوبل بوست. “هنالك من يقول إن استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الأمور يمكن أن تدار, ولو بصعوبة, من ثلاثة إلى ستة أشهر أخرى, ولكن بعد الربع الأول من 2012 لا يمكن للاقتصاد إلا أن يسير باتجاه واحد”

محاربة التضخم المالي

إن التحكم بالتضخم المالي يشكل الدعامة الأساسية للسياسة الاقتصادية التي ينتهجها النظام الأسدي، حسب تصريحات  رجال الأعمال والمحللين والسياسيين.

صرح أديب ميالة, مدير المصرف المركزي السوري, في أواخر آب/أغسطس لشبكة الأخبار المالية والتجارية بلومبيرغ أنه ومنذ بدء الانتفاضة في منتصف آذار/مارس تم صرف مليارين دولار لحماية الليرة السورية من حساب قيمته الإجمالية 5 مليارات دولار والمخصص لهذا الهدف.

قال ميالة بأنه في هذه المدة خسرت العملة المحلية 3 بالمئة فقط من قيمتها مقارنة بالدولار الأميركي. يقدر محللون مستقلون بأن نسبة التضخم الحقيقة لليرة السورية منذ بدء الانتفاضة تقع بين 10 و17 بالمئة.

صرح محمد خالد, رجل أعمال ثري من حمص يعمل بمجال الاستيراد وكان قد عقد صفقات مع الحكومة, ويعمل الآن في المنفى مع المعارضة, بأن المصرف المركزي استطاع المحافظة على سعر الصرف الرسمي (47 ليرة للدولار) فقط عن طريق ضخ مبالغ هائلة في الأسواق من قبل مؤيدي النظام.

يضيف خالد إن من أكثر المؤيدين هو ابن خال الرئيس الأسد, رامي مخلوف, والذي أصبح أغنى رجل أعمال في سوريا خلال 11 عاماً خلال حكم الأسد. قال خالد إن مخلوف أودع 3 مليارات دولار في المصرف المركزي في منتصف شهر أيار/مايو بينما كانت قيمة الليرة السورية تتدهور.

أكد دبلوماسي غربي مقيم بدمشق ومتابع لأخبار الاقتصاد معرفته بهذا الحساب، وأضاف أن مخلوف ضغط على كبار رجال أعمال سوريا للقيام بالعمل ذاته.

كل هذه الجهود على مدة ستة أشهر للحد من التضخم المالي بدأت تؤثر سلباً على ميزانية سوريا.

أعلنت الحكومة في 24 أيلول/سبتمبر حظراً على استيراد البضائع ذات التعرفة أكثر من 5 بالمئة, و قد أقر وزير الاقتصاد والتجارة أن هذه الخطوة تهدف إلى “حماية احتياط الدولة من العملات الأجنبية” والتي تبلغ قيمته بين 17 و 18 مليار دولار حسب تقدير العديد من الاقتصاديين.

إن الحظر الذي شمل البضائع الاستهلاكية والسيارات،  وليس المواد الخام أو الغذائيات, كان له تحول واضح لسياسة الأسد لفتح اقتصاد سوريا على العالم بعد عقود من سياسة الحظر على الاستيراد والشبيهة بتلك التي كانت متبعة من قبل النظام السوفيتي.

هذه الخطوة أربكت الكثير من رجال الأعمال السوريين الذين يكسبون رزقهم في مجال استيراد البضائع للمحلات التجارية أو المصانع أو لإعادة التصدير.

قال سكان دمشق إن أسعار المواد الإستهلاكية المستوردة ارتفعت  بمعدل 30 بالمئة.

ارتفع سعر القهوة والطحين بشكل حاد ومفاجئ بنسبة 50 بالمئة. وهناك تكهنات بأن سعر المازوت سيرتفع بشكل حاد أيضاً، والذي سيعتمد عليه السوريون لتدفئة منازلهم في الشتاء القادم.

كتب المحلل السياسي السوري سامي المبيض “سوريا في أزمة حقيقة لا يريد المسؤولون الاعتراف بها”.

حيث قال: “إن الحظر على المواد الاستهلاكية ستشكل أزمة حقيقة ودائمة بين الحكومة وطبقة كبار رجال الأعمال التي استمرت إلى الآن بدعم النظام لأن أوضاعهم ازدهرت نتيجة لسياسات الأسد الداعمة للمشاريع التجارية”.

من سوريا: حلب, عملاق سوريا النائم, بدأ يتحرك

صرحت غرفة تجارة حلب , في انتقاد علني غير مسبوق, أن حظر الاستيراد يمكن أن “يضر الاقتصاد الوطني بشكل بالغ” ويحط من القوة التنافسية للصناعات المحلية.

بعد فترة وجيزة, أعلن النظام زيادة الميزانية لعام 2012 بنسبة 50 بالمئة, مما أثار قلق بعض المحللين بأن النظام سيبدأ طباعة الأوراق المالية لتغطية مصاريفه مما سيؤدي إلى زيادة التضخم المالي.

تأثير العقوبات العالمية

يقر أغلبية المحللين أن السبب الرئيسي لتردي الأوضاع الاقتصادية بسوريا هي العقوبات الأميركية والأوروبية المتزايدة ضد مسؤولي النظام ورجال الأعمال الداعمين له بالإضافة إلى الحظر على استيراد النفط السوري الخام.

علاوة على العقوبات الشديدة على التجارة الثنائية بين سوريا والولايات المتحدة التي فرضها قرار محاسبة سوريا والذي أُقر في عهد حكومة بوش، فقد قام الرئيس باراك أوباما بتوسيع العقوبات التجارية والسفر وتجميد الأرصدة لتشمل الأسد, والمقربين منه وعشرات من كبار رجال أعمال سوريا والمؤسسات ذات الصلة القريبة من النظام.

 حذا الإتحاد الأوروبي حذو الولايات المتحدة وأقر عقوبات على 50 شخصية و9 مؤسسات في سوريا، وبعد عدة مداولات، اتبع خطى الولايات المتحدة بمنع استيراد النفط الخام السوري الذي قدرت المفوضية الأوروبية  مردوده على النظام بـ 4.6 مليار دولار في عام 2010.

الحظر يعني أن كبرى شركات النفط الأوروبية في سوريا, مثل توتل, رويال داتش شيل وغولف ساندز, لم تعد باستطاعتها توسيع مشاريعها الحالية. لكن مصدر دبلوماسي قال إن العديد من الشركات قد بدأت تخفيض الكميات التي تستخرجها. قامت شيل, بأواخر أيلول/سبتمبر, بوقف الإنتاج في سوريا وفقاً لجريدة نيويورك تايمز.

تنتج سوريا حوالي 400,000 برميل نفط يومياً, وقد كانت تصدر سابقاً 1500,000 برميل باليوم أغلبه إلى هولندا, إيطاليا, فرنسا وإسبانيا.

يقول محللون ونشطاء إن عائدات الصادرات, رغم قلتها نسبياً على مستوى العالم, تجلب ملايين الدولارات يومياً إلى حكومة الأسد, مشكلةً حوالي 30 بالمئة من وارداتها.

عندما توقفت مارسك وغيرها من ناقلات النفط عن الإبحار من الساحل السوري إلى مرافئ أوروبا, أجبرت حكومة الأسد على التوجه شرقاً لآسيا للبحث عن مشترين جدد لنفطها الخام، مع أنها ستواجه احتمال ارتفاع سعر الشحن وإجبارها على البيع بسعر مخفض لأن الزبائن سيستغلون الأوضاع السياسية للحصول على صفقة أوفر.

وقد أخبرنا رجال أعمال دمشقيين عن شعور ملحوظ ومتزايد بالعزلة لأن النظام لم يعد بإمكانه التعامل بالدولار نتيجة العقوبات الأميركية وتوقف الفيزا والماستير كارد عن العمل بسوريا.

“أشعر بأنني مقيد هنا الآن” قال رجل أعمال سوري. “لا أستطيع استخدام أيً من بطاقاتي المصرفية العالمية ولا أستطيع مغادرة دمشق إلا بصعوبة. يمكن أن تكون التأثيرات نفسية ولكنها تظل تؤثر على الطريقة التي تنظر بها إلى الاقتصاد السوري. أفضل زبائني توفقوا عن المجيء إلى هنا”.

قوات الأمن تتجنب كل هذا؟

يُجمع الدبلوماسيون ورجال الأعمال والمحللون على أن قوات الأمن هي آخر من سيشعر بأية محنة اقتصادية في سوريا. تلك القوات التي اعتمد عليها نظام الأسد لقمع المظاهرات المطالبة بالحرية بشكل وحشي من أجل الإبقاء على قبضته في الحكم.

كما صرحوا بأن قوات الأمن والذين يرتدون ملابس مدنية يتلقون مساعدات مالية يومياً لضمان بقائهم متحمسين وهم يقتلون ويعذبون المتظاهرين.

يشاع أن “الشبيحة”, المرتزقة الأكثر موالاة للأسد, يتقاضون أكبر أجر, حيث يتلقون علاوات يومية بين 30 إلى 100 دولار لكل عملية. يمكن أن يصل راتبهم الشهري إلى 5000 دولار, وهو مبلغ خيالي في بلد معدل الراتب الشهري فيه 200 دولار, حسبما صرح المعارض حبيب صالح الذي دَرس ما يطلق عليه بـ “الشبيحة”.

نتيجة لهذه الحوافز المالية, لا يتوقع الكثير سقوط رجال الأمن المواليين للأسد والذين يرتدون ملابس مدنية في أي وقت قريب رغم أن المحنة الاقتصادية مستمرة بإزاء عامة الناس.

يقول خالد “في الأشهر الثلاثة القادمة سوف يزيد شعور تراجع الثقة عند المستثمرين”. “ولكن عامة الشعب صابر. يقولون بأن لديهم هدف يريدون تحقيقه وبأنهم دفعوا الثمن بالدم فلا مشكلة لديهم بدفع الثمن بأموالهم الآن”.

وقد صرح دبلوماسي غربي بأنه لطالما المعارضة منقسمة وبدون خطة سياسية واضحة، فهناك خوف بأن النظام سيقنع أغلبية السوريين بأن الأزمة المالية التي يشعرون بها سببتها قوى خارجية وأن النظام الأسدي فقط هو الذي يستطيع تأمين الاستقرار في هذه الفوضى.

وأضاف “إن قامت الحكومة بدعاية ناجحة لفكرة التدخلات الأجنبية, فلن يكون الاقتصاد هو العامل الذي سيسقط النظام”.

“إذا لم يكن هناك بديل معارض موثوق, فإن الناس ستصدق النظام وتتحمل الأزمة التي تعصف بها”.

المصدر:

http://www.globalpost.com/dispatch/news/regions/middle-east/110930/syria-the-sanctions-effect

Syria: The sanctions effect

Hugh Macleod and Annasofie Flamand

September 30, 2011

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s